السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

د. أشرف ناجح إبراهيم عبدالملاك يكتب: أمور مهمة فى حبرية المنتقل البابا فرانسيس

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الكنيسة كرّست لأوّل مرّة فى التاريخ مجمعًا لتسأل نفسها وتتأمّل فى طبيعتها ورسالتها

8  أعوام على الزّيارة الرّسوليّة لقداسة البابا فرنسيس لمِصْر ووصفها بأن فيها الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية

فى حبريّته صدر إعلان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة" الصّادر من قِبل "دائرة عقيدة الإيمان"

 

فى مطلع الألفيّة الثّالثة، فى ٢ من أبريل لعام ٢٠٠٥، تنيّح القدّيس البابا يوحنّا بُولس الثّاني، الذى امتدت حبريّته إلى ما يقرب من ٢٧ عامًا. 

وفى الشّهر عينه (أبريل)، وبعد عشرين عامًا (٢٠٢٥)، رقد على رجاء القيامة البابا فرانسيس الأوّل أيضًا. ففى صباح يوم الاثنين الموافق ٢١ من شهر أبريل لعام ٢٠٢٥، وفى تمام الساعة ٧:٣٥ بتوقيت مدينة "روما" الإيطاليّة، رحل عن عالمنا البابا فرنسيس الأوّل، الذى يحتلّ التّرتيب الـ٢٦٦ فى قائمة باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة.

ومِن جِهة أُخرى، على مدار حَبريّة البابا المنتقل فرانسيس الأوّل، التى دامت أكثر من ١٢ عامًا (٢٠١٣-٢٠٢٥)، قد تناولتُ مرارًا وتكرارًا العديد من مضامين فكره. 

ولذا، ففى هذا المقال، أُقدّم ملخّصًا عن بعضٍ ممّا نشرته عنه، وعن فكره، بدون عمل عرض وحصر شاملين عن كلّ ما كتبتُه عنه، ودون مراعاة التّسلسل التّاريخيّ؛ وليس هذا أيضًا موجزًا عن فكر قداسته فى حدّ ذاته، ولا حتى فى خطوطه العريضة.

١ - البابا فرنسيس الأوّل و"التَّقليد"

يمكن الإشارة إلى أنّ التّقليد هو الإيمان الحيّ النّاجم عن الأموات الذين سبقونا "إيمان أمواتنا الحيّ"، والنّزعة التّقليديّة هى الإيمان الميّت للأحياء الحاضِرين والرّاهنين "إيمان الأحياء الميّت". وقد قال البابا فرنسيس فى هذا الصّدد، فى عظته بـ"ملعب الكومنولث" فى كندا (٢٦ يوليو ٢٠٢٢):

«إلى جانب كوننا أبناء تاريخ يجب أن نحافظ عليه، نحن صنّاعُ تاريخ يجب بناؤه.. الذين سبقونا نقلوا إلينا حبًّا وقوّة وتوقًا ونارًا علينا إحياؤها. ليست مهمتنا المحافظة على الرّماد، بل علينا إحياء النار التى أشعلوها. كان أجدادنا وكبارنا يرغبون فى رؤية عالم أكثر عدلًا وأكثر أخوّة وأكثر تضامنًا، وقد كافحوا من أجل أن يعطونا مستقبَلًا.

 الآن، علينا ألّا نخيِّب آمالهم. وعلينا أن نتولى مسؤوليّة هذا التقليد الذى قبلناه منهم، لأنّ التقليد هو إيمان أمواتنا الحيّ. من فضلكم، لا تحَولوه إلى تقليد جاف، أى إلى إيمان الأحياء الميّت، كما قال أحد المفكّرين. آباؤنا هم جذورنا وسندنا، وعلينا الآن أن نؤتى ثمرًا. نحن الفروع التى يجب أن تُزهر وأن تضع بذورًا جديدة فى التاريخ».

