حلت الثلاثاء ذكرى وفاة المفكر الإسلامي السوداني محمود محمد طه أحد وأهم المفكرين الإسلاميين العرب، أحد مؤسسي الحزب الجمهوري السوداني عام 1945م، كحزب يدعو لإستقلال السودان والنظام الجمهوري، الذي أعلن عن مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية التي أُطلق عليها "بالفكرة الجمهورية"، الذي عُرف بين أتباعه ومحبيه بلقب "الأستاذ "، وما زال الحزب الجمهوري السوداني ينشر فكره.
ولد محمود محمد طه في مدينة رفاعة بوسط السودان في العام 1909م، لوالد تعود جذوره إلى شمال السودان، وأم من رفاعة، حيث يعود نسبه إلى قبيلة الركابية من فرع الركابية البليلاب المنتسبين إلى الشيخ المتصوف حسن ود بليل من كبار متصوفة السودان.
بدأ طه تعليمه بالدراسة بالخلوة، وهي ضرب من التعليم الأهلي، حيث يدرس الأطفال شيئا من القرآن، ويتعلمون بعضًا من قواعد اللغة العربية، غير أن عمته كانت حريصة على الحاقه وإخوانه بالمدارس النظامية، فتلقى تعليمه الأوّلى والمتوسط برفاعة، ثم انتقل الي الخرطوم والتحق بكلية غردون التذكارية السودانية ودرس هندسة المساحة عام 1932، وتخرج منها وعمل مهندساً في السكة الحديدية، عام 1936 وظهر اهتمامه بالشؤون الإسلامية، عام 1945 قرر مع عدد من أصحابه تأسيس الحزب الجمهوري السوداني، في 26 أكتوبر، وهو من أوائل الأحزاب السودانية التي نادت باستقلال السودان وتحوّله إلى دولة جمهورية.
لم يكن الحزب الجمهوري حزباً سياسياً فحسب، بل كان أشبه بالجماعة التي يتجمع فيها تلامذة محمود طه والمؤمنون بأفكاره التي كانوا يرونها ثورة في الفكر الإسلامي، وأطلقوا عليها اسم "الفكرة الجمهورية" واعتبرها الجمهورون رؤية مختلفة تماماً للدين الإسلامي، أما خارج جماعتهم، فقد رأى البعض أنها تمثل تجديداً حقيقياً في الدين الإسلامي، فيما اعتبر آخرون أنها تشويه متعمد للإسلام، ومحاولة للتغيير فيه وفقاً لآراء طه ومعتقداته الشخصية.
ويؤمن طه بأن الإسلام الحقيقي هو الإسلام المكي الذي يعتبر أصل الدين والمليء بآيات الرحمة والتسامح وهو الرسالة الأولى للإسلام، في حين أن الإسلام المدني أو إسلام المدينة هو فرع في الدين نزل على الرسول ليحكم من خلاله في الزمن الذي كان يعيش فيه، وانتهى هذا الإسلام بانتهاء عصر الرسول وانتهت معه آيات الجهاد والسبي والميراث والتمييز بين الرجل والمرأة والحدود.
تم استدعاء طه ليمثل أمام السلطات بعد تصعيده للمعارضة لقانون منع الخفاض الفرعوني، الذي أصدره المجلس الاستشاري لشمال السودان، وانتشار المنشورات المعارضة للقانون بإمضاءات الجمهوريين، ثم تم سجنه في شهر يونيو من عام 1946 لأنه رفض أن يوقع تعهداً بحسن السلوك والإقلاع عن التحدث في السياسة لمدة عام، قررت السلطات أن يقضي عاما في السجن على أن يتم الإفراج عنه متى ما أمضى على التعهد، لم يقض العام المقرر له ولم يمض التعهد ونسبة لمقاومته لقوانين السجن من داخل السجن ولمقاومة الأخوان الجمهوريين من خارج السجن فقد خرج بعد خمسين يوماً بصدور عفو شامل عنه من الحاكم العام البريطاني وبذلك يعتبر طه أول سجين سياسي في الحركة الوطنية التي تمخضت عن مؤتمر الخريجين العام سنة 1938م، من الشائع الإشارة إلى محمود بوصفه أول سجين سياسي في السودان.
قاد طه حركة احتجاجية في رفاعة في سبتمبر 1946م احتجاجا على اعتقال السلطات لإمرأة أجرت الختان الفرعوني على طفلتها. وقد حشد محمود الناس بعد أن خطب فيهم لصلاة الجمعة ودعاهم للجهاد وخوفهم من تركه حيث قال:
"ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي والزوايا أيها الناس.. وإنما هو وقت الجهاد، فمن قصر عن الجهاد، وهو قادر عليه، ألبسه الله ثوب الذل، وغضب عليه ولعنه.."، فاعتقلته السلطات وحُكم عليه بالسجن لعامين.
بني طه فكرته على اساس صوفي، كما عارضه الكثير من معارض افكار الصوفي واتهموه بالغلو في التصوف والردة في اتهامات عديدة ومنها :" إتهامه بإدعاء الألوهية، وإتهامه بإدعاء انه النبي الثاني للإسلام، وإتهامه بإنكار المعلوم من الدين بالضرورة: كالزكاة والجهاد والطلاق وصلاحية الشريعة للقرن العشرين واستدامة عذاب النار، وإتهامه بسوء الأدب مع الله".
كما له العديد من المؤلفات ومنها:"الرسالة الثانية من الإسلام، ورسالة الصلاة، وطريق محمد، ومشكلة الشرق الأوسط، والتحدى الذي يواجه العرب، وتطوير شريعة الأحوال الشخصية، ولا إله إلا الله، ومن دقائق حقائق الدين، وزعيم جبهة الميثاق في ميزان:" الثقافة الغربية، الإسلام"، والقرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى".
أُعدم المفكر الإسلامي السوداني محمود محمد طه في 18 يناير 1985،بعد صدور حكم قضائي بردته عن الإسلام ورفضه كل المحاولات التي جرت معه لثنيه عن تلك الأفكار التي رآها القضاء السوداني منافية للدين الإسلامي ولا تمت له بأية صلة بل تسيء إليه.