الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

«ترندات محفوظ».. شخصيات روايات أديب نوبل تتصدر مواقع التواصل

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يزال الروائى العظيم نجيب محفوظ، يتصدر من وقت لآخر، الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعى. إمّا عن طريق لقطات وتعليقات ساخرة، أو نشر مقطع ما من إحدى رواياته، أو تشبيه إحدى الشخصيات البارزة فى أحد الأحداث الجارية بواحد من شخصيات رواياته.
فى السطور القادمة، نستعرض بعض الشخصيات من عالم نجيب محفوظ الروائى، والتى مازالت مؤثرة، وكانت فى وقتها «ترند» -بلغة «السوشيال ميديا»- يتحدث عنهم الجميع، ولا يزالون هكذا حتى الآن.


رءوف علوان.. مثال الانتهازى
تظّل شخصية الصحفى «رءوف علوان» فى رواية محفوظ «اللص والكلاب»، الصادرة عام ١٩٦١- والتى تحولت بعدها بعام إلى الفيلم الشهير الذى أخرجه كمال الشيخ، وأدى فيه دوره ببراعة الفنان الراحل كمال الشناوي- مثالًا واضحًا ضربه نجيب محفوظ للانتهازية عبر العصور، والمُتاجرة بكل شيء فى سبيل الوصول إلى المنصب والثراء.
كان رءوف علوان رغم بدايته الثورية محررًا بمجلة النذير، مجلة منزوية فى شارع محمد على، والتى كانت صوتًا مدويًا للحرية، وكان هو بدوره صاحب شعارات زاعقة ومراهقة ملأ بها عقل سعيد مهران، فكان يراه الحماس الباهر الممثل فى صورة طالب ريفى رث الثياب كبير القلب، والقلم الصادق، إلا أن «علوان» فى حقيقته كان ينتظر الفرصة التى يتحرر فيها من كل قيمه التى طالما أملاها على عقله، ليخرج الأخير من السجن مُعتقدًا أنه سيرى أستاذه ورفيقه الثورى، الذى يُشهر سيفه من أجل حرية، فصُدم بأنه باعها لمن منحوه قصرًا ذا حديقة على النيل، مع سيارة فاخرة وخدم كثير.
برع «محفوظ» وهو ينقل لقارئه تدرج «علوان» فى انحطاطه سريعًا، لينتقل فى بضع سنوات من تلك الجريدة شبه معدومة الموارد إلى مركز صحفى مرموق فى جريدة كبرى، ويُبرر هذا لـ«سعيد» بأنه من عرقه، مُتناسيًا مبدأ المسدس والكتاب الذى علّمه له، وكانا عمادًا فكره القديم، والذى شجّع به «سعيد» على سرقة الأثرياء الذى صار منهم «هل امتدت يدك إلى السرقة حقًا؟ برافو، كى يتخفف المغتصبون من بعض ذنبهم، إنه عمل مشروع»؛ فظهرت لدى المجرم حقيقة «علوان» الذى فاق الجميع فى لصوصيته، وهو الذى حوّل السرقة قديمًا إلى فعل بطولى جدير بالاحترام «أليس عدلًا أن ما يؤخذ بالسرقة فبالسرقة يجب أن يُسترد؟».
كذلك لم يكن يُبالى بتصديق أحد لكذبه المفضوح حول العمل الشريف الذى لم يكن سوى انتهازية ووصولية من أجل الوصول إلى قمة المجتمع الذى كان ناقمًا عليه منذ طفولته، والذى ساهم فى بؤسه عبّر عنه يومًا بقوله «إنى أتعلم بعيدًا عن أهلى وأكابد كل يوم جوعًا وحرمانًا"؛ ما جعله ينتهز الظروف السياسية الجديدة، ويتحول إلى قلم برجوازى مأجور، وتنكر سريعًا لأصوله الكادحة، ولطبقته التى تظاهر فى البداية بالدفاع عنها، بينما كانت عيناه طيلة الوقت نصب حياة الارستقراطية.
كان «علوان» بأخلاقه المنعدمة أول من تنصل من «مهران» بعد أن انتشرت قضيته، بل وانتهز الفرصة ليرفع اسمه أكثر ويكتسب بطولة زائفة كحام للمجتمع، فصار الصوت الأعلى فى التشهير به والتنديد بأفعاله، ليُصبح المجرم الشهير وصديقه القديم أبرز ضحاياه، ويُصبح الواقف أمامه بعد خروجه من السجن شخص آخر غير من تركه فى الماضى، هذا هو «رءوف علوان»، الحقيقة العارية، جثة عفنة لا يواريها التراب. أما الآخر فقد مضى.. كحب نبوية أو كولاء عليش، وبالنسبة إليه فإن الصحفى الذى لم يجد فرصة ليعلو إلا وقد استغلها من أجل طموحه غير المحدود، ليس سوى مثال لمن كان يُشجعه على سرقتهم فى الماضى.


