تواجه العديد من المهن والحرف خطر الانقراض نتيجة التطور التكنولوجي السريع خاصة مع غياب الدعم الكامل من الدولة لأرباب هذه المهن ويأتي على رأس تلك المهن الصيد وتصنيع المراكب وغزل الشباك وهي المهن التي خلقت نتيجة الموقع الجغرافي المميز لمنطقة قناة السويس التي تربط بين البحرين الاحمر والمتوسط وتوارثها الأجيال منذ أكثر من 100 عام وبين مطرقة ارتفاع الأسعار وسندان غياب دعم الدولة لأرباب المهن مع التطور التكنولوجي السريع يواجه الصيد والمهن الملحقة به خطر الانقراض.
وفي محافظة الإسماعيلية وبالتحديد عزبة البهتيني المطلة على بحيرة التمساح التي يعيش سكانها على مهن الصيد بعضهم يصنع مراكب الصيد والبعض يغزل الشباك وهناك من احترف صيد الأسماك وآخرين تخصصوا في بيع السمك.
“البوابة” انتقلت إلى عزبة البهتيني لرصد ماتبقى من آمال وأحلام صيادين خط القناة.
يجلس على أطراف بحيرة التمساح رجل عجوز غطى الشيب رأسه ينظر إلى قوارب الصيد ويتمتم بكلمات غير مسموعه وفي عينيه حنين للماضي القريب عندما اقتربنا منه للتعرف عليه قال "اسمي محمد شطا أقدم نجار لصناعة قوارب الصيد جئت مع أسرتي من بحيرة المنزلة الى الاسماعيلية منذ 57 سنة وبدأت عملي في السويس ثم دمياط ومنها للبحر الأحمر وبعدها بورسعيد والإسكندرية وسافرت خارج مصر السعودية والعراق وتونس وأخيرا كان استقراري في الإسماعيلية مع أبنائي أحمد وسيد الذين تعلموا أيضا صناعة قوارب الصيد.
تذكر شطا وفاة جده لأمه الذي علمه صناعة القوارب حيث توفى في السويس وكانت الحرب على أشدها في السويس لذلك قرر الهجرة إلى الإسماعيلية وسكن في منزل صغير إلى جوار بحيرة التمساح وأوضح أن الأسعار غير مستقرة وكل يوم في ارتفاع جديد حيث كان يصنع فلوكة الصيد بـ 40 جنية فقط من الخشب السويدي والآن تجاوز سعرها 22 ألف جنيه بدون هامش ربح ولا نجد من يشتريها ويضيف:" صنعت مئات القطع من قوارب الصيد" مؤكدا أن 75% من مراكب الصيد في بحيرة التمساح صنعت على يده حيث كانت ساحة الورشة تمتلئ بقوارب الصيد والفلوكة والصال والسمبك الإسماعلاوي ولكن الظروف الحالية جعلتنا لانستطيع الانتهاء من قارب واحد في السنة بسبب ارتفاع الأسعار وصعوبة الصيد في القناة نتيجة تحديد مواعيد للابحار في المجرى الملاحي ومنع إصدار تصاريح جديدة للصيد في بحيرة التمساح مما أدى إلى عزوف الكثير من الصيادين عن المهنة نتيجة مصادرة القوارب التي تبحر في غير الأوقات المحددة للصيد وذلك وفقا لقانون تنظيم الملاحة الداخلية المصري رقم 10 لسنة 1956 والذي يحظر إبحار قوارب الصيد التي تعمل بمحركات آلية في بحيرة التمساح والبحيرات المرة والمجرى الملاحي لقناة السويس مما عاد سلبا على صناعة قوارب الصيد.
ويلتقط منه أطراف الحديث نجله أحمد شطا :"كنت طفلا يركض خلف أبيه في الشوارع طلبا منه تعلم حرفة صناعة المراكب واليوم أرفض أن يرثها ابني موضحا أسباب العزوف عن حرفه صناعة مراكب الصيد قائلا : عائلتي من أقدم العائلات التي امتهنت حرفة صناعة مراكب الصيد جاءت من المطرية منذ مايقرب من 100 عام إلى محافظة الإسماعيلية ولكن اليوم لم يعد حال المهنة كما كان من قبل وارتفاع الأسعار أطاح بالحرفيين وأوشكت المهنة على الانقراض لأسباب عديدة وأتذكر أن هذه المنطقة فقط التي نقف بها اليوم كانت تضم مايقرب من 7 ورش لنجارة مراكب الصيد أما الآن لايوجد سوى ورشتين فقط تحاصرهم الديون وتلاحقهم القضايا في المحاكم للحصول على حقوقهم من أصحاب المراكب.