٢ -البابا فرنسيس الأوّل و"المجمعُ الفاتيكانيّ الثَّاني"

فى عظة البابا فرانسيس الأوّل، فى أثناء القدّاس الإلهيّ، بمناسبة الذّكرى السّتين لافتتاح المجمع الفاتيكانيّ الثّانى (١١ أكتوبر ٢٠٢٢)، قال قداسته:

«فمن أجل إحياء محبّتها، كرّست الكنيسة، لأوّل مرّة فى التاريخ، مجمعًا لتسأل نفسها وتتأمّل فى طبيعتها ورسالتها. وقد عادت واكتشفت نفسها أنّها سرُّ نعمة وُلِدَ من المحبّة: عادت واكتشفت أنّها شعب الله، وجسد المسيح، وهيكل الرّوح القدس الحيّ!.. لنكن متنبّهين: سواء التقدميّة التى تستند إلى العالم، أو المحافظة – أو الرجوع إلى الوراء - التى تتحسر على عالم مضى، كِلاهما ليسا دليلًا على المحبّة، بل على عدم الأمانة. كِلاهما مواقف أنانيّة بيلاجيّة، يقدّمان ذوقهما وخططهما على المحبّة التى ترضى الله، المحبّة البسيطة والمتواضعة والأمينة التى طلبها يسوع من بطرس.. لنعد من جديد إلى ينابيع حبّ المجمع النقيّة. لنجد من جديد حبّ المجمع، لنجدّد حبّنا للمجمع! ونحن مغمورون فى سرّ الكنيسة، الأم والعروس، لنقل نحن أيضًا، مع القدّيس يوحنا الثالث والعشرين: لتفرح أمُّنا الكنيسة! (كلمة فى افتتاح المجمع، ١١ أكتوبر ١٩٦٢). ليسكن الفرح فى الكنيسة. إذا لم تفرح فإنّها تنكر نفسها لأنّها تنسى المحبّة التى خلقتها. ومع ذلك، كم منّا لا يستطيع أن يعيش الإيمان بفرح، دون تذمّر ودون انتقاد؟.. أن نكون فى وسط الشّعب، لا فوق الشّعب: هذه هى خطيئة روح التسلّط الإكليريكى السيّئة التى تقتل الخراف، ولا ترشدها ولا ترعاها، بل تقتلها. كم نحن بحاجة إلى المجمع الآن: إنّه يساعدنا على رفض تجربة الانغلاق داخل أسوار راحتنا وقناعاتنا، لكى نقتدى بأسلوب الله، الذى وصفه لنا اليوم النّبى حزقيال، قال: "فأَبحَثُ عن الضَّالَّةِ وأَرُدُّ الشَّارِدَةَ وأَجبُرُ المَكْسورَةَ وأُقَوِّى الضَّعيفَة" (راجع حزقيال ٣٤، ١٦)».

٣ -البابا فرانسيس الأوّل و"أحد كلمة الله"

منذ العام ٢٠٢٠، فى الأحد الثّالث من الزّمن العاديّ لكلّ عام، وفقًا لطقس الكنيسة اللّاتينيّة، نحتفل بـ"أحد كلمة الله". وقد تمّ تأسيسه من قبل البابا فرانسيس، فى ٣٠ من سبتمبر للعام ٢٠١٩، من خلال رسالته الرّسوليّة (فى شكل براءة بابويّة) "فَتحَ أَذْهانَهم": «لذا أقرّر أن يُخَصّص يوم الأحد الثالث من الزمن العادى للاحتفال بكلمة الله، والتأمّل بها، ونشرها» (بند ٣). وفى العام (٢٠٢٤)، احتفل بـ"أحد كلمة الله" الخامس، وهو يوافق ٢١ من يناير. ويَهدف هذا الأحد على وجه خاصّ إلى الاقتراب أكثر من "كلمة الله"، وإعادة اكتشافها، ومحبّتها، ومعرفتها، وفهمها، ومعايشتها. «عسى أن ينمّى الأحد المكرّس لكلمة الله عند شعب الله المعرفةَ الدينيّة والدؤوبة للكتاب المقدّس، كما علّم الكاتب المقدّس فى العصور القديمة: "بلِ الكَلِمَةُ قَريبَةٌ مِنكَ جِدًّا، فى فَمِكَ وفى قَلبِكَ لتعمَلَ بِها" (تث ٣٠، ١٤)» (رسالة رسوليّة "فَتحَ أَذْهانَهم"، بند ١٥).

