خطط واقعية يتم تنفيذها على أرض الواقع لمحاربة الأدوية البيطرية المغشوشة، وذلك ضمن اهتمام رئاسي كبير بتوطين صناعة اللقاحات والأمصال البيطرية، حيث وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بالبدء الفوري في توطين تلك الصناعة، في إطار استراتيجية الدولة لتوفير الحماية المستمرة للثروة الحيوانية من الأمراض الوبائية، وامتلاك القدرة في هذا المجال والعمل على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وبجانب تأكيد وتوجيه الرئيس بالتوسع في دعم الثروة الحيوانية، فقد جاء ذلك على هامش افتتاح الرئيس العديد من المشروعات ضمن فعاليات «أسبوع الصعيد».
ويتسبب تناول لحوم ونباتات غير طبيعية مهجنة وملقحة ومطعمة بعلاجات وعقاقير فاسدة، في كثير من الأمراض التي تصيب البشر، فمن المعتاد أن تسبب بكتيريا أو فيروس خلالا في الجسم ويتم علاجه، لكن الغريب أن تظهر على الجسم أعراض لمرض لم تسببه أي كائنات دقيقة ويصعب تحديد سببه فيصبح علاجه صعبا، وهذا ما يحدث عندما يكون لمسببات المرض علاقة بالنظام البيئي للإنسان المتمثل في طبيعة غذائه وأنماط معيشته.
ومن هنا تبرز خطورة الأدوية البيطرية المغشوشة والتي ازداد انتشارها في مصر مؤخرا بشكل يدفع لدق ناقوس الخطر ما كان سببا رئيسيا أمام «البوابة نيوز» لفتح تحقيق حول هذه الظاهرة، والتواصل مع عدد من المسئولين والخبراء للوقوف على أدق أسباب الظاهرة والتعرف من خلالهم على أقصر الطرق للسيطرة عليها، وكبح جماحها في أقرب وقت ممكن.
بدأت المؤشرات التي تؤكد زيادة العقاقير البيطرية الفاسدة بمجموعة من الأحداث ازداد تكرارها في الفترة الأخيرة كان أبرزها ضبط الإدارة العامة لشرطة المسطحات في القليوبية، لمصنع عشوائي وغير مرخص داخل مزرعة دواجن في مدينة قليوب يقوم بإعادة تعبئة وتداول المبيدات الحشرية والعقاقير البيطرية منتهية الصلاحية، وقد عثر بالمصنع على 95 ألفا و387 عبوة مختلفة الأحجام والأنواع لمخصبات زراعية مغشوشة ومقلدة وبدون بيانات، بجانب 81 ألفا و836 عبوة مختلفة الأحجام والأنواع لعقاقير وأدوية بيطرية مغشوشة ومقلدة ومصنعة من مواد مجهولة المصدر وبدون ترخيص، وأيضًا 15 ألفا و466 عبوة مختلفة الأحجام والأنواع لمبيدات حشرية منتهية الصلاحية معدة لإعادة التدوير، بالإضافة إلى خط إنتاج يدوى لتعبئة وتداول العقاقير البيطرية والمبيدات الحشرية عبارة عن ماكينات خلط وتعبئة ولحام وتغليف وكمية كبيرة من العبوات الفارغة والملصقات المنسوبة لإحدى شركات الكيماويات وعدد من الأدوات والمعدات، وتم تحرير المحضر اللازم حيث تولت النيابة التحقيق.
حملات تفتيش
في سياق متصل، شنت الهيئة العامة لخدمات الطب البيطري التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، حملات موسعة على مراكز بيع وتداول الأدوية البيطرية بمختلف المحافظات لكشف مخالفات تتعلق بتسجيل الأدوية البيطرية أو تداول أدوية محظورة أو تم إنتاجها بطريقة مخالفة للمواصفات القياسية المصرية، واتخاذ كل الإجراءات القانونية نحو إغلاقها أو تقنين أوضاعها وفقًا للاشتراطات التي تحددها الجهات المختصة.
قامت الحملة بالمرور والتفتيش على 266 مركزًا لبيع وتداول الأدوية واللقاحات في المحافظات خلال شهر نوفمبر وتم رصد 117 مركزًا مخالفًا ما بين العمل بدون ترخيص ووجود أدوية منتهية الصلاحية وأخرى محظورة أو مجهولة المصدر وتم عمل المحاضر اللازمة بالمخالفات.
