يُعّد «حور محب» في نظر المصريين -وفي نظر التاريخ كذلك- ملكًا شرعيًّا نشأ من لا شيء، عاش قائدا عظيما ومات ملكًا متوَّجًا، وحقق لبلاده ما لم يحققه ملك من الذين نشأوا من دم ملكي. ولم يترك للعرش وارثًا، و"لذلك كان هذا الروح الفريد، والعقل الفذ الذي حرك سكان الحكم في مصر بروية وحزم في الطريق القويمة ثانية، بعد أن ضلت السبيل فترة من الزمن؛ نعمة عظمى لمصر، والرجل المثالي الذي شيد للعدالة صرحًا لا نزال نترسم خطاه"، كما وصفه الأثري الراحل سليم حسن في موسوعته "مصر القديمة".
عندما أُعلن تنصيبه المدير العظيم للبيت والقائد الأعلى للجيش، وُضع في يد «حور محب» قوةٌ وسلطان لم ينلهما رجل في الأسرة الثامنة عشرة خارج الأسرة الملكية. حيث أصبح ممثل الملك الفعلي في كل مهام الأمور، ولذلك كان «ممثل الملك في الأرضين».
وفي الجزء الخامس من الموسوعة، الذي تناول "السيادة العالمية والتوحيد"، ذكر سليم حسن أنه قد عُبر بتعبير خاص في اللغة المصرية القديمة عن مركز النيابة الذي شغله «حور محب» في حكومة البلاد، فلُقب «ربعت»، والذي كان له مدلول حقيقي في الأزمان السحيقة في القدم؛ إذ كان يعني «أمير القبيلة».
هكذا، لم يكن موت «توت عنخ آمون» المفاجئ نذيرًا لحور محب بانتهاء مدة وصايته وحسب، بل كان نذيرًا بضياع مركزه أيضًا؛ وذلك لأن بقاءه في إدارة هذا المنصب كان مرتبطًا بحياة الفرعون، ولما تولى «آي» الحكم، لم يكن في يد «حور محب» من السلطة إلا القيادة العليا للجيش.
وتشير الموسوعة إلى أنه عندما ثار «حور محب» على «آي» فيما بعد وخلعه من عرش الملك، كان في مقدوره أن يأتي من الأسباب ما يبرر شرعيته لتولي عرش الملك؛ فقد استغل «حور محب» وقتئذٍ لتبرير استيلائه على العرش وظيفته بوصفه وصيًّا على عرش الملك في عهد «توت عنخ آمون»، رغم هذا "نجد أنه تجاهل لقب «القيادة العامة للجيش»، وهو اللقب الذي كفل له النجاح لاعتلاء أريكة الملك. وقد كان تفسيره لتبرير موقفه هذا هو أنه كان الوصي على العرش للملك القاصر «توت عنخ آمون»، وعلى ذلك أصبح بطبيعة الحال بعد موته أوَّل مستحق العرش، وبخاصة أنه لم يبقَ في الأسرة المالكة ذَكَرٌ يرث الملك؛ إذ كان قد انقرض منها نسل الذكور جميعًا".
وتشير الموسوعة إلى أنه من المحتمل أن ثورة «حور محب» التي خلع بها سلفه ورفيقه القائد «آي» عن عرش الملك لم تحدث إلا بعد موت «عنخس إن آمون»، أرملة الملك «توت عنخ آمون»، والتي كان قد تزوجها وأطلق على نفسه لقب "والد الإله" لكي يتمكن من الحكم في أعقاب وفاة الملك الشرعي «توت عنخ آمون» -الذي رحل دون أن يترك وريثا ذكرا- لأنه بموتها قطعت الرابطة التي كانت تربط «آي» بالأسرة المالكة.
أما عن نشاطه بوصفه قائدًا أعلى للجيش، فنجد في المناظر التي أبقتها يد المخربين على جدران قبره بعض صور تكاد تحكي قصتها بنفسها. والواقع أن الحالة في الممتلكات المصرية الآسيوية كانت دائمًا مليئة بالمخاطر والثورات، وقد خابت كل المحاولات الضئيلة الهزيلة التي بُذلت لإعادة النظام والأمن في هذه الربوع إلى نصابه.