٤ -البابا فرانسيس الأوّل و"زيارته الرّسوليّة" لبلدنا الحبيب مِصْر

لقد مرت حوالى ٨ أعوام على الزّيارة الرّسوليّة لقداسة البابا فرانسيس لبلدنا الحبيب "مِصْر" (٢٨ - ٢٩ أبريل ٢٠١٧). وقد تضمّنت زيارة البابا فرانسيس لمصر عدّة أحداث ولقاءات ومحاور، ونذكر منها:

الاستقبال الرّسميّ واللّقاء مع السّلطات المدنيّة، فصرّح البابا فرانسيس: «إن مصير مِصرَ هذا وواجبها هما اللذان قد دفعا الشعب لأن يلتمس بلدًا لا ينقص فيها الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. إن هذه الغاية ستكون بكل تأكيد واقعا ملموسا إذ وحد الجميع إرادتهم، على قلب رجل واحد، فى تحويل الكلمات إلى أفعال، والرغبات المشروعة إلى التزام، والقوانين المكتوبة إلى قوانين مُطَبَّقة، مستغلين فى ذلك العبقرية الفطرية لهذا الشعب».

البيان المشترك لقداسة البابا فرانسيس ولقداسة البابا تواضروس الثّاني، حيث أُتفِق على ما يلي: «نحن اليوم، البابا فرانسيس والبابا تواضروس الثاني، لكى نسعد قلب ربنا يسوع، ‏وكذلك قلوب أبنائنا وبناتنا فى الإيمان، فإننا نعلن، وبشكل متبادل، بأننا نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الذى تمَّ منحه ‏فى كلٍّ من كنيستينا لأى شخص يريد الانضمام للكنيسة الأخرى. إننا نقرُّ بهذا طاعةً للكتاب المقدس ولإيمان ‏المجامع المسكونية الثلاثة التى عُقدت فى نيقية والقسطنطينية وأفسس.‏ نسأل الله الآب أن يقودنا، فى الأوقات وبالطرق التى سيختارها الروح القدس، نحو بلوغ الوحدة ‏التامة فى جسد المسيح السري».‏

- فى اللّقاء مع الكهنة والمكرّسين والمكرّسات بإكليريكيّة المعادي، سلّطَ البابا فرانسيس الضوءَ على بعض التّجارب التى يواجهها الشخص المكرّس: تجربة الانجراف مع التيار وليس القيادة؛ تجربة التذمّر الدائم؛ تجربة الثرثرة والحسد؛ تجربة مقارنة النفس بالآخرين؛ تجربة "التفرعن"؛ تجربة الفردانية؛ تجربة السير بلا بوصلة وبلا هدف.

وأخيرًا، السّؤال الذى ينبغى أن يُطرَح بصدقٍ وواقعيّة: بعد ٨ أعوام على الزّيارة الرّسوليّة لقداسة البابا فرانسيس لبلدنا الحبيب "مِصْر"، ماذا تغيّر إيجابيًّا على أرض الواقع المصريّ والدّينيّ والطّائفيّ والكنسيّ والرّهبانيّ والإكليروسانيّ؟ وهل من جديد عمليًّا؟.

٥ - البابا فرانسيس الأوّل و"تَحَدِّى المحبّة" الكَاثوليكيّ-القِبطيّ ومُسْتَقْبَلُه

لقد شاهد وقرأ وسمع الكثيرون منّا عن الزّيارة التى قام بها الأنبا تواضروس الثّاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، إلى أخيه البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكيّة وخليفة القدّيس بطرس، الموافق ١٠ مايو للعام ٢٠٢٣. وقد تناول المتخصّصون والمحلّلون والصّحفيّون جوانب تاريخيّة وتعليميّة عدّة متعلّقة بهذه الزّيارة التّاريخيّة فى العصر الحديث؛ منها على سبيل المثال: لماذا هى تاريخيّة؟ وما مدى أهمّيّتها؟ وما هو محتواها؟ وما هى أبعادها؟ ويعرف الكثيرون منّا أنّ هذا اللّقاء التّاريخيّ الحديث جاء للاحتفال معًا بمرور خمسين عامًا على لقاء تاريخيّ آخر قد جمع بين قداسَة البَابَا بولس السَّادس وقداسَة البَابَا شنودَه الثّالِث فى حاضرة الفاتيكان، فى يوم الخميس الموافق ١٠ مايو للعام ١٩٧٣، وهو أوّل لقاء بين أسقف روما وبطريرك الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة منذ القرن الخامس الميلاديّ، والذى تُوِّج بدوره بالتّوقيع على "بيان مشترك" حول أمور كنسيّة وتعليميّة وعقائديّة مهمة "كالإعلان-الاتفاق الكريستولوجيّ المشترك". وكذلك أيضًا لتذكُّر عشرة أعوام على اللّقاء الأوّل بين قداسة البابا فرانسيس وقداسة البابا تواضروس الثّاني، فى حاضرة الفاتيكان أيضًا، فى يوم الجمعة الموافق ١٠ مايو للعام ٢٠١٣، وقد جاء بعد أشهر قليلة من انتخابهما كقائدَين لكنيستَيهما، مُذكِّرًا بخمسينيّة اللّقاء التّاريخيّ الأوّل المذكور أعلاه.