وتعليقا على نتائج الحملات والمضبوطات قال الدكتور يوسف العبد، رئيس لجنة الأدوية البيطرية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن الأدوية البيطرية تنقسم إلى 4 أنواع؛ الأمصال واللقاحات البيطرية، وهذه تسجل في الهيئة العامة للخدمات البيطرية وإضافات الأعلاف، وهذه تسجل في قطاع الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة، والأدوية البيطرية المسجلة في الهيئة العليا للدواء، وأخيرا المبيدات والمطهرات الحشرية مشيرا إلى هناك تعدد لجهات التسجيل وتعدد في جهات التفتيش والرقابة.
وأوضح رئيس لجنة الأدوية البيطرية بالاتحاد العام للغرف التجارية، في تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن الفترة الأخيرة شهدت عدة أزمات في الثروة الحيوانية مؤكدًا أن انتشار الأمراض والأوبئة يرجع إلى زيادة معدل انتشار الأدوية البيطرية المغشوشة في السوق خاصة أن تلك الأدوية لا أحد يعلم مصدرها.
وتابع «العبد»، أن عدم وجود رقابة كافية وإهدار دور الطبيب البيطري وعدم وجود صلاحيات له إلى جانب غياب الدور الرقابي للطبيب يعد سببا رئيسيا في انتشار تلك الأدوية وزيادة معدلها وتراجع الثروة الحيوانية.
وأكد، أن الهيئة العامة للخدمات البيطرية ومديريات الطب البيطري مسئولة بشكل كبير عما يحدث من تلاعب في الأدوية البيطرية.
ونصح رئيس لجنة الأدوية البيطرية بالاتحاد العام للغرف التجارية، بضرورة أن يكون هناك رقابة بشكل أكبر من قبل القطاعات المنوطة بالمراقبة على الأدوية البيطرية إلى جانب تشديد الرقابة وعدم السماح لأي مكان غير مرخص بتداول أو بيع تلك الأدوية للمحافظة على الثروة الحيوانية خاصة أن تلك الأدوية لا تؤثر على صحة الحيوان فقط.
وأشار العبد، إلى أن حجم الاستثمارات في الأدوات البيطرية والأعلاف أكثر من 70 مليار جنيه، وهذا رقم كبير، ويدل على أن الأعلاف والأدوية البيطرية لها تأثير كبير جدًا في الاقتصاد يجب أن نهتم بها وأن يكون هناك رقابة شديدة عليها، موضحا أن هناك 4 مصانع محلية للأمصال واللقاحات ما بين شركات وطنية وشركات حكومية إلى جانب وجود أكثر من 250 مصنعا للأعلاف في مصر، و15 مصنعا للأدوية البيطرية المسجلة في وزارة الصحة الهيئة العليا للدواء قطاع الأدوية البيطرية يعمل به أكثر من 30 ألف طبيب بيطري، وهناك أعداد مضاعفة من خارج قطاع الأطباء البيطري والعيادات البيطرية المرخصة على مستوى الجمهورية لا تتخطي الـ10 آلاف مركز، وهناك أضعافها ما بين 20 إلى 25 ألف مركز غير مرخص يعملون في الخفاء، موضحًا أن تلك المراكز تقوم بالمتاجرة في الأدوية البيطرية المغشوشة المنتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر.
وعن الجهة المنوطة بضبط المراكز والعيادات المخالفة التي تقوم بالمتاجرة في تلك الأدوية، قال «العبد» إن قطاع الأدوية البيطرية يتم التفتيش عليه من أكثر من جهة أولًا قطاع الهيئة العامة للخدمات البيطرية بالإضافة إلى قطاع وزارة التموين وشرطة المسطحات المائية والتفتيش الصيدلي في حالة وجود أدوية بيطرية مسجلة في الهيئة العليا للدواء.
تهديد للثروة الحيوانية
ويقول «حسين شكري»، صاحب مزرعة حيوانات، إن انتشار الأدوية غير الصالحة سبب رئيسي في تدمير الثروة الحيوانية، موضحًا أن الحيوانات التي توجد في الوقت الحالي انخفض إنتاجها إلى النصف بسبب الأدوية غير الموثوق فيها والتي تؤثر بالسلب على صحة الحيوان مما يجعلها تؤثر على صحة الإنسان بعد تناولها.
وتابع شكري لـ«البوابة»، أن السبب في زيادة الأدوية المغشوشة يرجع إلى انتشار المحلات والأكشاك ويسمون أنفسهم عيادات بيطرية إلى جانب أن تلك الأدوية لا تُصنع في المصانع بل تصنع يدويًا بواسطة الأطباء البيطريين.
وأضاف، أن هناك جزءا من المربين والفلاحين يعالجون مواشيهم من الأمراض الشائعة لجعلها تنمو بشكل أكبر وأسرع، لكن هذه الأدوية لا تخلو من عواقب العقاقير البيطرية التي تؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان.