وأكد أن الفترة الحالية تعد ذروة موسم الصيد في منطقة القناة وبمقارنة نفس التوقيت قبل ارتفاع الأسعار بالتحديد قبل أحداث 25 يناير كنت أعمل في تصنيع أكثر من 10 مراكب صيد في آن واحد لكن اليوم لا أمتلك تعاقدا واحدا لتصنيع المراكب بسبب ارتفاع أسعار مواد التصنيع وتعويم الجنيه أمام الدولار مما أثر على استيراد بعض الخامات وتخبط الحالة الاقتصادية.
واستطرد حديثه: "بدأت تعلم مهنة تصنيع مراكب الصيد منذ نعومة أظافري كان عمري لايتجاوز ثمان سنوات لكن والدي كان مصمم على استكمال دراستي وبالفعل حصلت على ثانوي فني ومن هنا بدأت احتراف المهنة ولأن والدي رجل مسن كان دخولي المهنة معاونته على الأشغال الصعبة التي يواجهها في تصنيع المراكب وكان لوالدي وجدي وعمي الفضل في تأسيسي على الحرفة وتعلم كافة فنونها وخلال سنوات عملي ذاعت شهرة العائلة في مجال التصنيع بالمنطقة واستطعت تصنيع مراكب صيد منطقة القناة وتصدير لانشات سياحية إلى شرم الشيخ والغردقة وغيرها من المدن السياحية.
ورغم الحالة المتردية التي تواجهها المهنة أتمنى تطوير ورشة العائلة فلا نملك أي حرفة غيرها لتوفير قوت يومنا وكما تروا لايوجد بالورشة سوى جهاز المنشار الكهربائي وباقي مراحل التصنيع تتم يدويا.
وأشار إلى انه يتم صناعة قوارب الصيد من خشب التوت وخشب السويد ويتم شراء تلك الأخشاب من مركز المطرية في محافظة الدقهلية وذلك نظرا لعدم توافرها بمحافظة الإسماعيلية وأوضح أن خشب التوت هو من أجود أنواع الأخشاب وتتلائم طبيعته مع صناعة القوارب وتشكيل الهيكل الخارجي لها حيث يتم بناء هيكل القوارب بخشب شجر التوت، وذلك حسب نوع الهيكل وتصميمه لافتا إلى أن بناء السفن الخشبية يتم من خلال عدة مراحل مختلفة تبدأ منذ جلب الأخشاب والمون، ثم بدء تصميم الهيكل والذى يتم بناؤه بخشب التوت، ثم عمل الهيكل الخارجي للقارب بخشب السوويد والذى يتم تثبيته على الهيكل الداخلى ، ثم يتم عمل صنفرة عقب "التثبيت"، ثم عملية "الفيبرة" والعزل والتي تتم من خلال حقن الفراغات بين الخشب بمادة من "الفبر" والتى تعمل على عزل المياه عن خشب القارب، لعدم دخول المياه من خلال تلك الفراغات وتعد عملية الفيبرة بديلا لعملية "الألفطة" التي كانت تحدث قديما بواسطة أحبال الكتان ومادة سائلة.
وعن سعر القارب قال إنه يتم تحديده طبقا لنوعه وطوله فهناك 3 أنواع من القوارب وهي "صال" ذات القاع المسطح ، " وكيك " ذات السطح شبه المنحني، بالإضافة إلى "الفلوكة اللانش" ويتراوح متوسط الاسعار من 15 ألف جنيه، وحتي 33 ألفا وذلك حسب العمل المتفق عليه ، وتشتهر محافظة الإسماعيلية بصناعة " السومبك" الإسمعلاوي وذلك نظرا لشكله المميز بمنحنيات قاعه مما يجعله صعب في عمله وصغير فى حجمه، وعليه طلب من العاملين في الصيد لسهوله تعويمه في المياه.
واوضح ان طبيعة المجرى الملاحي لقناة السويس لايتناسب معها إبحار سفن الصيد الكبيرة وخاصة بمنطقة الإسماعيلية يحتاج الصيادين في بحيرة التمساح إلى قوارب صغيرة او فلوكة للصيد فهي تختلف كثيرا عن السويس وبورسعيد مما يجعل مهنة الصيد بها محدودة، كما إن عملية نقل القوارب الكبيرة عملية شاقة وذلك لما تحتاجه من معدات وأوناش للتعويم في المياه بالإضافة إلى إن القوارب الكبيرة بناؤها مكلف مما يجعل الطلب عليها منعدم إلا في حالة إذا قام صاحبها ببنائها لتكون مركبا للتنزة .
