أطلقت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) مبادرة "يوم المخطوط العربي" عام 2013 ويتبناها وزراء الثقافة العرب، وتم الاتفاق على الرابع من أبريل لمواكبة تاريخ قرار إنشاء معهد المخطوطات العربية.
وفى ضوء هذا يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أهمية مخطوطات مكتبة دير سانت كاترين المكتبة الثانية على مستوى العالم بعد مكتبة الفاتيكان من حيث أهمية مخطوطاتها والتى تبلغ 4500 مخطوط فى موضوعات دينية، تاريخية، جغرافية وفلسفية ويعود أقدمها إلى القرن الرابع الميلادي وبعض هذه المخطوطات كتبت في سيناء وبعضها من فلسطين وسوريا واليونان وإيطاليا، وبعضها يحمل أسماء الناسخين دون الإشارة إلى مكان مثل سليمان الشماس وجورج ونيكولاس في القرن الـ 12 والـ 13 الميلاديين.
وأشار الدكتور ريحان إلى وجود ألف وثيقة في شكل لفائف تحمل تطور الخط العربي الديواني بين القرنين الـ12 و19 الميلاديين، ومن أهم المخطوطات التوراة اليونانية المعروفة باسم (كودكس سيناتيكوس)،وهي نسخة خطية غير تامة من التوراة اليونانية كتبها أسبيوس أسقف قيصرية عام 331م.
تنفيذًا لأمر الإمبراطور قسطنطين، ثم أهداها الإمبراطور جستنيان إلى دير طور سيناء حين بنائه للدير عام 560م، والذي تحول اسمه إلى دير سانت كاترين بعد العثور على رفات القديسة كاترين على أحد جبال سيناء والذى عرف باسمها، واكتشف هذا المخطوط بمكتبة دير سانت كاترين بواسطة تشيندروف (الروسي الجنسية وفي بعض المراجع الألماني الجنسية)، عند زيارته للدير أعوام 1844، و1853، و1859، وبعد الزيارة الأولى عام 1944 أخذ أوراقًا عديدة من المخطوط إلى جامعة ليبزج والجزء الأكبر من الوثيقة حصل عليه تشيندروف في رحلته الأخيرة عام 1859، وهي التي قدمها إلى الإسكندر الثاني قيصر روسيا، وحفظت بمدينة سان بطرسبورج وأعيد نسخها وأرسلت نسخة إلى الدير وفي عام 1933 باعتها الحكومة الروسية للمتحف البريطاني بمبلغ 100 ألف جنيه إسترليني.
وتقدم الدكتور عبد الرحيم ريحان عام 2012 إلى المجلس الأعلى للآثار بمذكرة علمية لطلب عودة المخطوط من المتحف البريطانى مستندًا إلى صك كتابى بخط تشيندروف بتاريخ 16، و28 سبتمبر 1859م محفوظ بمتحف الدير يشير إلى استعارته للمخطوط من الدير لحساب إمبراطور روسيا على أن يعيدها ولم يفى بوعده والمخطوط خاضع للقانون رقم 8 لسنة 2009 الخاص بحماية المخطوطات، ونص المادة الأولى من هذا القانون: يعد مخطوطًا في تطبيق أحكام هذا القانون كل ما دّون بخط اليد قبل عصر الطباعة أيًا كانت هيئته متى كان يشكل إبداعًا فكريًا أو فنيًا أيًا كان نوعه وكذلك كل أصل لكتاب لم يتم نشره أو نسخة نادرة من كتاب نفدت طباعته إذا كان له من القيمة الفكرية أو الفنية ما ترى الهيئة (الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية) أن في حمايته مصلحة قومية وأعلنت ذوي الشأن به".
وتابع الدكتور ريحان بأن المكتبة تتضمن مخطوط الإنجيل السرياني المعروف باسم (بالمبسست) وهي نسخة خطية غير تامة من الإنجيل باللغة السريانية مكتوبة على رق غزال، قيل هي أقدم نسخة معروفة للإنجيل باللغة السريانية وكذلك (العهدة النبوية)، وهو كتاب العهد الذي كتب للدير في عهد نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام وهو العهد الذي يؤمّن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب على أموالهم وأنفسهم وممتلكاتهم، فى العهد النبوية الموجود أصلها فى تركيا وصور منها معتمدة بمكتبة دير سانت كاترين بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عام 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صور معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها إلى التركية وتقدم الدكتور عبد الرحيم ريحان عام 2012 إلى المجلس الأعلى للآثار بمذكرة علمية لطلب عودة المخطوط من تركيا، وتقر العهدة بتحريم الإسلام لاستخدم أحجار الكنائس فى بناء المساجد والمحافظة على الكنائس كما هى بل والمساهمة فى عمليات ترميم الكنائس والمحافظة على حرية الشعائر للجميع وبالتالى الحفاظ على مقدساتهم.
