لم يكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يستفيق من فرحة الانتصار بولاية ثانية محطّما عددا من الأرقام القياسية أهمّها أن أصبح أصغر رئيس في الجمهورية الخامسة وكذلك كسر عقد الولاية الثانية التي توقفت منذ عقدين في فرنسا مع الرئيس جاك شيراك حتى وجد نفسه وحزبه وجها لوجه أمام تحدّيات الانتخابات التشريعية للجمعية الوطنية الفرنسية وهي تحدّيات تختلف عن تحديات الرئاسة التي ربحها بسهولة.
الانتخابات التشريعية 2022 بالنسبة لماكرون لن تكون كمثلها التي أجريت في 2017 والتي فازت بها حركته "إلى الأمام" بأغلبية ساحقة بـ 350 مقعدا من أصل 577 في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية. في حين مني الحزبان التقليديان الإشتراكي والجمهوري المحافظ بهزيمة كبيرة وفازت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان لأول مرة بمقعد في البرلمان.
اليوم اليمين المتطرف أكثر قوة وأكثر شعبية ومن المنتظر أن يكون خصما قويا لماكرون خاصة مع الاتفاق على تكوين تحالف انتخابي لليساريين وهو ما سيزيد من إضعاف الرئيس وتشتت الأصوات الانتخابية.
وقد تحمّست عدد من الأحزاب اليسارية لدعوة ميلنشون الناخبين إلى انتخابه "رئيسا للوزراء" ومنح اليسار غالبية في الجمعية الوطنية لعرقلة إصلاحات الوسط، حيث صرّح فابيان روسيل، زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي لراديو فرانس إنتر قائلا أنه "لا يمكن لأحد من اليسار أن يفوز بمفرده"، مشيرا إلى أن التحالف الجديد بحاجة إلى أن يبنى على "الأمل الهائل بين الجمهور الفرنسي وبين العمال وبين الشباب الذين يطالبوننا بأن نتحد".
ملاحظون يرون أن الرئيس ماكرون قد يقضي على آمال حركته بالبقاء أغلبية في البرلمان خاصة اذا ما دخلها منفردا دون تحالفات.كما أنّنا نعتقد أن اقدامه على تغيير اسم حركته في هذا التوقيت يعدّ انتحارا انتخابيا وهو لاداعي له خاصة وأن التسمية الجديدة لحركته "النهضة" فضفاضة فضلا على أن الناخبين الفرنسيين رسخ في مخيلتهم الاسم القديم ومن الصعب عليهم استساغة الاسم الجديد.
ما فعله ماكرون قبيل الانتخابات التشريعية يذكرنا بالقصة العربية "جنت على نفسها براقش" والتي تحوّلت الى مثل يضرب لمن عمل عملا ضر به نفسه أو أهله فهو يجد نفسه معزولا في قصر الايليزيه ضمن ما يعرف بمصطلح "المساكنة السياسية " وهي عدم انتماء رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلى نفس الحزب أو التيار السياسي وهذا يحدث حين ما يكون الرئيس أقلية في الجمعية الوطنية.
والفرنسيون ليس لديهم ذكريات طيبة مع هذه التجربة التي عاشوها ثلاث مرات خلال الجمهورية الخامسة. الأولى في عهد ميتران مع جاك شيراك من 1986 لغاية 1988 ثم بين ميتران وإدوار بلادور من 1993 إلى 1995 ثمّ بين جاك شيراك ورئيس الحكومة الاشتراكية ليونال جوسبان من 1997 إلى 2002.ولهذا سيكون للانتخابات التشريعية 2022 بعد آخر وهي بعنوان "نكون أو لا نكون" وهو الشعار الذي يرفعه ماكرون وحركته والذي يبدو أنه بعيد المنال والتحقيق وفق المعطيات الحالية التي ترجّح فوز اليسار بأغلبيتها.
يقال أن براقش كانت كلبة، وقد أغار قوم على قومها، فنبحت، فنبهت قومها، فقاموا، وذهبوا إلى مغارة؛ ليختبوا فيها، وعندما جاء اللصوص أخذوا يبحثون عن أهل القرية، ولم يجدوا أحد، وعندما هموا بالانصراف نبحت الكلبة براقش لانها تعوّدت توديع الغرباء، فانتبه لها اللصوص، فقتلوا عددا من قومها، وقتلوها أيضا، فقيل: جنت على أهلها براقش.