ولقد تمَّ هذا اللّقاء الأخير ذو الذّكرى المزدوجة فى ساحة القدّيس بطرس، فى يوم الأربعاء الموافق ١٠ مايو للعام ٢٠٢٣، يوم الاحتفال بـ"يوم الصّداقة" بين الكنيستَين القِبطيّة الأرثوذكسيّة والكَاثوليكيّة بجميع مكوّناتها. وخاطب البابا تواضروس الثّانى أخيه خليفة القدّيس بطرس والشّعب المسيحيّ بكلمات عميقة متعلّقة بالتّعاليم المسيحيّة الأصيلة وعراقة وتاريخيّة العلاقات بين الكنيستَين؛ وقام البابا فرنسيس بدوره بإلقاء كلمات أخرى عميقة للتعليق على كلمات أخيه خليفة القدّيس مرقس. وقد لاحظ الجميعُ التّناغم والتّوافق الشّديدين بين شخصيّتهما وفكرهما وحديثهما.

٦ - البابا فرانسيس الأوّل و"مَنْحُ البركات" للأزواج والزّوجات غير النّظاميّين 

فى أثناء حبريّة البابا فرنسيس الأوّل، صدر إعلان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة"، الصّادر من قِبل "دائرة عقيدة الإيمان"، فى ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣. وبعد ذلك، صدر أيضًا البيان الصّحفيّ الفاتيكانيّ عن "دائرة عقيدة الإيمان" فى ٤ يناير ٢٠٢٤.

إنَّ "التّصريح" أو "الإعلان" الصادر عن دائرة عقيدة الإيمان تحت عنوان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة"، فى ١٨  ديسمبر ٢٠٢٣، كان موضوعه المحوريّ هو قضيّة "البركات". وبكلمات أوضح، هو يقدّم شرحًا متّسعًا وموسّعًا عن هذه البركات ببعديها "التّنازليّ" (من لدن الله)، و"التّصاعديّ" (من قِبل البشر)؛ وتتعمّق الوثيقة الفاتيكانيّة (التى وافق عليها البابا فرانسيس) فى أمر "البركات الرّعويّة" على نحو خاصّ. ومن ثَمَّ وجب التّميز بين البركات "اللّيتورجيّة-الطّقسيّة" من ناحية، والبركات المتعلّقة "بالتّقويّات الشّعبيّة" من ناحية أخرى. 

وجدير بالذّكر أنّ البيان الصّحفيّ الصّادر عن "دائرة عقيدة الإيمان" فى ٤ يناير ٢٠٢٤ حول ردات الفعل الخاصّة بالوثيقة الصّادرة عن الدّائرة عينها تحت عنوان "الثّقة المتوسِّلة" أو "الثّقة المترجّيّة"، فى ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣، والتى يكمن موضوعها المحوريّ فى قضيّة "البركات"، يتكوّن من ست فقرات، وهى التى سنلخّصها فى بضعة نقاط مهمة: التّعليم الرّسميّ الكاثوليكيّ بشأن البعد العمليّ المتعلّق باحتماليّة منح البركة للأزواج والزّوجات غير النّظاميّين (أى الذين هم فى أوضاع غير قانونيّة كنسيًّا)؛ الوضعُ الحسّاس لبعض الدّول بشأن مواقفهم حيال "المثليّة الجنسيّة"؛ الأمر الجديد الحقيقيّ الذى جاءت به وثيقة "الثّقة المتوسِّلة"؛ ما هى هذه "البركات الرّعويّة" بشكل عمليّ وملموس؟؛ ودورُ التّعليم المسيحيّ فى توضيح قضيّة "البركات الرّعويّة".