وأوضح أن الإفراط في استخدام هذه الأدوية لم يؤد إلى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية فحسب، بل أدى أيضًا إلى ظهور بقايا المضادات الحيوية في منتجات اللحوم، والتي يمكن أن تسبب اضطرابًا في النظم الهرمونية وآثارًا ضارة أخرى.
وطالب «شكري»، وزارة الزراعة بالاهتمام بالثروة الحيوانية أكثر من ذلك لأن النهوض بها سيصب في مصلحة الجميع ويزيد من الثروة الحيوانية المحلية ويقلل من فاتورة الاستيراد.
حملات توعية
وبالعودة للدكتور يوسف العبد، مقرر لجنة الأدوية البيطرية بالاتحاد العام للغرف التجارية، يوضح أن اللجنة أطلقت حملة توعية بالأضرار الناتجة من استخدام الأدوية البيطرية المغشوشة، وخطورة تأثيرها على الثروة الحيوانية، وتسببها في نفوق كثير من الحيوانات وعدم جدواها، مشيرا إلى أن هذه الأدوية تتسبب في زيادة المرض، وانتقال الأمراض المشتركة بين الحيوان والإنسان للإنسان.
وأكد العبد، أن اللجنة أطلقت تلك الحملة، بعنوان "دواء سليم.. ثروة حيوانية آمنة.. غذاء مفيد"، لتشجيع صناعة الأدوية البيطرية الوطنية، وتسهيل الاستثمار فيها، والتحذير من استخدام أدوية مجهولة المصدر، بمشاركة مجتمعية وإعلامية وبإشراف الأطباء البيطريين المتخصصين.
ودعا دكتور يوسف العبد رئيس اللجنة، كل المستثمرين والإعلاميين والأطباء، بالمشاركة والتوعية في هذه المبادرة المهمة، حفاظًا على الصحة العامة وحماية صحة المصريين والصناعة الوطنية، والاستثمارات التي تقدر بمليارات الجنيهات.
غلاء الأسعار
من جانبه، أوضح المهندس أحمد النشار، مدير مبيعات بإحدى شركات الأدوية البيطرية، طبيعة الأدوية المغشوشة، أن الأدوية المغشوشة منها من يصنع تحت بير السلم، ومنها من يأتي عن طريق التهريب من الخارج، هذا بخلاف اللقاحات التي تأتي مستوردة من الخارج.
وتابع «النشار» في تصريحات لـ«البوابة»، أن هناك تأثيرات سلبية عديدة تصيب الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية بسبب تلك الأدوية، مؤكدا أن ضرر تلك الأدوية أكثر بكثير من نفعها.
وأوضح أن هناك أدوية بيطرية أسعارها مبالغ والحل هو توفير تلك السلع بأسعار مناسبة.
تشديد الرقابة
يقول الدكتور محمد سيف، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء البيطريين، إن أي منتج تصنيعي سواء أدوية أو غير أدوية، يسعى البعض بطرق غير شرعية لتقليد العلامة التجارية له، موضحا أن هذه هي الخطورة، موضحا أن الفترة الماضية شهدت تطورات عديدة فيما يخص الأدوية المهربة والمضروبة والمغشوشة.
وأضاف عضو مجلس النقابة العامة للأطباء البيطريين، لـ«البوابة»، أن استعمال أي منتج مجهول المصدر وغير معلوم منشأه أو تفاصيل إنتاجه غالبًا يكون منتجا معيبا، وبالتالي يشكل خطورة على المستخدم له وفي حالة الأدوية وباعتبار أنها في الأصل منتجات علاجية فهذا معناه أنها لن تعطي التأثير العلاجي المنوط بها، وتحدث خسائر اقتصادية تتمثل في فقدان الحيوانات والطيور التي يتم معالجتها بها وتؤدي أيضا لخسائر اقتصادية للشركات الأصلية صاحبة المنتج الأصلي نتيجة تأثر سمعة منتجاتها بتلك المصنعة بمسار غير سليم سواء تقليدًا أو تحت السلم.
وطالب «سيف»، بالتشديد على محاربة دخلاء مهنة الطب البيطري لأنهم سبب رئيسي في تداول مثل تلك المنتجات رغبة منهم في الربح السريع غير القانوني دون اهتمام منهم لتطبيق معايير التشخيص واقتراح العلاجات السليمة إلى جانب تشديد الرقابة على مصادر تصنيع وتوزيع مثل تلك المنتجات غير السليمة لحماية الثروة الحيوانية ولحماية الطبيب البيطري أيضا وسمعته التي تتأثر سلبا حين يصف أو يستعمل تلك المنتجات دون معرفة منه أن هذه المنتجات ليست أصلية ولكنها مغشوشة.