وهناك آثارا تدل على أن «حور محب» قد جهز حملة وساقها إلى بلاد سوريا، ولكن قد حال بينهم وبين متابعة الحرب مع الجيوش المصرية انتشار وباء عظيم في بلادهم وجيوشهم، وكذلك قام بحملة على بلاد النوبة
والواقع أن حالة البلاد عندما اعتلى العرش الملك «حور محب» كانت لا تبعث على الرضى. حقًّا كان أخلاف «إخناتون» قد أخذوا في إعادة امتيازات «آمون» التي كان يتمتع بها من قبل، غير أن الأحوال في داخل البلاد وخارجها كانت غاية في الارتباك لا من الناحية الدينية وحسب، بل كذلك من الناحية السياسية، وبخاصة التطاحن على عرش الملك بعد موت «إخناتون».
ولما تولى «حور محب» مقاليد الأمور كان همه إعلاء شأن «آمون» وآثاره؛ ولذلك كانت بداية عهده تُعَدُّ نهاية الأيام السود في عهد ديانة «آمون»، وفاتحة عهد جديد زاهر لها، فقد عاد «آمون» سيدًا «لطيبة» وملكًا على الآلهة في جميع الإمبراطورية المصرية، ثم أخذ «حور محب» يتبارى تدريجًا مع سلفه «أمنحتب الأول» في غيرته على مصلحة والده «آمون»، فقام بهدم مسلات «إخناتون» وإزالة المباني التي أُقيمت أمامها تلك المسلات، ثم عمل على ألا يبقى منها حجر واحد في مكانه؛ فهدمها، وأقام بأحجارها البوابتين التاسعة والعاشرة، كما جعل منها أساس مباني أحجار البوابة الثانية التي أقامها هو في «الكرنك».
وقد كان العمل الذي شرع فيه «حور محب» في «طيبة» بحماس وغيرة وإخلاص يسير بنفس القوة وبنفس الحماسة في جميع أنحاء الوادي دون هوادة وبلا انقطاع، وهذا هو ما قصه علينا في لوحة تتويجه.
يقول سليم حسن: ولا نزاع في أن «حور محب» قد وضع أمامنا صفحتين في التاريخ يكاد يمتاز بهما عن كل ملوك مصر؛ ففي قبره في «منف» صفحة عن الرجل الموظف وحياته، ولما اعتلى الملك طوى هذه الصحيفة ونشر أمامنا أخرى تمثله وهو ملك، ولم يُجَارِه في هذا المضمار إلا الملك «آي» سلفه؛ ومن ثم نستطيع أن نقول بحق إنهما هما الرجلان اللذان مهدا السبيل إلى استعادة مجد مصر بعد أن ضيعه «إخناتون» في عهد إصلاحه الديني.
وقد رحل «حور محب» في سن متقدمة، وشيخوخة موقرة، ودُفن بقبره في «طيبة». وكان قد أقام لنفسه ثلاث مقابر، الأولى في «تل العمارنة»، ولكنه لم يتقدم في بنائها كثيرًا، والثانية في «منف»، وكانت من بدائع ما أخرجته يد كل من المهندس والمفتن المصري، وتصور لنا حياته الحكومية وكيف مهد السبيل إلى اعتلاء عرش الملك.
أمّا القبر الثالث في «وادي الملوك» على الضفة الغربية من النيل، فمزين بالرسوم التقليدية والمتون الدينية الخاصة بالعالم السفلي بوصفه ملكًا، وفي الحجرة الداخلية من هذا القبر تابوته المصنوع من الجرانيت الأحمر لم يزل موجودًا في مكانه الأصلي، وقد حُليت جوانبه بصورة أربعة الآلهة الحامية للمتوفى، كما كانت العادة في تزيين مثل هذه التوابيت، ويُلاحظ أنها كانت ناشرة أجنحتها على الأركان الأربعة للتابوت. أما صندوقه الخشبي فقد نُهب ولم يُعثر فيه على شيء قط، كما أن مومياءه قد اختفت، ولا نعرف عنها شيئًا قط.