الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

فاجعة «أبو سيفين» تفتح أبواب الحيرة.. مصير الكنائس بين التقنين والإغلاق بسبب المعايير والمواصفات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فاجعة كبرى ألمت قلوب المصريين راح على إثرها 42 ضحية وإصابة 16، بعدما طالت النيران أرجاء كنيسة الشهيد مارقوريوس "أبو سيفين" بحي إمبابة، ووسط عويل وصراخ الأطفال واختناق وكسور وموت ورحيل تبّدلت مظاهر الفرح بصوم السيدة العذراء- الذى ينتظره الأقباط– وباتت القلوب يغزوها الألم والوجع على أبرياء وملائكة من الأطفال.

بين الترانيم والألحان فى الكنيسة لإقامة صلوات القداس؛ والرسم والألوان الذى يعكف عليه الأطفال فى الحضانة الملحقة بكنيسة إمبابة، توقف الزمن ثوان معدودة– انقطع التيار الكهربى– وحينما عاد جاء محُمل بسواد أعظم، يحصد نفوس زهور وبراعم من الأطفال والنشء وبعضًا من الكبار والشباب.

يبدو أن 14 أغسطس الأسود الذى يترك طابعا خاصا فى نفوس المصريين جميعًا، والأقباط على وجه التحديد، لتذكاره المشروط بحرق وتدمير الكنائس، على يد الجماعة الإرهابية، يُعيد للأذهان، نفس الصورة، ولو اختلفت المسببات، وكانت فى صورة إهمال أو قضاء الله وقدره وغيرها.

كنيسة «مارقوريوس» تقع فى حارة متفرعة من شارع الكيلانى بمنطقة إمبابة الحي الشعبي مكتظ بالسكان بينهم الأقباط والمسلمون، مكونة من 4 طوابق تبدو من خارجها مبنى سكنيا طبيعيا لولا الرسوم والصليب لا يمكن تمييزها عن جوارها من المبانى، طالتها  النيران فى الطابقين العلويين، (الثالث والرابع)، أما الطابق الثاني فكان مخصصا لحضانة أطفال، احتجاب الأدخنة داخل المبنى تسبب في اختناق الأطفال، وأدى لوفاة العديد منهم.

دشنت الكنيسة للصلاة قبل 15 عامًا من الآن، وسط ظروف عصيبة، من شروط وقواعد مجحفة تعيق- إصلاح ما هو قائم- قبل أن تعطل وتعرقل إنشاء مبان أو كنيسة جديدة، لتكون مقصدا للمصلين، على سبيل المثال في العصر الملكي ثبت القربي باشا نفس الرؤية، عام 1934، عشر شروط لبناء الكنائس، أو التصريح بها، وما تلاه، كانت جميعها عائقا صارخا فى إنشاء أو تأسيس مبنى واحد.

وبعد تأسيس النظام الجمهورى؛ أصبح حق منح بناء وترميم الكنائس لدى رئيس الجمهورية، إلا أن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، أصدر قرارًا جمهوريًا رقم 13 لسنة 1998، فى 11 يناير 1998، بتفويض المحافظين فى سلطات ترميم وتدعيم الكنائس، واحتفظ لنفسه بحق بناء الكنائس.

وذلك قبل أن يصدر القرار الجمهورى رقم 453، فى 28 ديسمبر 1999، بإنهاء اختصاص المحافظين فى الموافقة على قرارات تدعيم وترميم دور العبادة وإحالة الاختصاص إلى مكانه الطبيعى وهو إدارات التنظيم والمبانى بالمحليات، وكان هناك العديد من الإشكاليات ومحتواها واحدًا الرفض لظروف أمنية.

التحايل للصلاة

تلك الظروف جميعها، دفعت الكنيسة والأقباط، إلي التحايل على الظروف المفروضة، وشروط التعجيز عن البناء، حيث لجأ لاستخدام مبنى صغير (منزل أو بيت أو شقة أو غيرها)، تتوافر من خلال متبرعين، أو شرائها من خلال الكنيسة، لإيجاد مبنى يقام فيه الصلوات والشعائر الدينية، تستوعب ما يمكن من أبنائها، للصلاة سرًا غالبية الأحيان، دون النظر لمدى جاهزية أو سلامة المنشأة، لتلافي إشكاليات الوقوع فى مسألة عدم الترخيص والتقنين.

وواحدة من مئات الكنائس، التي عانت ذلك، هي كنيسة الشهيد أبوسيفين بإمبابة، محل واقعة الحريق، مبنى سكنى، في حارة متفرعة من شارع ليس عموميًا، بهدف الصلاة سرًا أو جهرا، دون مراعاة للمساحة، أو إجراءات الحماية، أو إمكانية تدارك الأزمات، مبني تأسس بهدف الصلاة وفقط، مما يجعل الظروف في موقف المسألة والقوانين وواضعيها، فى موضع الاشتراك في الأزمة.