وعن سبب كتابة هذا العهد بخط على بن أبى طالب بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم قبل دخول الإسلام إلى مصر يوضح الدكتور ريحان أن النبى محمد (صلّى الله عليه وسلم) أرسل كتبه إلى الملوك والأمراء مثل كسرى وقيصر والمقوقس نائب الرومان فى مصر يدعوهم إلى الإسلام، وأن المقوقس أكرم مندوب النبى وزوده بالهدايا إلى النبى وليس لمندوب النبى طريق مختصر إلى مصر سوى طريق سيناء المار بالدير فمن المعقول جدًا أن يكون المندوب قد مرّ بدير سيناء ذهابًا وإيابًا وأن رهبان سيناء قد احتاطوا لأنفسهم وأرسلوا معه وفدًا يطلع النبى على حال ديرهم ويطلب منه العهد تأمينًا للطريق وصيانة لديرهم ومصالحهم وبناءً عليه أعطاهم هذا العهد وقد شهد صحابة رسول الله على صحة العهد والموجودة أسماءهم فى نهاية العهدة ومنهم الخلفاء الراشدون، كما تحوي المكتبة عددًا من مخطوطات الفرمانات من الخلفاء المسلمين لتأمين أهل الكتاب.
وأكد الدكتور ريحان أن دراسة مخطوطات دير سانت كاترين بدأت عام 1950م حين قامت بعثة علمية مشتركة من كلية الآداب بالإسكندرية ومكتبة الكونجرس الأمريكية بتصوير أهم المخطوطات والوثائق، وكان على رأس هذه البعثة الدكتور عبد الحميد العبادى أول عميد لآداب الإسكندرية والدكتور عزيز سوريال عطية وقامت البعثة بعمل صور ميكروفيلم لأهم هذه الأيقونات.
إنه في عام 1963 قامت بعثة جامعة الإسكندرية وعلى رأسها الدكتور أحمد فكري واشترك فيها الدكتور جوزيف نسيم يوسف الذي زار سيناء مرتين آواخر عام 1963 وأثمرت هذه البعثات عن دراسات وبحوث نشرت بالمجلات العلمية ومن هؤلاء الباحثين كورت فايتزمان وجورج فورسايث وعزيز سوريال عطية الذي قام بعمل فهارس كاملة مع دراسة تحليلية للمخطوطات العربية بالدير، وتم تصوير مليون ورقة مأخوذة من 5 آلاف مخطوط ووثيقة مكتوبة بـ 12 لغة، وقد احتفظت كلية الآداب بجامعة الإسكندرية ومكتبة الكونجرس بواشنطن بنسخ من صور الميكروفيلم.
ونوه الدكتور ريحان إلى أن وزارة السياحة والآثار قامت بعمل ترميم وتطوير للجزء الشرقي من المكتبة وافتتح الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار في ديسمبر 2017 المرحلة الأولى من التطوير ويجرى تنفيذ المرحلة الثانية.
وطالب بحسن الاستفادة من المكتبة بعد تطويرها بتوقيع بروتوكول تعاون بين وزارة السياحة والآثار ومكتبة الإسكندرية في مشروع قومي لرقمنة مخطوطات المكتبة لإتاحتها للباحثين لما تملكه مكتبة الإسكندرية من تقنية عالية في هذا المجال على أن تبدأ بالمخطوطات باللغة العربية تليها باقي المخطوطات، وعقب ذلك يضمها موقع إلكتروني خاص بعد رقمنتها وإتاحتها لكل الباحثين خاصة مع قلة الدراسات باللغة العربية لمخطوطات مكتبة دير سانت كاترين منذ عام 1959 لصعوبة الإطلاع عليها مما حرم المكتبة العربية من دراسات مهمة تؤكد قيم التعايش الحضاري بين الأديان والحضارات والعلاقات الحضارية والثقافية بين مصر وكافة دول العالم.
وأوضح أن المخطوطات العربية بالدير تضم مخطوطات مسيحية وإسلامية كتبت باللغة العربية، وأهم ما يلفت النظر في معظم المخطوطات المسيحية التي كتبت باللغة العربية هو وجود التأثيرات العربية الإسلامية فيها وذلك بعد أن أصبحت سيناء وديرها وآثارها تابعة للسيادة العربية الإسلامية حيث نجد أن كثيرًا من المخطوطات العربية المسيحية تستهل بالبسملة وتختتم بالحمد لله وتؤرخ بالتقويم الهجري والأمثلة على ذلك كثيرة إذ تبدأ أسفار الكتاب المقدس عند المسيحيين في كثير من المخطوطات كالآتى (بسم الله الرحمن الرحيم نبتدى بعون الله ونكتب أول سفر)، كما ازدانت كثير من تلك المخطوطات وأغلفتها بنقوش ورسوم وزخارف على هيئة طيور وأزهار وتوريقات نباتية وإطارات على النسق العربي.