أغلق مجلس النواب الليبي، ومقره طبرق شرق البلاد، صفحة حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، وذلك بعد فشل الحكومة في إجراء انتخابات رئاسية، وأصدر المجلس قراره بتكليف وزير داخلية حكومة الوفاق السابقة فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة.
ويزداد المشهد الليبي تعقيدًا، بعد تبيان المواقف المحلية تجاه "باشاغا" وخاصة تصعيد جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان التي تطمح للاستمرار في السيطرة على مفاصل الدولة، حيث خلقت شرخًا في المجلس الأعلى للدولة.
انقسامات مجلس الدولة
واستكمالا للعبة المتاهات، فإن مجموعة مكونة من 54 عضوا بمجلس الدولة، أصدرت بيانا يرفض تكليف البرلمان لرئيس حكومة جديد، لكنها لم تر مانعًا من الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية تكون قبل شهر يوليو المقبل، ويقع على البرلمان الجديد استكمال المسار الدستوري وتكليف حكومة وتوحيد المؤسسات.
ويرى مراقبون أن بيان مجموعة الـ54 التابعة للجماعات الإسلامية، استهدف ضرب بيان مجموعة أكبر أعلنت ترحيبها بتكليف البرلمان، وهو البيان الذي وقعه 75 عضوا بالمجلس لدعم تكليف باشاغا، معتبرين أن التكليف جاء وفق تفاهمات بين المجلسين، وأن الاختيار موافق للاتفاق السياسي والإعلان الدستوري.
فيما يراوغ الإخواني خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى الدولة، الذي لم يعترض على تكليف رئيس حكومة جديد، لكنه فضل نقد الخطوة التي جاء بها التكليف، مع التشكيك في استمرار علاقة التوافق بين مجلسه والبرلمان، حيث أعلن أن صدور قرار التكليف قبل اجتماع أعضاء مجلس الدولة للبت في التكليف "خطوة غير سليمة"، وأنها تضرب بنيان الثقة بين المجلسين.
لغة الميليشيات تفصح عن نفسها
وبعد رفض عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة المؤقتة، قرار البرلمان بتكليف فتحي باشاغا بدلا منه، احتشد عدد من المسلحين الموالين له في العاصمة الليبية طرابلس لإعلان رفض قرار البرلمان.
واجتمعت مبعوثة الأمم المتحدة ستيفاني ويليامز مع الدبيبة من أجل الوساطة، حيث أكدت على ضرورة عمل جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات ضمن الإطار السياسي، مع ضرورة الحفاظ على الهدوء على الأرض من أجل وحدة واستقرار ليبيا.
أسئلة حول تكليف "باشاغا"
وتثير خطوة اختيار "باشاغا" العديد من التساؤلات حول شخصية وزير داخلية حكومة الوفاق الوطني التي قادها فايز السراج، والمعروفة بميولها للميليشيات الإخوانية وفتحها الطريق أمام التدخل العسكري التركي في الأراضي الليبية.
وفي نفس الوقت فإن الأعضاء المتحكمة في مجلس الدولة والتابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي تعرقل الذهاب لتمكين فتحي باشاغا من المنصب الجديد.
هذه التكتلات التي وقفت خلف الرجل في السابق ثم الانسحاب من خلفه حاليًا أوحى للكثيرين بأن "باشاغا" الذي أعلن ترشحه لرئاسة ليبيا قبل فشل إجراء الانتخابات في ديسمبر الماضي، قد أعاد بناء علاقاته مع الأطراف الليبية مجددا.
واستعاد بعض متابعي الشأن الليبي بيانات "باشاغا" القديمة التي أعلن فيها مرارا أنه لا ينتمي لجماعة الإخوان الإرهابية، وعمل على انتزاع حقول نفطية من تحت سيطرة الجماعات الإرهابية في الغرب الليبي.