عقود المعاناة وثورات التصحيح

وظل حال الأقباط حائرًا، بين الصلاة سرًا، وتأسيس مبانٍ تحت مسميات خدمية "مستوصف علاجي- دور رعاية أو أيتام- ومن داخلها كنيسة تستوعب الأقباط للصلاة، إلي حين فتح الباب أمام قانون بناء الكنائس للحديث، من القانون الموحد، خلال حقبة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وانتهي مكانه في أدراج المكاتب، ولكن بعد حراك ثورتين متتاليتين، في 25 يناير، و30 يونيو، وتأسيس دولة جديدة، بقيادة رشيدة، فتح المجال مجددا، لقانون خاص ببناء الكنائس، عملا بالدستور المصرى والمادة الثالثة منه.

مخاض ولادة القانون المُتعثر

هرول الكثيرون للمشاركة في رؤية وملامح عامة للقانون، حيث تبنت الكنيسة، من خلال اللجان القانونية، وإشراف من الأنبا بولا– ممثلها فى وضع الدستور، ومناقشة القوانين، لإعداد رؤية، وأيضا أحزاب وعلمانيون تقدموا بتصورات للقانون، وبين المناقشات والأمنيات، خرج القانون، وأقره البرلمان تحت رقم 80 لسنة 2016، بشأن بناء وترميم الكنائس وملحقاتها.

ورغم صدور القانون، وما تضمن من بنود وشروط تبدو ميسرة، للتشييد والبناء وتقنين حال الكنائس القائمة، وفق الشروط والضوابط، ومجاهرة الكنيسة على لسان الأنبا بولا، بالموافقة على القانون، ووصفه بالأفضل على الإطلاق، كان للبطريرك تصريح هام، فى ديسمبر2017- آنذاك- بقوله: «نأمل أن تسفر المناقشات عن صدور قانون حقيقى، بلا تعقيدات أو ألغام، أو تورتة بها زجاج، أي بنود جميلة شكلا ومعقدة ومعطلة ومبهمة موضوعا».

وقال البابا: «إنه رغم صدور قرارات تبدو في ظاهرها تسهيل بناء أماكن العبادة للمسيحيين، إنما بقيت التعقيدات في الإجراءات التي تستغرق السنوات دون حلول جادة حتى الآن».

وفي التوقيت ذاته؛ أعد الدكتور منير مجاهد، تعديلات وسلمها إلى مكتب رئيس الجمهورية، في قصر عابدين، وقام مجموعة العلمانيين، وأصحاب الفكر والرأى، بإعداد تعديلات على صورة القانون، لا سيما أن الغالبية رأى أن القانون يتطابق مع محافظات الحضر فقط.

وحيث أن قانون بناء الكنائس، جاء يرتكز علي محورين؛ الأول: هو تنظيم ضوابط بناء الكنائس الجديدة، وتحديد الإجراءات الواجبة للقيام بكافة أعمال البناء؛ أما الموضوع الثاني: فهو معالجة وتوفيق أوضاع الكنائس والمباني الدينية والخدمية التي تقام بها الشعائر والأنشطة بدون ترخيص رسمي، وكان هناك تحفظات على بعض الشروط، من جانب علمانيين وقانونيين.

موقف القيادة السياسية

رئيس الجمهورية أرسى قاعدة ضرورة وجود كنيسة مع المسجد والمدارس والخدمات، في كل المدن الجديدة، فضلا عن دور الدولة الرائد، في إعادة إعمار الكنائس التي تضررت عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، على يد جماعات الشر، بالإضافة لاهتمام الرئيس المباشر بكافة المصريين، دون تفرقة أو تمييز.

وحرص الرئيس على مشاركة الاحتفالات والمناسبات الهامة كنسيا وأيضا إشراك الكنيسة فى الأمور الوطنية وحضورها الدائم فى المحافل، وآخرها التوجيه بإعادة ترميم وإصلاح الكنيسة المُضارة بالحريق، والتي بدأت الأعمال في ذات الليلة، وفق توجيهات رئاسية.

الحضر والقرى

هناك العديد على غرار حالة كنيسة إمبابة، شيدت لسد الحاجة الملحة، وإقامة الصلاة دون شروط، وبعد القانون باتت أمام ضرورة استيفاء الشروط للتقنين، وبالفعل كانت على خطوة واحدة من تنفيذ التقنين، ولكن تلك الشروط كانت معضلة، وكانت سببا في قرارات غلق بعض منها.

وعكفت لجنة تقنين أوضاع الكنائس، التي شكلت أواخر عام 2017، وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء، على تقنين أوضاعها، منذ بدء عمل اللجنة، وحتى الآن، 2162 كنيسة ومبنى تابعًا، من قرابة 5540 كنيسة ومبنى دينيًا، قدمت أوراقها إلى الجهات المختصة.

تصريح مسئول واستفهام مواطن

رغم توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسي، لبدء أعمال ترميم كنيسة أبوسيفين بإمبابة، والتى بدأت على الفور، تداول تصريح منسوب لوزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج، التي أعلنت أنه يتم التنسيق في الوقت الحالي، بشأن مراجعة الكنائس الموجودة، ليس للتقنين، إنما لـ"غلق" الكنائس الموجودة بالأماكن غير الملائمة، واستبدالها بأخرى جديدة، مطابقة لشروط البناء والحماية.