٧ - البابا فرانسيس الأوّل ومفهوم «الأخوّة»

فى عام ٢٠٢٠م، نشرتُ على "موقع أبونا" مقالات ثلاث حول مفهوم «الأخوّة عند البابا فرانسيس». وكانت لهذه المقالات سياقات ثلاثة: 

فى المقال الأوّل، تعرّضتُ للمقابلات العامّة للبابا فرانسيس حول تعليم فى "شفاءِ العالم" (بدايةً من ٥ أغسطس حتّى ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠)، وقد ربط فيها قداسته بين "جائحة فيروس كورونا" و"مبادئ تعليم الكنيسة الاجتماعيّ" (مبدأ كرامة الإنسان، ومبدأ الخير العام، ومبدأ خيار تفضيل الفقراء، ومبدأ شموليّة خيرات الأرض، ومبدأ التّضامن، ومبدأ التّعاون والإمداديّة، ومبدأ الاهتمام ببيتنا المشترك)؛

- فى المقال الثّاني، تناولتُ مفهوم "الأخوّة المنفتحة" كما جاءت فى «وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام العالمى والعيش المشترك»، التى وقّع عليها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة شيخ الأزهَر الدكتور أحمد الطيب، بالعاصمة الإماراتيّة أبوظبى (فبراير ٢٠١٩)، وفى الرّسالة العامّة «جميعنا إخوة» للبابا فرانسيس (٣ أكتوبر ٢٠٢٠). ولكن، وقبل معالجة هذه المسألة، تعرّضتُ –بشكل موجز– للعلاقة الأخويّة المنفتحة التى تربط بين البابا فرانسيس والإمام أحمد الطيب، وأيضًا لما تعتقده وتعلّمه الكنيسةُ الكاثوليكيّة بشأن المسلمين، والإسلام، و"إله الإسلام".

- فى المقال الثّالث، تناولتُ مسألة "الأخوّة المنفتحة العالميّة الشّاملة" كما ينادى بها البابا فرنسيس، فى رسالته العامّة "جميعنا إخوة" (٣ أكتوبر ٢٠٢٠). وفى عرض هذه المسألة فى فكر قداسة البابا، اقتصرتُ على الخطوط العريضة فقط.

من جهة أخرى، قدّم البابا فرانسيس ذاته، أثناء "صلاة التّبشير الملائكي"، فى يوم الأحد الموافق ٤ أكتوبر ٢٠٢٠، مفتاح قراءة الرّسالة العامّة "جميعنا إخوة": "الإيكولوجيّا المتكاملة" (أى الاقتران بين البعد الإنسانيّ-الاجتماعيّ والبعد البيئيّ). فقال قداسة البابا حينئذ: «تُظهر علاماتُ الأزمنة بوضوح أنّ الأخوّة البشريّة والعناية بالخليقة يشكّلان الطريق الأوحد نحو التنمية المتكاملة والسلام؛ الطريق الذى سبق وأشار إليه الباباوات القديسون يوحنا الثالث والعشرون وبولس السادس ويوحنا بولس الثاني».

٨ - البابا فرانسيس الأوّل و"السِّينودُس حول السِّينودُسيَّة"

فى شهر أكتوبر للعام ٢٠٢٤، بمدينة روما العريقة، اُحتُفِل بجَلْسات الدّورة الثّانية للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسِينودُس الأساقفة، والتى قد عُقِدت من قَبل أولى جَلْساتها فى الأسابيع الثّلاثة الأولى من أكتوبر الماضى (٢٠٢٣). وجميعُ المؤمنين الكاثوليك فى أرجاء المعمورة على دراية بانعقاد "السِّينودُس حول السِّينودُسيَّة" (٢٠٢١-٢٠٢٤)، ولديهم –نوعًا ما– معرفة كافية بالموضوعات الأساسيّة التى كانت موضع البحث والنّقاش والحوار فى هذا السِّينودُس.

