الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

مصطفى الزائدى يكتب: الحوار الوطنى الليبى.. خداع بصرى ليس إلا!!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الحديث حول القاعدة الدستورية تحول إلى حوار طرشان.. يسعى خلاله كل طرف إلى صياغة قاعدة تقصى الآخر

الأزمة الليبية لم تنتج عن صراع ليبى ليبى يحل بالتوافق.. إنها فى جوهرها نتاج للتدخل الأجنبى
 

سقطت الدولة الليبية عام ٢٠١١ نتيجة تدخل عسكرى غربى غاشم اشترك فيه الناتو بكل قوته وتحالفت معه عدد من الدول الإقليمية منها دول عربية، وأُدخلت ليبيا فى مرحلة الفوضى على ما يبدو تطبيقًا لنظرية كوندليزا رايس وزيرة خارجية أمريكيا سابقا «الفوضى الخلاقة»، فدمرت المؤسسات العسكرية والأمنية بشكل شبه كلى، وصدرت قوانين غريبة منعت أكثر من ثلث المواطنين من تولى الوظائف القيادية والمشاركة فى العمليات الانتخابية ترشيحًا وتصويتًا!.
وعلى الفور، صيغ إعلان دستورى أقره المجلس الانتقالى الذى يبلغ عدد أعضائه ثلاثين، نصفهم مجهولون إلى اليوم والذين سماهم الرئيس الفرنسى الأسبق ساركوزى وغالبيتهم من جماعة الإخوان، ولم يخضع الإعلان لاستفتاء شعبى، بل أصبح نافذًا بحكم الأمر الواقع.
فى منتصف ٢٠١٢، جرت انتخابات فاز فيها تحالف القوى الوطنية، لكن خطة شيطانية أدت إلى إزاحة الفائزين وتعويضهم بأعضاء لم يفوزوا فى الانتخابات من التيار الإسلامى، حيث وضعت مادة فى قانون الانتخابات تنص على أنه فى حالة خلو مقعد لأى سبب يحل محله من يليه فى عدد الأصوات، أرغمت الميليشيات المهيمنة الفائزين من التحالف على الاستقالة وفرضت محلهم عناصر إسلامية متطرفة حتى وإن لم يكونوا قد حصلوا على ثانى عدد الأصوات! 
فى عام ٢٠١٣، تصاعد العمل الشعبى ضد المؤتمر الوطنى الذى انتهت مدته، وبعد مماطلة تكونت لجنة فبراير التى صاغت ورقة دستورية أقرها المؤتمر الوطنى وجرت وفقها انتخابات فى منتصف ٢٠١٤، فى تلك الانتخابات هُزِم التيار الإسلامى المرتبط بالغرب هزيمة نكراء، فرغم سطوة ميليشياته والمال الفاسد لم يتحصل إلا على ١٢ مقعدا من مجموع ٢٠٠، فاندلعت على الفور حرب مدمرة عرفت بحرب فجر ليبيا من معالمها حرق مطار طرابلس العالمى، ومن نتائجها إحكام سيطرة الميليشيات الإسلامية المتطرفة على الغرب الليبى.
حاول مجلس النواب المنتخب أن يجتمع لكنه منِعَ من ذلك، واضطر الأعضاء إلى الاجتماع فى مدينة طبرق وتغيب ١٢ نائبا من الإسلاميين!
الغرب الذى يمارس ديمقراطية الأغلبية البسيطة رفض الاعتراف بمجلس النواب إلا بعد عودة النواب المقاطعين، وهكذا رفع الستار على مشاهد مسرحية الحوار الوطنى الليبى، التى لم تنته فصولها بعد!.
فرضت بعثة هيئة الأمم برئاسة الأسبانى برناردينو ليون الحوار بين المقاطعين ومجلس النواب ووضعهم فى مستوى الندية التامة، ٤ ممثلين للمقاطعين مقابل ٤ ممثلين للمجلس بالرغم من أن عدد المقاطعين فقط اثنى عشر!! وسرعان ما تحول إلى دوامة من الحوارات والمسارات التى طافت أنحاء العالم ليستقر بها المقام فى الصخيرات بالمغرب!! وبعد سنة كاملة أخرج ليون ورقة من جيبه بها صيغة لما سماه اتفاق سياسى، وملحق مفخخ، ومجلس رئاسى من تسعة أشخاص لم تعرف إلى الآن المعايير التى تم اختيارهم وفقها!
مدة المجلس والحكومة سنة ونصف تعقبها انتخابات، لكن نصف المجلس المعين استقالوا واستمر فقط السراج ومعاونين تشبثوا بالسلطة لخمس سنوات وتحولت حكومة الوفاق الوطنى إلى سلطة شقاق وطنى، قادت إلى حرب ضروس استمرت زهاء سنتين انتهت باحتلال طرابلس من قوات تركية ومصراتة من قوات إيطالية!
ثم جاء المبعوث غسان سلامة ومساعدته استيفانى ويليامز ليطرحا من جديد مشروع الحوار الوطنى، وكلفا مقاولًا بالباطن لإدارة الحوار هو مركز الحوار الإنسانى المشبوه فى جنيف، وانطلق ماراثون جديد من جنيف إلى طبرقة وتونس ولوزان وأسطنبول وبعد سنتين انتهى المخاض بحوار جنيف الذى حضره ٧٥ ثلثهم محسوبون على التيار الإسلامى وبعضهم مجهول الهوى والهوية، فخرجت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة مع كومبارس سمى مجلس رئاسى، وتعهدت هذه الحكومة بإجراء الانتخابات خلال عام وتوحيد المؤسسات وإعادة بناء الدولة، وبعد سنتين من ولادتها أصبحت حكومة لمصراتة وطرابلس فقط، بذرت خلال سنتين ما يساوى ما صرف طيلة فترة النظام السابق، وكبلت البلاد باتفاقيات خطيرة مع الأتراك والطليان ووضعت الدولة على شفى حرب جديدة، وجعلت من هدف الانتخابات أمرًا يستحيل الوصول إليه!