ويطالب " أحمد شطا " المسئولين بضرورة الاهتمام بدعم أصحاب الحرف من العاملين بتلك المهنة وهي مهنة "بناء قوارب الصيد" حيث إنه يحتاج إلى دعم كبير من الحكومة بإجاد مكان لورشته التي قام باستإجار ارضها من احد جيرانه ، لأنه لا يوجد مجمع حرفي خاص ببناء القوارب بالاسماعيلية، والذي يجب أن يكون قريبا من بحيرة الصيادين لسهولة تعويم القوارب بعد الانتهاء من تصنيعها.
وأشار إلى إنه قام بالشكوى أكثر من مرة للمسئولين لحل مشكلته وهي عدم الحصول على قطعة أرض يريد أن يقيم بها ورشته، ولكنه لم يحصل على الموافقات اللازمة بسبب عدم تملكه للارض .
واختتم شطا حديثه بضرورة عمل مجمع ورش لبناء قوارب الصيد بجوار بحيرة الصيادين خاصة ان هذه المهنة باتت مهددة بالانقراض.
وعلى شاطئ بحيرة التمساح تقف عشرات القوارب إلى جوارها أصحابها الصيادين وترتسم على وجوههم علامات الشقاء الممزوجة بالعرق والصبر حفرت عبر السنين كانوا يبحرون يوما بعد يوم لصيد السمك في بحيرة التمساح والبحيرات المرة واليوم ينتظرون مواعيد فتح الصيد خوفا من ارتكاب اي مخالفة تكبدهم خسارة قواربهم
يقف محمد السيد صياد ينظر الى قوارب الصيد المتوقفة على شاطئ بحيرة التمساح تملؤه الحسره يتذكر مستقبل اولاده والرزق الشحيح الذي ينحسر يوما بعد يوم قائلا: “لانطالب سوى تقنين أوضاع الصيادين وحماية أسرهم من الجوع والحفاظ على مهنة الصيد التي ورثناها من الانقراض مؤكدا :”شيخ الصيادين لايكترث بمشاكلنا"، وقال :"كان الصياد ينزل البحر ويخرج برزقه يبيعه ويكفي بيته" اليوم الصياد لايملك سمكة واحدة تكفي غذاء لأولاده ويبحث عن شراء سمك المزارع أو الشراء من بائع داخل السوق موضحا أن أزمة الصيد في المجرى الملاحي بدأت منذ حرب الخليج 1992 حيث تم سن قوانين لتنظيم الصيد لكن كل يوم يزداد الخناق وتأثر لذلك كل المهن المعاونة للصيد وأضاف أن عزبة البهتيني كانت تسمى عزبة الصيادين لأن كل أهل العزبة يعملون في الصيد أو صناعة القوارب أو غزل الشباك أو بيع السمك كل هذه المهن تأثرت بسبب تقليص ساعات الصيد ولا نجد رزق يومنا.
ومن جهته فجر عربي الشوربجي شيخ الصيادين بالاسماعيليه مفاجأة حول أعداد الصيادين الحاصلين على تراخيص رسمية للعمل حيث يبلغ عددهم 825 صياد في حين أن العدد الحقيقي الذي يمارس المهنه تجاوز 5000 صياد ولا يستطيع العدد الفارق الحصول على تراخيص رسميه لمزاولة المهنة كما يتكبد الصياد تكاليف تجديد الترخيص سنويا بمبالغ تصل إلى 4 آلاف جنيه وكان في الماضي يتكلف مايقرب من 120 جنيه فقط ويتم التجديد كل 5 سنوات
واضاف الشوربجي أن الصياد في معاناة طويلة منذ حرب الخليج 1992 حيث تم منع الصيد ليلا وتم تحديد ساعات الصيد يوميا من 6 صباحا حتى 6 مساءا بالإضافة إلى مواعيد التأمين أثناء الزيارات أو مرور السفن مما يجعل رزق الصياد قليل.
وأكد أن المهن الملاحقة للصيد مثل صناعة القوارب وغزل شباك الصيد طالهم الغلاء والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه الجميع وكان هناك عرض من هيئة الثروة السمكية والتضامن الاجتماعي بتحمل نصف تكاليف قوارب الصيد لكنهم اشترطوا تسليم القوارب القديمة مقابل تنفيذ الاتفاقية لكن كان هناك صيادين لايملكون قوارب لذلك لم نستطيع استكمال الاتفاقية.