فى مقالٍ سابق، نُشِر فى "مجلة الصّلاح" التّابعة لبطريركيّة الكَنيسة القبطيَّة الكاثوليكيَّة، كتبتُ هذه الكلمات فى ما يتعلّق "بالسِّينودُس حول السِّينودُسيَّة": «جديرٌ بالذّكر أنّه خلال حبريّة البابا فرانسيس، قد عُقِدت سِّينودُسات ثلاثة: الأوّل حول "التّبشير" أو "إعلان الإنجيل"، فى عام ٢٠١٢؛ والثّانى حول "الأسرة فى عالم اليوم"، فى عام ٢٠١٥؛ والثّالث حول "الشّباب وتمييز الدّعوة"، فى عام ٢٠١٨. وأمَّا السِّينودُس الحالي، فهو حول موضوع مُعقّد وشائك: "السِّينودُسيَّة" ("السَّيْر معًا")».

إنّه لمِن الخَطَأ الجسيم اختزال وحصر وتحجيم هذا السِّينودُس فى مجرّد الحديث حول بضعة قضايا مثيرة للجدل: كالمثليّة الجنسيّة، أو الرّسامة الكهنوتيّة للنساء، أو إمكانيّة تناول المنفصلين المتزوّجين مرَّة أخرى، أو الانتهاكات والاعتداءات الجنسيّة، أو نمط إدارة الكنيسة كمُؤسَّسة، وإلى آخره من إشكاليّات فرديّة وفرعيّة. كَلاَّ، إنّ القضيّة الجوهريّة والمحوريّة لهذا السِّينودُس هى التّالية: "مَن" هى كنيسة السّيّد المسيح اليوم؟ (تساؤل حول "هويّتها")، و"ماذا" عليها أن تفعل فى هذه الحقبة المعاصرة من التّاريخ؟ (تساؤل حول "رسالتها"). إنّها القضيّة عينها التى اسْتَحْوَذَت على عقول وقلوب آباء المجمع الفاتيكانيّ الثَّانى المكرّمين، منذ أكثر من نصف قرن. أجل، إنّها قضيّةٌ إكْليزيولجيّة من الدّرجة الأولى؛ فالأمر يتعلّق بفهم كيف يرى المسيحُ كنيستَه "اليوم"، حتّى تكون كنيسةً عَصْريّة» ("مجلة الصّلاح"، عدد سبتمبر-أكتوبر ٢٠٢٣، ١٣-١٤).

أمَّا مُفاجَأةُ البابا فرانسيس فى خِتام "السّينودُس حول السّينودُسيّة"، فكانت كلماته حول أنّه لا ينبغى انتظارُ "الإرشاد الرّسوليّ". فعلى خلاف ما هو معتادٌ تقريبًا بعد كلّ سينودس أساقفة، فى هذه المرّة لم يُصدر البابا فرنسيس "إرشادًا رسوليًّا" ما بعد "السّينودس حول السّينودسيّة"؛ وقد اكتفى بـ"الوثيقة الختاميّة" التى صدرت اليوم أيضًا، فى ٢٦ أكتوبر عام ٢٠٢٤.

وقد قال قداسةُ البابا، فى "تحيّته النّهائيّة" لختام الدّورة الثّانية من الجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة، ما يلي: «ولهذا السّبب لا أنوى نشرَ "إرشادًا رسوليًّا"، فيكفى ما وافقنا عليه. وتوجد فى "الوثيقة" بالفعل مؤشّرات ملموسة جدًّا يمكن أن تكون دليلًا من أجل رسالة الكنائس، فى مختلف القارات، وفى سياقات مختلفة: ولذا، أجعلها متاحةً للجميع على الفور، ولهذا السّبب قُلْتُ إنّها ينبغى أن تُنشر. وأريد، هكذا، الاعترافَ بقيمة المسيرة السّينودسيّة التى اكتملت، والتى أُسلّمها، من خلال هذه الوثيقة، إلى شعب الله المقدّس الأمين».

