هي أول من كتب الشعر الحر، ونشأت في بيت مثقف، لأم شاعرة وأبٍ كاتب، كرمتها دار الأوبرا المصرية في عام 1999 بإقامة حفل لها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاق الشعر الحر، تركت إرثا كبيرا من مؤلفاتها، أثرت به الثقافة العربية، فتعتبر موسوعة «دائرة معارف الناس»، من أهم مؤلفاتها، والذي يتضمن 20 مجلدا.
إنها نازك الملائكة.. الشاعرة العراقية التي دخلت معهد الفنون الجميلة، وتخرجت من قسم الموسيقى، وحصلت على ماجيستر في الأدب المقارن من جامعة وسكنسن بأمريكا، عاشت بالقاهرة منذ عام 1990، حتى توفيت عام 2007.
أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن الشاعرة نازك الملائكة هي رمز للثقافة العربية 2023 ونموذج لأهمية المرأة وأدوارها في المجتمع، وتعد القيمة الفنية لتجربة نازك الملائكة في ادبها هي أنها كانت تقصد ما اقدمت عليه، فتميزت عن غيرها أنها استطاعت أن تًنظر لقصيدتها.
وهناك عوامل شتى لعبت دورا في تشكيل شخصية نازك الملائكة الثقافية، والتي أفصح عنها كبار النقاد؛ منها: البيئة التي نشأت فيها، وذلك لأنها ولدت في بيت مثقف من الأم والأب، فبيتهم عبارة عن مكتبة كبيرة، تنفست منها الأدب والشعر والثقافة، فمن أمها تعلمت الأوزان الشعرية، ومن أبيها تعلمت أصول اللغة العربية، وذلك ظهر في اتقان هذه اللغة، فكل هذا كون شخصيتها، ليس فقط في قدرتها على كتابة الشعر فحسب، بل والتمرد عليه أيضًا.
خدمها تعليمها في معهد الفنون للموسيقى التي تحدثت عنه قائلة في أحد الحوارات الصحفية: «إن هذه الدراسة أفادتها كثيرا في كتابة قصائدها لأن الشعر موسيقى يخضع لاشتراطات موسيقية»، ونشرت لها قصيدة الكوليرا التي فتحت باب الريادة لها في كتابة لشعر الحر وانتشر اسمها وشعرها كالنار في الهشيم زكانت قد كتبتها بعد انتشار مرض الكوليرا.
أما فيما يتعلق بحركة الريادة الشعرية العراقية؛ فقد ذكر الناقد الأدبي بشير الحاجم، أن نازك الملائكة هي الاولى التي قامت بالتجديد والتحديث، فالتجديد ضمن القصيدة العمودية، والتحديث ضمن الشعر، بمعنى أن نازك الملائكة عندما كسرت عمود الشعر العربي، وكتبت قصيدة الكوليرا أحدثت، لكن التجديد سبق حداثتها فيما يتلق في الوزن بالقصيدة أو القافية أو حتى الموضوعات.
وعندما نقول أن هذا الشاعر جدد في القصيدة العمودية فهذا يعني انه ربما أضاف للقصيدة العمودية عنوانا أو موضوعات جديدة أو نوَع في القوافي أو الأوزان في داخل القصيدة الواحدة، لكن التحديث فهي الانتقالة من نازك الملائكة من العمود العربي إلى العمود الحر أو الأفقي وهذا ما جعل ريادة الملائكة ريادة فنية وطوق لتغير شكل الكتابة النمطية وأشكالها المعروفة.
كتبت نازك الملائكة عددا كبيرا من القصائد، مثل عاشق الليل عام 1947، شظايا الرماد عام 1949، قرارة الموجة 1957، شجرة القمر 1968، ويغير ألوانه البحر عام 1970، مأساة الحياة وأغنية للإنسان عام 1977، الصلاة والثورة عام 1978، بالإضافة إلى آخر قصائدها "أنا وحيدة"، والتي كتبتها كتأبين لزوجها.
رحلت عن عالمنا في 20 يونيو 2007، عن عمر ناهز 83 عامًا، بعد معاناة مع المرض، في منزلها، عقب إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية، ودفنت في مقبرة خاصة للعائلة بالقاهرة، ولقبت عائلتها بـ«الملائكة»، الذي أطلقه عليهم بعض الجيران، بسبب ما كان يسود البيت من هدوء، ثم انتشر اللقب وشاع وحملته فيما بعد.