تحالفات فتحي باشاغا
وقال الدكتور إدريس أحمد، رئيس التجمع الوطني الليبي للمصالحة، إنه ينتظر الأيام المقبلة ليرى كيف ستتعامل القوى الفاعلة في غرب ليبيا مع قرار البرلمان الليبي باختيار وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيسا للحكومة الجديدة بدلا من عبدالحميد الدبيبة، حيث ستكون حكومته في طرابلس وإلا فستكون حكومة ثانية.
ورجح "أحمد" في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن تتجه الأمور للتسوية والتراضي في المنطقة الغربية، بدلا من اضطرار الحكومة الجديدة للبحث عن مقر بديل لها.
وفي الوقت نفسه فإن "باشاغا" لا يرغب في حكومة لا تنتزع السيطرة الكاملة، معولا على الدعم الدولي ومرونة الأطراف الأخرى في إقرار حكومته خاصة أنه من نفس مدينة "مصراتة" التي ينتمي إليها "الدبيبة"، وكلا الطرفين لديه أطراف مسلحة موالية.
وحول ميول "باشاغا" لجماعة الإخوان الإرهابية وما يثار حول علاقات وزير الداخلية السابق بتركيا، قال "أحمد": لا أدري هل هو ينتمى لأحزاب الإخوان أم لا، ومع هذا فالجماعة في ليبيا لها أحزاب عدة تحمل نفس التوجه، خاصة بعدما تفككت إلى أكثر من حزب سياسي وحصلت على تراخيص بحكم قانون الأحزاب في ليبيا.
وأضاف الأكاديمي والسياسي الليبي: أن "باشاغا" حاول بناء علاقته مع مصر مؤخرا، خاصة أنه أعلن مرارا في أكثر من مناسبة عندما كان وزيرا للداخلية، أنه لا ينتمى للإخوان؛ ورغم ذلك فهو الآن مدعوم منهم، وهذا الاختيار أعطى انطباعًا لدى الشارع الليبي أنه تحالف جديد مع عقيلة صالح رئيس البرلمان، ومع مجلس الدولة أيضا، وغيره من القوى.
وتابع: "أعتقد أنه ابتعد الآن عن محور تركيا واقترب كثيرًا من محور مصر، خاصة أن بعض المصادر تقول إن رؤى الحكومة التي سيقودها "باشاغا" ستكون متوافقة مع مصر وفرنسا والإمارات".
واستكمل "أحمد" أن ما يحدث ما هي إلا اصطفافات تجري دائما عند قرب أي مراحل انتخابية في أي دولة من دول العالم، خاصة الدول ذات الأنظمة الهشة مثل ليبيا التي تعاني معاناة كبيرة على الصعيد السياسي.
وتوقعت وسائل إعلام محلية، في ديسمبر الماضي، بعد تعثر إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد أن يتوجه "باشاغا" الذي رشح نفسه لخوض الانتخابات، إلى زيارة مصر لإجراء بعض المشاورات حول المرحلة المقبلة في ليبيا، خاصة أن "باشاغا" أرسل رسائل إيجابية إلى القاهرة حول الحفاظ على كل الاتفاقيات التي وقعتها مصر مع حكومة الوحدة الوطنية.
وزير داخلية حكومة الوفاق
وشغل فتحي باشاغا، عام 2018، منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني التي كان يقودها فايز السراج، ثم وقع خلاف مع رئيس الحكومة بعد مطالبة بإجراء تحقيقات مع وزير الداخلية بخصوص إطلاق نار على متظاهرين في العاصمة الليبية طرابلس، وتم إيقافه عن العمل في العام 2020 قبل العودة مرة أخرى.
يشار إلى أن باشاغا من مواليد مصراته، وتخرج في الكلية الجوية، وعمل بالسلاح الجوي إلى أن استقال ليتجه إلى مجال الأعمال الحرة، ليعود إلى المشهد مجددا بعد انطلاق الثورة الليبية، ليشارك مجددا في المجالس العسكرية بمصراته ثم مجلس النواب الذي انسحب منه في العام 2014 وسط مقاطعة بعض نواب مصراتة للمجلس.