وعلينا أن نلاحظ أنَّ "السّينودُس حول السّينودُسيّة" لم ينته بعدُ. لقد ظنّ كثيرون أنّ "السّينودُس حول السّينودُسيّة" قد اختتم أعماله، يوم ٢٦ أكتوبر عام ٢٠٢٤، بالاحتفال بجَلْسات الدّورة الثّانية للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسِينودُس الأساقفة، المنعقدة من ٢ إلى ٢٧ من أكتوبر عام ٢٠٢٤. ولكنّ الكاردينال "ماريو غِرش"، أمين عام "السّينودُس حول السّينودُسيّة"، أرسل يوم ١٥ مارس ٢٠٢٥ خطابًا أو رسالةً إلى جميع أساقفة العالم، بموافقة البابا فرنسيس من داخل مستشفى "جيميلّي" بروما (١١/ ٣/ ٢٠٢٥). وقد أكّد قداسة البابا بدوره على عمليّة مرافقة "السّينودُس حول السّينودُسيّة" فى مرحلة "التّطبيق" أو "التّنفيذ"، لمساعدة الكنائس فى جميع أنحاء العالم على السّير بأسلوب سينودسيّ. 

وقد صرّح الكاردينال "غِرش" أنّه فى عام ٢٠٢٨، سوف تكون "الجمعيّةُ الكنسيّة" مناسبةً لجمع كل الثّمار التى نضجت على مستوى الكنيسة طوال مسيرة "السّينودُس"، إذ إنّ لكلّ سينودُس ثلاث مراحل: المرحلة التّحضيريّة، والمرحلة الاحتفاليّة، والمرحلة التّطبيقيّة أو التّنفيذيّة.

٩ - البابا فرانسيس الأوّل و"القدّيس يوسف" و"السَّنة اليوسفيّة"

فى يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٠، فى السَّنة الثامنة من حبريّته، تناول البابا فرنسيس شخصيّة القدّيس يوسف وحياته ورسالته بنوع من الإسهاب، فى رسالته الرسوليّة "بقلب أبويٍّ". وعلاوةً على ذلك، صرّح قداسة البابا، فى يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٠ (أثناء الاحتفال بعيد الحبل بلا دنس للقدّيسة مريم العذراء)، بأنّه من الملائم إعلان سَنة طقسيّة يوبيليّة لإكرام القدّيس يوسف، بمناسبة الذكرى الـ١٥٠ لإعلان البابا بيوس التاسع له شفيعًا للكنيسة الجامعة. وهذه "السَّنة اليوسفيّة" قد خُتِمت رسميًّا فى يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢١.

١٠ -البابا فرنسيس الأوّل و"العَلْمَانِيون"

فى افتتاح الجلسة العامّة الأوّلى من الدّورة الثّانية لـ"السِّينودُس حول السِّينودُسيَّة" (٢ أكتوبر ٢٠٢٤)، حذّر البابا فرنسيس من خطر "كسر الشّركة والوحدة" من خلال وضع الهيراركيّة (التّسلسل الهرميّ للسلطة الكَنسيّة) من جهة والمؤمنين العلمانيّين من جهة أخرى فى حالة تضادّ وتناقض ومعارضة؛ فقال قداسته: «لا يتعلّق الأمر –بالطّبع– باستبدال أحدهما بالآخر، متحمّسين للصرخة: الآن حان دورنا! كَلاَّ، هذا ليس صحيحًا: "الآن حان دورنا كعلمانيّين"، "الآن حال دورنا ككهنة"، لا، هذا ليس صحيحًا. وبدلًا من ذلك، مطلوب منّا أن نتدرّب معًا فى فنٍّ سيمفونيّ، فى مقطعٍ [موسيقيّ] يوحّدنا جميعًا فى خدمة رحمة الله، وفقًا للخدمات والمواهب المتنوّعة، والتى على الأسقف تقع مهمّة الاعتراف بها وتعزيزها».

لقد أكّد البابا فرانسيس مرارًا وتكرارًا أنّه، انطلاقًا من كون "الرّوح القُدس" الشّخص الفاعل الرّئيسيّ والبَطَل والمُخرِج فى الكنيسة، نكون «كلّنا شخصيّات رئيسيّة، لا يمكن أن نعتبر أحدًا شخصيّة ثانويّة. يجب أن نفهم ذلك جيّدًا: كلّنا شخصيّات رئيسيّة. ليس البابا، والكاردينال النّائب العامّ، والأساقفة المساعدون شخصيّات أكبر من غيرهم. لا: نحن جميعًا شخصيّات رئيسيّة، ولا يمكن اعتبار أيّ واحد شخصيّة ثانويّة أو مضافة».

