يُعّد كتاب "كليلة ودمنة" أحد دُرر التراث العالميِّ، وواحد من أفضل كتب الأدب التي تخطَّت أطُر المكان وحدود الزمان، يتناوله الصغار فيستمتعون بحكاياته، والكبار فيستنبطون منه المعاني العديدة والعميقة. وفق ما جاء تقديم النسخة التي حققها عبدالوهاب عزام وطه حسين.
وقد اصطبغ الكتاب بصبغات أكثر الحضارات الشرقية ثراءً؛ فهو نتيجة تلاقي ثلاث حضارات هي الهندية والفارسية والعربية. والشائع أن مؤلِّفه هو الحكيم الهندي "بيدبا"، وقد كتبه لينصح به الملك "دبشليم"، ثم انتقل الكتاب إلى الأدب الفارسيِّ عندما قام برزويه بترجمته إلى اللغة الفهلوية وأضاف إليه. وأخيرًا، وصل الكتاب إلى الأدب العربيِّ حينما قام عبد الله بن المقفع بترجمته مضيفًا إليه بدوره.
على مدار الشهر الكريم، تسترجع "البوابة نيوز" ثلاثين حكاية من حكايات "كليلة ودمنة".
في غابة نائية تعيش مجموعة من الحيوانات آكلة اللحوم، يرأسهم ملك الغابة “الأسد” الذي يبسط سلطته عليهم، فلم يكن للحيوانات غير تنفيذ أوامره؛ وذات يوم طلب من الثعلب إحضار ”ابن آوى”، فذهب الثعلب إلى الحكيم “ابن آوى” تنفيذا لأوامر ملكه، وعندما تقابلا دار بينهما حديثا شيقا:
الثعلب: “الملك أرسل في طلبك
ابن آوى: “وماذا يريد ملك الغابة من واحد مثلي
الثعلب: “سمع بحكمتك، نزاهتك، ذكائك، ولا أدري ماذا أيضا، ولكنه يريد لقائك
ابن آوى: “هذا أمر عجيب
الثعلب: “ستأتي معي بإرادتك أم بالإجبار من جنود الملك
ابن آوى: “لا داعي للإجبار، هيا بنا
وحينما وصل الثعلب ومعه الحكيم ملبيا لأوامر سيده، ودخلا عرين الأسد، دار حوار بين الملك والحكيم:
ابن آوى: “السلام على ملك الغابة
الأسد: “أهلا بك يا “ابن آوى” لماذا لا تأكل اللحوم؟، وأنت من نوع آكلات اللحوم
ابن آوى: “رغبتي في عدم إراقة الدم وإزهاق روح بريئة يا سيدي
الأسد: “رغم أنه لأمر غير مألوف عندنا، ولكنه يعبر عن نبل في نفسك يدعو إلى الاحترام، وعلى كل ليس هذا ما طلبتك لأجله لقد طلبتك لأمر أخر
ابن آوى: “شكرا، تحت أمرك سيدي
الأسد: “لقد سمعت بنزاهتك، حكمتك، ذكائك وأردتك لتكون عونا لي
ابن آوى: “إن الملوك جديرون على اختيار أعوانهم، ولكن يفضل ألا يُكره أحدا ليكون عونا لهم
الأسد: “لقد اخترتك وانتهى الأمر.
ابن آوى: “هذا شرف لي، ولكن لا يستطيع خدمة السلطان إلا اثنان منافق متملق ينال مبتغاه بالحيلة والخديعة، ومغفل لا يحسده أحد
الأسد: “والعفيف الصادق؟
ابن آوى: “قلما ينجح في خدمة السلطان، سوف يجتمع عليه الحاقد والحاسد خوفا على منزلتهم، وسوف يتعرض إلى الهلاك
الأسد: ” لقد قررت وانتهى الأمر.
ابن آوى: “إذا كان الأمر هكذا فيجب أن تقطع لي عهدا، بأن تتثبت مما يصلك إذا بغى لديك أحد علي.
اجتمعت الحيوانات للتخلص من “ابن آوى” خوفا على منزلتهم، فقال أحدهم: “يمكننا التخلص منه في حالة الانقضاض عليه وهو نائم، فقال الثعلب ألم تفكر في الأمر، ماذا إذا علم الملك بفعلتنا سوف يلتهمنا كلنا، ولكننا سوف نتخلص منه عن طريق الحيلة، ونجعل الأسد هو من يلتهمه؛ فسمعهم “دمنة” وطلب منهم الانضمام إليهم مقابل الاحتفاظ بأسرارهم، وأن يكون عينهم في الغابة فرفضوا.
قابل “دمنة” في طريقه الحكيم”ابن آوى” وطلب منه أن يعطيه من حكمته، فقال له “ابن آوى”: اذهب إلى الغابة وتأمل نمو النباتات، وتغريد العصافير، وتأمل بكبار وصغار الحيوانات؛ ولكن “دمنة” كل ما يريده هو الانضمام إلى خدمة الملك، فانزعج وأخبر أخاه “كليلة” بما طلبه الحكيم منه، فقال “كليلة” إنه حكيم ونصحك بالصواب ابتعد عن الملك “فالداخل مملكته مقتول والخارج منها مولود.