ضجت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا بإشاعة عن إلغاء قائمة المنقولات الزوجية، أو"القايمة " كما يُطلِقُ عليها المصريون، والتي يتم إلزام الزوج بها عند الزواج، حيث تُدوّنُ المرأة فيها ما تشتريه هي أو عائلتها أو زوجها من أثاث ومقتنيات لمنزل الزوجية، على أن يوقع الزوج على هذه القائمة كوثيقة يكون ملزمًا بردها إذا طُلب منه ذلك. وعاد بذلك الجدلُ على نطاق واسع حول مدى جدوى هذا العرف المجتمعي. وتنوعت الآراء بين مطالب بإلغائها بسبب "استخدام الزوجات الخاطئ لها" وبين من يرى أنها تحفظ حق الزوجة. وقد انتشرت عبارات عنصرية كريهة متبادلة مثل"خليها تعنس"، أو "خليه جنب أمه".. والغريب في الأمر أنه مهما اختلف الناس حول جدواها أو أهميتها وتنمرُّوا على بعضهم البعض، فإنهم في النهاية يعلمون أنها "شرّ لابدّ منه".
وقائمة المنقولات الزوجية هي ضمانة للزوجة جرى عليها العرف لتكون بديلا للمهر الذي يدفعه الزوج لها أو كرادع له حتى يعاملها بالحسنى، وتمكنها القائمة من استرداد كامل منقولاتها حال حدوث نزاع بينهما.
وهذا العرفُ "مصري" لا تتبعُ مثله شعوبٌ أخرى، ربما لأنّ العائلة المصرية تجهِّزُ ابنتها بكل ما يحتاجه بيتها الجديد محاولةً منها لتيسير الزواج الذي أصبحَ صعبًا بشكل متزايدٍ. لكنْ لماذا لم يتم اختيار الشيك مثلا ليكون رادعًا للزوج إذا فكر في "اللعب بذيله" والزواج عليها أو هجرها؟ ببساطة، لأن الشيك يرتبط بأجلٍ محّددٍ، وعند انقضاء الأجل لن يكون له أي قيمة؛ لكن في حالة القائمة فهي التزام مستمر وطويل المدى. في حين تعتبر القائمة عقدًا من عقود الأمانة، الواردة في المادة 341 من قانون العقوبات الذي يعاقب الزوج على خيانة الأمانة بالسجن وجواز فرض الغرامة، ويكون توصيف التهمة "تبديد منقولات زوجية"، وقد تصل إلى الحبس 3 سنوات.
ولأنَّ حالات الطلاق ازدادت لدرجة مخيفة -ووصلت إلى 222 ألفًا و36 حالة بين الطلاق والخلع - بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- فإنّ التمسّك بالقائمة كعرف يتّجه للمزيد من الترسيخ وليس للإلغاء لأنّها تُستخْدمُ كأداة ضغط عند البدء في إجراءات الطلاق، إذ يخاف الزوج أن يتسبب "تبديد المنقولات" بدخوله السجن، وهو بذلك رادعٌ يحفظ للزوجة حقوقها. وهذا بالضبط هو جوهر الأعراف التي تستحدثها المجتمعات للدفاع عن مصالحها.
ونلاحظ في السنوات الأخيرة اتجاه الكثير من الشباب للزواج من غير المصريات، ليس فقط بسبب الانفتاح وما جرّته مواقع التواصل الاجتماعي من تعارف بين الشعوب، ولكنْ أيضًا بسبب صعوبة إيفاء الأزواج بالالتزامات، مثل القائمة والمهر والشبكة. وعادة ما تجهلُ الزوجة الأجنبية الأعراف المتّبعة في الزواج داخل المجتمع المصري، لذلك تتزوج بدون قائمة، بل وبلا مهرٍ أو شبكة، أو أي التزامات أخرى بما في ذلك توفير الزوج لشقة الزوجية. وعند الخلاف تجدُ نفسها في وضع شديد الصعوبة حتى إذا لجأت للقضاء تاهت في ردهاته.. فمن المعروف أنَّ الحبَّ قبلَ الزواج قد يتبخّرُ مع التحديات اليومية التي تواجه الزوجين وتتحول العلاقة إلى صراع قد يؤدي إلى الانفصال.
ولمن لا يعرف تفاصيل القائمة فهي تستدعي أن تتم بالكتابة مع مراعاة أن العبرة في تحديد قيمة المنقولات هي بوقت تحديد قائمة المنقولات أي وقت استلام الزوج لهذه القائمة فلا يؤثر تغير قيمة المنقولات بالزيادة أو النقص على قواعد الإثبات. لكنْ ماهي الطريقة التي يتمُّ بها كتابة القائمة؟ يتم توضيح كل المنقولات بشكل يصفها ويميزها عن مثيلاتها، وكذلك يتم تحديد قيمتها بسعر محدد حتى يميزها عن أية منقولات أخرى ولايسمح بتبديلها، وهذا الأمر مهمٌّ لسلامة تلك القائمة من الناحية القانونية لمن يود كتابتها. وجرى العرف عند بعض المناطق الجغرافية أن تحرص على ذكرِ المشغولات الذهبية أيضا التي اشتراها الزوج للزوجة. وهنا يتم ذكرها بشكل منفصل عن باقى المنقولات، بموجب وزنها وعدد الجرامات فيها، وعادة يتم ذكر إجمالى قيمة المنقولات، ثم تضاف عبارة "بخلاف قيمة المشغولات الذهبية ووزنها كذا جرام".
لكن ماذا إذا تخلى البعض عن هذا العرف؟ هذا يحدث استثناء عن القاعدة، والحكمة وراء ذلك أنه إذا اختلف الزوجان ووصل بهما الأمر للطلاق فإن القائمة وقيمتها لا تفيد شيئا في خراب العلاقة والتعويض عن هذه التجربة القاسية. لكنها رجاحة عقل غالبا ما تغيب عن الأطراف المتصارعة!
ومن الأخطاء الشائعة الربط بين دعوى الخلع وقائمة المنقولات، رغم كونهما منفصلين تماما عن بعضهما البعض، فدعوى الخلع تتنازل فيها الزوجة عن حقوقها الزوجية فقط، وهي نفقة العدة ومبلغ المتعة ومؤخر الصداق، حتى تتحصل على حكم بالخلع، ولا تؤثر من قريب أو من بعيد على حقها فى منقولاتها، لكونها تعتبر جنحة تقام أمام المحكمة الجنائية بشكل منفصل، وقد تؤدى إلى حبس الزوج إذا امتنع عن ردها.
بعد استعراضِ تفاصيل القائمة وأهميتها، لي ملاحظة واحدة أختمُ بها: مهما جادلُ النّاسُ بخصوصِ جدوى القائمة، نرى أنّ نفس الزوج الذي رفضها عندما كان شابًّا لأنها تنصرُ المرأة أو تستخدمها للاستقواء على الرجلِ فإنّه يلجأ للقائمة عندما يزوِّجُ ابنته. لذلك فهو يعلمُ أنها في النهاية "شرّ لابدّ منه". ومن هنا لا ضرورةً لهذا الجدل العقيم الذي يشغل الناس لأنه لن يغيّرَ عرفًا يسير المجتمع على هداه جيلًا بعد جيلٍ.