مما يضع علامات الاستفهام، لما يتم ترميم المبنى مجددا، في ضوء توجيه الرئيس، وفي ذات الحين، هناك تدارس لحالة الكنائس المطابقة للشروط، وإغلاق غير المطابق منها، وإنشاء بدائل، وما هو حال غالبية الكنائس التي شيدت في القرى والنجوع، طيلة سنوات التضييق، وبعضها خضع للتقنين؟!

غرفة الصلاة.. والبدائل؟

لعل هناك ما يزيد عن 350 عزبة ونجعا، لا يّجد فيه المسيحيون، مكانا للصلاة، سوي غرف لا تزيد عن بضعة أمتار، وتعاني من مشاكل في التهوية- هناك الكثير من النماذج بمحافظات الصعيد، والمنيا خاصة، وتتم الصلاة فيها تارة، بمواءمة مجتمعية، وتارة بتفهمات أمنية، كيف سيكون حالها في ضوء شروط قانون بناء الكنائس، والمرتبط أيضا في بنوده بالقانون 119 للمباني.

في حين أن غالبية القرى المصرية، حتى الآن، لا تخضع لخط التنظيم، نتيجة البيئة الجغرافية، مما يعكس استحالة إمكانية تشييد كنائس في القرى، خاصة في الصعيد، الذى يقطنه نسبة تتجاوز 80% من الأقباط، وتعد أكثر المناطق المحرومة من بناء وتشييد الكنائس.

الصدع والاختلاف

فى ضوء شروط ومعايير التقنين، والتى تستلزم استيفاء بنود في القانون 80 لسنة 2016، والخاص ببناء وترميم الكنائس، من المادة (8)، وحتى المادة (10)، تمثل عائقا لعمل اللجنة؛ حيث تتضمن شروطا منها أن تكون مباني الكنيسة مقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون، وتقام بها الشعائر المسيحية.

ويشترط أن تثبت سلامة مباني الكنيسة الانشائية، وفق تقرير من مهندس استشاري معتمد من نقابة المهندسين، وإقامته وفقا للاشتراطات البنائية المعتمدة، وأن تكون مباني الكنيسة ملتزمة بالضوابط والقواعد التي تتطلبها شئون الدفاع عن الدولة، وعدم إقامتها في مناطق عسكرية، والقوانين المنظمة لأملاك الدولة العامة والخاصة.

وفي حال توافر هذه الشروط، في الطلبات المعروضة على اللجنة، من الممثلين القانونيين للطوائف المسيحية المعترف بها في مصر، ترفع التوصية بالتقنين، ويصدر القرار من مجلس الوزراء بتوفيق الأوضاع، هذه الشروط في الطلبات المعروضة، تؤكد أن بناء أو تقنين كنيسة "أصعب من دخول جمل من ثقب إبرة"، لأن القانون 119 يحظر البناء على الأراضي الزراعية، أو أملاك الدولة، وكما سبق القول أن 90% من المشاكل توجد بمناطق ريفية وفي الصعيد، وكانت سببا في وقف وغلق بعض الكنائس.

وفي ضوء التصريح الأخير لوزيرة التضامن، وقرارات بعض المحافظين بإغلاق مبان تقام فيها الصلاة، لعدم مطابقة الشروط، رغم فتح ملفات لها للتقنين، تتزايد علامات التعجب مع الاستفهام، عن مصير الكنائس التي وفقت أوضاعها، واعتمدتها اللجنة المشكلة للتقنين، وما هو القرار بشأن الملفات التي ما زالت قيد الفحص والدراسة، وماهية الأماكن البديلة، للأماكن غير المطابقة للمواصفات– وفق تصريح الوزيرة- في زمام القرى والنجوع، المحدوده المساحة، وغالبيتها يتضارب مع القانون 119، الخاص بالبناء على أرض زراعية.

الحل وفض الالتباس

هناك حلول للحد من الالتباس جزئيًا، وأولوية العمل، هو توفير شروط السلامة والحماية قدر الإمكان، في الأماكن المقامة، والتي شيدت في مرحلة صعبة، وأولوية اعادة الاعتبار للمواد الثامنة والتاسعة والعاشرة من القانون 80 لسنة 2016، في ضوء القانون 119 والقوانين المماثلة.

مع عدم تطبيق القانون بأثر رجعي، وإلغاء لجنة التقنين، وإلغاء مصطلح "الطائفة"، من الدستور، لأن الأقباط مواطنون وليسوا طائفة، إضافة إلى أن الخطر أن القانون الاجتماعي "العرفي"، لا يزال أقوى، في أغلب قرى الريف عن القانون والدستور الأمر الذي يحتاج التطبيق الفعلي للقانون ومعاقبة من يتصدى لبناء الكنائس المرخصة.

كما أن هناك ضرورة مُلحة لإيجاد حلول عملية، لتقنين أو توفير بدائل، للغرف أو الأماكن البسيطة، التي يستخدمها الأقباط للصلاة.