سى السيد وأمينة.. أشهر ثنائى فى الأدب


من أبرز الشخصيات الأدبية فى عالم نجيب محفوظ الروائى، الثنائى الشهر «السيد أحمد عبدالجواد»، وزوجته «أمينة» التى كانت دومًا تُناديه بـ«سى السيد». كلاهما ترك بصمة فى حياة المصريين منذ ظهور الثلاثية «قصر الشوق، بين القصرين، السكرية». حيث الزوج الصارم اللعوب فى الوقت نفسه، وكانت شخصيته حمالة أوجه، فكان يظهر فى بيته بشخصية، وله حياة أخرى بشخصية أخرى مغايرة، ليبقى نموذجًا أصيلًا للرجل الشرقى ورمزا للذكورة والمجتمع الأبوى.
وبعد الكثير من الاتهامات التى لاحقته، نفى نجيب محفوظ أن والده عبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا، هو نفسه «سى السيد»، وذكر فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، مع الناقد الراحل رجاء النقاش: «وبصراحة كانت شخصية والدى تتحلى بقدر كبير من التسامح والمرونة والديمقراطية، وليس فيها استبداد أو عنف، ولا علاقة لها بشخصية السيد أحمد عبدالجواد بطل الثلاثية». بل استلهم الشخصية من جار شامى الأصل اسمه «عم بشير»، استقر هو وزوجته فى مصر، وكان بيته مواجهًا لبيت محفوظ فى بيت القاضى، ووصف «محفوظ» شخصية «عم بشير» بأنه كان رجلًا طيبًا إلا أنه جبارًا، وكان يعامل زوجته بقسوة، لدرجة أنها كانت تأتى لوالدة نجيب محفوظ «فاطمة» باستمرار تبثها الشكوى من سوء معاملة الزوج.
واستلهم محفوظ جزء آخر من الشخصية من زوج شقيقه «زينب»، وهو صعيد من أصل كردى. يقول محفوظ عنه: «كان فظيعًا، ومع ذلك كانت عندما يفيض بها الكيل تقف فى وجهه بشراسة، أما والدى فربما أخذت منه فى شخصية أحمد عبدالجواد حبه للفن فقط». أما المنبع الأخير للشخصية فكان الأستاذ «سعيد» عم «محفوظ»، والذى كان معروفا بكثرة غرامياته وعلاقلته النسائية.


«الجبلاوى».. أشهر «ترندات محفوظ»


يُعّد «الجبلاوى» أشهر الشخصيات الروائية العربية على الإطلاق، وأكثر شخصيات «محفوظ» إثارة للجدل حتى اليوم. لدرجة أن الدراسات فى عالم «نجيب» الأدبى تكاد لا تخلوا من الحديث عنه. فهو تلك الشخصية الإشكالية بالغة الغموض، وبالغة التأثير فى قوة حضورها وسطوة غيابها. وكانت «أولاد حارتنا» هى أكثر روايات «محفوظ» تعرضًا للهجوم والقمع والمصادرة طيلة عقود.
عبر «الجبلاوى» عاد محفوظ مع قارئه إلى النقطة الأولى لدى الإنسان، قصة الخلق والبدء. بهدف فهم معضلة الوجود.. من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ فـ«الجبلاوى» يمثل الرسوخ والأبدية والصمت المهيب عدا عما يوحى به من الفضاء الخالى من البشر الذى أقام عليه حارته. فنجد أن «الجبلاوى» هو الأصل والأبناء هم الفرع، فهو صاحب المشروع والأبناء تجلياته.
وبعد الثورة على روايته الأولى قرر أن يكتب «الحرافيش» فى إعادة إنتاج لـ«أولاد حارتنا»، ليقدم الملحمة الوجودية ذاتها على نحو أعمق وأعقد. فى علمية تناص معقدة بين شخصيتى «الجبلاوى» و«عاشور الناجى».