بالإضافة إلى سلسلة الحوارات السياسية العبثية انطلقت حوارات أخرى مستمرة منذ سنوات، من بينها حوارات خمسة + خمسة العسكرية الذى يهدف نظريًا إلى توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية بين القيادة العامة للقوات المسلحة التى تملك السلاح فى المناطق الشرقية والجنوبية ورئاسة الأركان فى المنطقة الغربية التى لا تمتلك من السلاح إلا اسمه وتخضع عمليًا لسطوة الميليشيات فى المنطقة الغربية، وهو حوار عبثى رغم صدق النوايا لدى العسكريين، فالغرب الليبى بما فيه طرابلس مقسم عمليًا إلى عدة سيطرات لميليشيات مختلفة بعضها جهوى كميليشيات مصراتة والزنتان وزوارة وأغلبها مؤدلج كما هو الحال فى بعض ميليشيات مصراتة وطرابلس والزاوية.
بالتأكيد لا يمكن الحديث عن سحب سلاح الميليشيات والكلمة النهائية الفصل عند قادة ميليشيات من أبرزهم كارة وغنيوه وزوبى والبقرة والفار والضاوى والبيجا والحصان وبن غشير وبادى وغيرهم.
لقد تمت إعادة بناء الجيش فى الشرق والجنوب بعد نجاح العسكريين فى إطلاق عملية الكرامة ونزع سلاح المجموعات المسلحة بالقوة، لأنه ليس من المنطق التفاوض مع من ليس لديه سلطة فعلية على الميليشيات ومطالبته بالالتزام بنزع سلاحها، ونفس الأمر ينطبق على المطالبة بإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، ففى الغرب كل ميليشيا لديها مرتزقتها الخاصة بها وتتبع دولة أجنبية تدعمها عسكريًا وماديًا وتقدم لها الحماية السياسية!
حوار آخر غريب يجرى لسنوات حول ما يسمى القاعدة الدستورية، وهو حوار غريب فعلًا فالغرض منه توافق مجلس النواب والدولة على قانون انتخاب، بالرغم من أنه تم إجراء انتخابات فى الماضى وفق قوانين لم تشكل حجر عثرة أمامها ورغم وجود دستور الأمر الواقع، ورغم إصدار مجلس النواب لقانون انتخابات العام الماضى كادت أن تجرى وفقه لولا تدخل قوة قاهرة «السفيرة البريطانية» وأوقفتها فى اللحظات الأخيرة قبل انطلاق عمليات التصويت!
الحوار حول القاعدة الدستورية تحول إلى ما يشبه حوار الطرشان فكل طرف يعمل على صياغة قاعدة تقصى الآخر وتمكن طرف وحده من خوض الانتخابات والفوز فيها!!
السؤال: هل فكرة الحوار التى تطرحها بعثة الأمم المتحدة وسيلة مناسبة لمعالجة الأزمة الليبية أم أنها فقط وسيلة للإلهاء وإطالة أمد الأزمة وإدارتها بدل حلها؟ 
الحقيقة أن الأزمة الليبية لم تنتج عن صراع ليبى ليبى يحل بالحوار والتوافق، فهى فى جوهرها نتاج للتدخل الأجنبى وحلها يتأتى فقط بخروج الأجانب من المشهد ومن المعادلة، عندئذ الليبيون يستطيعون التوافق بكل سهولة ويسر.
وثانيًا فإن الحوار فى ليبيا يدار بطريقة غريبة عجيبة، فالبعثة هى من تحدد الأطراف وتحدد مندوبيها أيضا وتحدد الموضوعات وتستخلص وتفرض النتائج، فى حين تعنى أبجديات الحوار هو أن تكون بين أطراف صراع ظاهرة، والأطراف هى من تحدد من يمثلها، وهى من تصنع التوافقات!
لكن الآلية المتبعة تعكس فقط أن الغرب الذى يسمى المجتمع الدولى لا يريد حل الأزمة الليبية فهو من صنعها بكل تفاصيلها وهو من فرض الشخوص البارزين فيها، فأغلب المسئولين فى ليبيا اليوم مواطنون أجانب من أصول ليبية.. الغرب يريد إبقاء الأمر الواقع على ما هو عليه، وما يجرى من حوارات توصف بالوطنية مجرد خداع بصرى لإلهاء الشعب ومنعه من الإمساك بزمام أمره!.
معلومات عن الكاتب 
د مصطفى محمد الزائدى.. سياسى ليبى، أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية، تولى سابقًا منصب وزير الصحة، وكان نائب وزير الخارجية فى عام 2011.. يوضح هنا، خط سير الحوار الوطنى الليبى منذ بداياته حتى الآن، مع الإشارة للتدخل الغربى فى مسيرة هذا الحوار.