١١ -البابا فرانسيس الأوّل و"يُوبِيلُ الرّجاء" (عام ٢٠٢٥)

كما يعرف جميعُنا، قد أعلن البابا فرنسيس الأوّل أنّ عام ٢٠٢٥م سيكون يُوبِيلًا عاديًّا، الذى يحلّ كلّ خمس وعشرين سنة بإعلانٍ من بابا الكنيسة الكاثوليكيّة، طِبْقًا للتّقليد القديم؛ وكذلك أيضًا لمرور ١٧٠٠ عام على انعقاد مجمع "نيقيا" المسكونيّ، الذى رفض التّعاليم الأريوسيّة (نسبة للكاهن السّكندريّ "آريوس")؛ وقد أكّد هذا المجمعُ على أُلوهيّة السّيّد المسيح الكاملة والتّامّة. وأعلن البابا، فى مرسوم الدّعوة إلى اليُوبِيل العاديّ بعنوان "الرَّجاء لا يُخَيِّب"، أنّه فى يوم الـ٢٤ من ديسمبر/كانون الأوّل لعام ٢٠٢٤م يُفتَتَح رسميًّا الباب المقدّس لبازيليكا القدّيس بطرس بالفاتيكان، ومعه سنة اليُوبِيل المقدّسة، والتى ستنتهى بدورها فى يوم الأحد ٢٨ من ديسمبر عام ٢٠٢٥م. وسيُختَتَم اليُوبِيل العاديّ بإغلاق الباب المقدّس لبازيليكا القدّيس بطرس فى الـ٦ من يناير/كانون الثّانى لعام ٢٠٢٦م، فى عيد ظهور الرّبّ يسوع (راجع: "الرَّجاءُ لا يُخَيِّبُ"، بند ٦).

12. البابا فرانسيس الأوّل و"رسالته العامّة الرّابعة والأخيرة": «لقد أحَبَّنا»

لقد أصدر البابا فرنسيس الأوّل، فى ٢٤ أكتوبر عام ٢٠٢٤، فى السَّنة الثَّانية عشرة من حبريَّته، الرّسالةَ العامّة الرّابعة بعنوان «لقد أحَبَّنا». وجديرٌ بالذّكر أنّ الرّسائل العامّة الثّالثة التى صدرت قبل هذه الرّسالة العامّة الأخيرة كانت كالتّالي:

-  الرّسالةُ العامّة الأولى «نورُ الإيمان» (٢٠١٣)؛ وكان موضوعها هو قضيّة "الإيمان" كمعنى ونور فى عصرنا الحالي، مع التّأكيد على أنّ "الإيمان يثرى الوجود الإنسانى فى كل أبعاده".

- الرّسالةُ العامّة الثّانية «كُنْ مُسَبَّحًا» (٢٠١٥)؛ وكانت تدور حول "العناية بالبيت المشترك". وقد شجّع البابا فرنسيس جميعَ الأديان، ومن بينها المسيحيّة والإسلام، إلى الحوار فيما بينها فى ما يتعلّق بـ"الإيكولوجيّة المتكاملة الشّاملة" و"الأزمة الإيكولوجيّة"؛ وطالب بالتّجاوب مع المشاكل البيئيّة، والتّعاون مع العلوم والحركات الإيكولوجيّة فى البحث عن حلول لها، وكذلك على تربيّة وروحانيّة إيكولوجيتيْن أيضًا. ولذلك أُطلِق عليها وثيقة البابا "الخضراء".

- الرّسالةُ العامّة الثّالثة «جميعُنا-كلُّنا إخوة» (٢٠٢٠)؛ وقد تناولت مفهوم "الأخوّة المنفتحة" و"الأخوّة العالميّة الشّاملة"، فى رباطٍ وطيدٍ بـ«وثيقة "الأخوّة الإنسانيّة" من أجل السّلام العالمى والعيش المشترك»، الّتى وقّع عليها قداسة البابا فرنسيس وفضيلة شيخ الأزهَر أحمد الطيب، فى العاصمة الإماراتيّة أبوظبي، فى فبراير ٢٠١٩.