وطالب عربي الشوربجي شيخ الصيادين بالإسماعيلية دعم من الدولة للصيادين تلك الفئة المعدومة الذي لا يملك قوت يومه.
وأمام بيوت الصيادين كانت تجلس زوجاتهن لغزل شباك الصيد وفي كل صباح كان يخرج الصياد نحو بحيرة التمساح ليستقل قاربه الصغير يبحر نحو البحيرات المرة ليصطاد السمك وتتبعه زوجته تجلس أمام منزلها لغزل شباك الصيد او اصلاح التالف منها ذلك المشهد الذي اختفى من الصورة الآن فلم يعد الصياد يخرج للصيد كل صباح ليعود الى اسرته ببضع الجنيهات تعينهم على مصاريف الحياة ولم تعد زوجته تغزل شباك الصيد وبالبحث توصلنا إلى أن السبب في اختفاء غزل شباك الصيد يدويا هو ارتفاع أسعار الخامات بشكل مبالغ فيه واعتماد الكثير من الصيادين على شراء الشباك المصنوعة آليا والاكتفاء بإصلاح الشباك القديمة وإعادة استخدامها.
ويقول علي عوض أقدم غازل لشباك الصيد أنه يتم غزل شباك الصيد من خيوط حرير باللون البني لتستطيع تحمل ملوحة المياه وتقاوم الحجارة في قاع البحر وتكون «عيونها» ضيقة، وتستخدم هذه النوعية في صيد الجمبري يتم استيرادها من إسبانيا واليابان أو فنلندا، وأول من صنع شباك الصيد هم الإسبانيون ثم اليونانيون وأوضح أنه يتم شراء شباك الصيد على هيئة كتل بحيث يبدأ وزن الكتلة الواحدة منها من ١٠ كيلو جرامات ثم يتم تفصيلها حسب احتياجات الصياد بمقاسات مختلفة بشرط عدم غزل شباك بمقاس ٩ مل لأنه مجرم بسبب صيد الزريعة والقضاء على الثروة السمكية ونحن أيضًا حريصون على ذلك للحفاظ على قوتنا، ولهذا يتم صنع الشباك بمقاسات من ١١ مل وحتى ١٣ مل وتتم إضافة الفلين لتعويم الشباك، وأشار إلى أن تكلفة صناعة الشباك تعد باهظة كثيرًا، نظرًا لارتفاع أسعار الخيوط الحريرية المستخدمة والمواد الخام الخاصة.
وفي سياق متصل أعلن الفريق اسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس الانتهاء من بناء وتجهيز 34 سفينة صيد ضمن المرحلة الأولى بالمشروع القومى الذى يستهدف بناء 100 سفينة صيد حديثة مُجهزة بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الإبحار فى المياه العميقة بالبحر المفتوح، بهدف توفير فرص عمل جديدة للشباب، وتحقيق الاكتفاء الذاتى من البروتين الحيواني، وتحقيق قيمة مضافة لتنمية الاقتصادية لمصرنا العظيمة.
وأضاف ربيع أنه لرفع كفاءة المراكب الإنتاجية والتشغيلية تم تزويدها بالعديد من التقنيات المتطورة، على رأسها أجهزة التحديد الدقيق لأماكن تجمع الأسماك عن بعد، والتى تتيح اصطياد أكبر كمية من الأسماك، بالتوازى مع تحقيق وفورات فى الطاقة المستهلكة، وترشيد وقت وجهد طواقم السفن، وهو ما يرفع الكفاءة الاقتصادية للسفن.
ويفتح المشروع القومى لتطوير أسطول سفن الصيد المصرى آفاقا جديدة أمام شركات هيئة قناة السويس للتوسع فى نشاط البناء فى إطار استراتيجية الهيئة لتطوير شركاتها وإعادة هيكلتها و رفع كفاءتها الإنتاجية، وتحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانيات والمعدات المتوافرة، وتوظيف الطاقات البشرية والعمالة المدربة فى تنفيذ المشروعات القومية ذات المردود الإيجابى على أداء الشركات والاقتصاد القومى فى الوقت ذاته.
وقال إن الشركات التابعة للهيئة تولت مهمة بناء سفن الصيد وفقًا للمواصفات والمعايير الدولية، وبالاعتماد على أحدث الأنظمة التكنولوجية المتطورة للاتصالات والملاحة علاوة على أنظمة الأمان ومكافحة الحرائق، والأنظمة الحديثة لتحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وأنظمة إنتاج الثلج لحفظ الأسماك داخل ثلاجات عملاقة، فضلاً عن توفير غرف إعاشة مجهزة لطواقم السفن.