نشرت نازك الملائكة كتابا لها تحت عنوان: «سيكولوجية الشعر»، تناولت خلاله مدى ارتباط الشعر الحديث بالمأثورات الشعبية، الحالة النفسية التي تواكب ميلاد القصيدة لدى الشاعر ذكرت من خلاله أنه يوجد برابطة خفية بين الشاعر ولغته التي يستعملها في نظم الشعر، وهي الرابطة التي يختص بها الشاعر، لأننا لا نجد مثيلا لها بين الأديب ولغته.
وسر هذا الاختصاص لدى الشاعر أنه اكثر إنقيادا واستسلاما إلى اللاوعي اللغوي بسبب ما يملك من إحساس مرهف مشحون وروح محتشد زاخم حتى يكاد الشعر يصبح سلسلة من الرحلات في الأعماق الباطنة للغة يقوم الشاعر بإحداها في كل قصيدة يبدعها حتى تصير القصيدة كيانا له تاريخ وهيكل.
وبين الملائكة أن هناك أسبابا جعلت الشاعر أوثق اتصالا باللغة وهي أن تعبيره موزون مقفى وذلك لأن الوزن يستثير في الذهن على حد قولها تأريخا سحيقا مطمورا للغة فتنبثق في ذهن الشاعر ألفاظ مفاجئة لم تكن تخطر على باله قبل بدئه بإبداع القصيدة، كما لابد للشاعر الذي تتوثق صلته باللغة وقوانينها من أن تكون ملكة اللغة قد أصبحت فطرة في نفسه يغرف منها بلا انتهاء حتى يبدع في تجسيد الصوة الشعرية والموسيقى دون أن يخرج عن أُسس اللغة وقواعدها.
أوضحت الملائكة أيضا أن اللغة العربية تعد كنز الشاعر وثروته منها يستمد شاعريته ووحيه فكلما ازدادت صلته بها كشفت له عن أسرارها المذهلة وفتحت له كنوزها فكل صورة في القصيدة للشاعر يكمن فيها من العوالم ما لا حدود له، وذلك كما رأئه بعض من المعاصرين في أن قواعد النحو واللغة هي قيد في عنق الشاعر الذي يستعمل تلك اللغة يستنفد تفكيره الذي يريده لابداع المعاني فقواعد النحو صديقة الشاعر تعطيه الأمان وتحرس معانيه وتحميه من الالتباس.
وأشارت الملائكة إلى أن الفكر في القصيدة اذا جاء قبل اللغة فهو مخطيء وغير مقبول في النقد الأدبي فلا يوجد فصل بين الفكر واللغة التي نعبر بها عنه فالفكرة في الواقع تتغير حين نُغير اللغة التي صيغت بها فالفكرة واللغة كلاهما مطلوبان في القصيدة، لكن التعبير عنصر شديد الاهمية فكم من فكرة أصيلة أساء الشاعر في التعبير عنها بالألفاظ.
كما ترى الملائكة أن استعمال العامية في الشعر الفصيح منفر للنفس العربية لأنه ينقلنا إلى آفاقنا المتخلفة ويذكر بعهود الظلام والعذاب التي نشأت فيها هذه اللهجات العامية التي تعبر في كثير من ألفاظها عن الكبت والإهانة فالعامية لغة ساذجة تعكس العواطف البدائية وضحالة الفكر، فاللغة العامة أسقطت كل ما كان مترابطا في اللغة العربية في حين إن الترابط هو العبقرية المذهلة التي إتصقت بها لغتنا وتميزت بها عن باقي اللغات.
وأوضحت أن، اللغة العربية بما فيها من قوانين القياس ومعاني الصيغ وأسلوب ترتيب العبارة ما زالت أيضا بكرا مليئة بالكنوز وفي وسعها أن تنفجر بالعطر واللون والصور بين يدي الشاعر المعاصر على صور لم يكن الشاعر العربي القديم يحلم بها والسبب في ذلك أن اللغة العربية لغة واسعة لها الآلاف من المفرادات لا نستعمل منها إلا جانبا يسيرا وفي المتبقي ثروة كبيرة.