رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أغلب الشركات العالمية لم تعد مطمئنة للاعتماد على الصين في أنشطة التصنيع والمبيعات الخاصة بها، بعد أن أصبحت التغيرات الجيوسياسية تؤثر بشكل مباشر في عمل هذه الشركات.
ونقلت المجلة عن تقرير المخاطر السياسية الصادر عن شركة WTW العالمية لوساطة التأمين،أن نسبة المديرين التنفيذيين الذين أعربوا عن مخاوفهم السياسية بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ (الصين تحديدا) زادت إلى نسبة نظرائهم ممن ليس لديهم أي مخاوف سياسية بواقع 20 إلى 1، مقابل 2 إلى 1 قبل أقل من عامين.
وعلى سبيل المثال، استشهدت "فورين بوليسي" بوضع شركة "أبل" التي كانت متحمسة في بادئ الأمر عندما أعلنت بدء بعض أنشطتها التصنيعية في الصين، قبل أن تعلن في ديسمبر الماضي اعتزامها نقل بعض خطوط إنتاجها إلى فيتنام والهند، وسبقتها إلى ذلك منافستها "سامسونج" التي نقلت بالفعل بعض خطوط إنتاجها إلى فيتنام، في خطوة عكست التحول الواضح في تطبيق ما يُعرَف بالعولمة الاقتصادية.
وأشارت المجلة إلى أحد التقارير التي تبين اصطفاف الشركات العالمية في تكتلين، أحدهما تقوده القوى الغربية والآخر تقوده الصين حتى الآن، بعدما كانت هذه الشركات لا تعبأ كثيرًا بما يحدث على الساحة الجيوسياسية منذ نهاية الحرب الباردة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، منوهة بأن هذه الشركات لم تعد تملك رفاهية الحيادية المؤسسية.
وحسب نتائج استطلاع رأي نشرته غرفة التجارة التابعة للاتحاد الأوروبي الصيف الماضي، أكد 23 في المائة من مسؤولي الشركات المشمولة في الاستطلاع عن اعتزامهم نقل عملياتهم خارج الصين؛ بينما ذكرت نائبة رئيس الغرفة، بيتينا شون- بيهانزين أن "الشيء الوحيد الذي يمكن التنبؤ به بالنسبة للصين هو تقلبها،" واصفة بيئة الأعمال في الصين بالخطيرة.
واستجابة لمستوى المخاطر المتزايد، تلجأ بعض الشركات إلى نقل سلاسل الإمداد الخاصة بها إلى بلدان صديقة يقل فيها مستوى مخاطر عرقلة سلاسل الإمداد بسبب عدم الاستقرار السياسي، حيث دفعت سياسات الصين الداخلية غير المستقرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة العديد من الشركات إلى إعادة النظر في استقرار الصين وجدوى الاستثمار فيها.
وأوضحت "فورين بوليسي" أن هذا التوجه يرجع أيضًا إلى انقسام العالم انقسامًا جيوسياسيا إلى كتلتين تتضح معالمهما تدريجيًا، مشيرة إلى أحد التقارير المزمع إصدارها خلال الشهر الجاري عن شركة WTW العالمية لوساطة التأمين وشركة الأبحاث "أوكسفورد أناليتيكا"، والذي يوضح أن من 61 دولة ومنطقة تُدرَّج عادة في تقارير المخاطر السياسية، بلغ عدد الدول التي تميل إلى الغرب 25 دولة.
في حين بلغ عدد مجموعة الدول التي تميل نحو الشرق 18 دولة أبدت معارضتها للقوى الغربية في العديد من القضايا الرئيسية، وضمت هذه المجموعة دولا غنية، وأخرى تتميز بتعدادها السكاني الكبير كالهند ونيجيريا، ودولا أخرى أقل ثراء ومساحة مثل ميانمار وكمبوديا اللتين تنتشر فيهما شركات التصنيع الأجنبية.
بينما بلغ عدد الدول التي تحاول تبني موقف محايد 18 دولة، ونبهت المجلة أنه رغم حالة التفكك الشديد الذي التي تتميز بها كلتا الكتلتين، لاسيما الكتلة الشرقية بسبب عدم الصين إلى الانضمام إلى تحالفات رسمية، إلا إن هذا الحياد يبدو في صالح التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ يعكس استعداد دول هذه المجموعة إلى النأي بنفسها عن بكين، رغم عروض الاستثمار الصينية المغرية.
من جانبه، أكد وزير الدفاع البريطاني الأسبق، مايكل فالون، أنه بعد تقصير 40 دولة في دعم قرارات الأمم المتحدة بإدانة "الغزو الروسي لأوكرانيا" في فبراير الماضي "على الغرب أن يبذل جهدًا أكبر لدعم وترسيخ مبدأ احترام النظام الدولي والتحالفات الدفاعية اللازمة لتحقيق الرخاء المشترك".
ولفتت المجلة إلى أن العديد من الدول سيكون من الصعب استقطابها إلي أي من الكتلتين، خاصة الدول الـ18 التي تتبنى حاليا مواقف حيادية، مضيفة أن الحياد الجيوسياسي في الوقت الحالي، رغم تقدم دول كالسويد وفنلندا بطلب رسمي للانضمام لحلف الناتو، ربما يعكس تفكير بعض الدول في استغلال الوضع لصالحها من خلال تمَنُّعها أو التظاهر بصعوبة استقطابها إلى أي من الطرفين.
يُذكَر أن الصين كانت قد فرضت تعريفات جمركية باهظة على صادرات النبيذ الأسترالية بعد مطالبة حكومة أستراليا بإجراء تحقيق مستقل في أسباب تفشي فيروس كورونا، مما أدى إلى تراجع صادرات النبيذ الأسترالية إلى الصين بنسبة 96 في المائة؛ كما حظرت السلطات الصينية جميع وارداتها تقريبًا من ليتوانيا بعد موافقة الأخيرة على فتح مكتب تمثيلي لجزيرة تايوان بالعاصمة فيلنيوس.