حظي المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي بشهرة واسعة، ويعد من أعلام التاريخ المصري. وكان لموسوعته "تاريخ الحركة القومية"، دور مهم في الثقافة العربية، وطغت شهرته كمؤرخ على شهرته كمحام.
ورغم مواقفه البارزة ومرافعاته التي تشهد لها ساحات القضاء، فهو ترفع عن تولي القضايا المخلة بالشرف، وتبنى الدفاع عن القضايا الوطنية دون مقابل، ومن أشهر قضاياه، مرافعته عن" الفريق عزيز المصري"، ومرافعته عن المثال "محمود مختار"، الذي استدعته الحكومة من عمله في باريس عقب وفاة سعد باشا زغلول سنة 1927، وكلفته بإقامة تمثالين للزعيم، ثم تراجعت عن موقفها.
كرس الرافعي حياته لدراسة أدوار الحركة الوطنية في تاريخ مصر الحديث، كان من أبرز أعماله 15 مجلداً وثق فيها حالة مصر من أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر.
أمضى الرافعي معظم حياته في القاهرة، لكنه انتقل إلى الإسكندرية للالتحاق بالمدرسة الثانوية، تخرج من كلية الحقوق في الخديوية سنة 1908م.
أصبح رئيس تحرير اللواء سان، وهذا ثبت أن تكون الخطوة الأولى في حياته وهو مؤرخ وسياسي.
أصبح الرافعي جزءًا من الحزب الوطني المصري بقيادة مصطفى كامل باشا مصطفى كامل، الذي كان أيضًا صحفيًا وشخصية سياسية.
بدأ الرفاعي يهتم بعلاقة التاريخ الوطني من حيث الوعي القومي ، وظهور الدولة القومية الحديثة وتطورها سنة 1907 م.
بدأ الرفاعي الكتابة في سن مبكرة، وقد كتب كتابه الأول سنة 1912م باسم "حقوق الشعب"، وفي هذا الكتاب بينَ وجهات نظره السياسية عن طريق الكتابة في القضايا مثل "دستورية الحكم و الإستقلال الوطني، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان من مختلف جوانب الإسلام"، كما ناقش في كتابه أفكارًا حول عصر التنوير الأوروبي.
صدر كتاب الرافعي الثاني عن "نقابات التعاون الزراعي" سنة 1914، وفي هذا الكتاب لفت انتباه الأمة إلى أهمية تنمية المناطق الريفية من جوانب مختلفة إن كانت المادية أو الاجتماعية أو الإنسانية، كما ركز على التعليم في هذا الكتاب. وشدد الرافعي على أن التعليم يجب أن تضمنه الدولة وأن يكون له أولوية التحسين على العديد من القضايا الأصغر.
كتب الرفاعي كتابه الثالث سنة 1922م بعنوان "الجمعيات الوطنية"، حيث تحدث عن العلاقة بين التماسك الاجتماعي والسياسي والنمو الاقتصادي.
يعد أشهر إنجازات الرافعي تأليف 16 مجلدًا، بدأ في تأليفه في القرن الثامن عشر ولم يكمله حتى الخمسينيات من عمره.
اتفق العديد من المؤرخين على أن الرافعي بحثَوجمعَ معظم البيانات المتعلقة بهذه الموضوعات التي كان من الممكن أن تكون معروفة خلال تلك الفترة الزمنية وفي ظروفه مما يجعل عمله أساسًا قويًا لتاريخ النظام المنهجي في مصر والعالم العربي ككل.
عندما شبت ثورة 1919م شارك فيها الرافعي بجهد كبير تجاوز حدود المنصورة وتعداها إلى القاهرة، ولم يتوقف عن العمل السياسي المناهض للاحتلال بل تخطى ذلك إلى الجهاد بالسلاح. يذكر مصطفى أمين أن الرافعي كان عضوا مهما في الجهاز السري للثورة، وإن لم يذكر ذلك الرافعي في مذكراته، وليس فيما يقوله مصطفى أمين عن الرافعي غرابة في اشتراكه في المجلس الأعلى للاغتيالات، لأن الرافعي نادى في أول مقالة له نشرت باللواء بوجوب تكوين الجمعيات السرية والعلنية لحماية الشعور الوطني من العبث والتبدد، ودعا إلى استخدام القوة التي تجبر الاحتلال على مغادرة البلاد.
اشترك الرافعي في أول انتخابات أجريت حسب دستور 1923م، وحيث رشح نفسه في انتخابات مجلس النواب عن دائرة مركز المنصورة، وفاز أمام مرشح حزب الوفد، وشكل مع من قدر لهم الفوز من أعضاء الحزب الوطني المعارضة في مجلس النواب، وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب على هدي مبادئ الحزب الوطني.
ثم عاد الرافعي إلى المجلس مرة أخرى بعد الانتخابات التي أجريت في سنة 1925م، ولم يكد المجلس الجديد يجتمع في يوم 23 من مارس 1925م حتى حل في اليوم نفسه، وظل الرافعي بعيدا عن الحياة النيابية قرابة 14 عاماً، عاد بعدها نائباً في مجلس الشيوخ بالتزكية، وبقي فيه حتى انتهت عضويته به سنة 1951م، خلال هذه الفترة تولى وزارة التموين في حكومة حسين سري الائتلافية سنة 1949م، وقد أثار توليه الوزارة لغطاً شديداً، وحيث إنه فعل ما كان يدين به غيره، فقد تزعم يوماً الجبهة المعارضة في الحزب الوطني ضد رئيسه "حافظ رمضان" عندما قبل الاشتراك في الوزارة سنة 1937م، باعتبار أن ذلك لا يتفق مع مبادئ الحزب الوطني التي لا تقبل الوزارة في ظل وجود الاحتلال الذي يمسك بمقدرات الحياة في مصر، غير أن الرافعي برر دخوله الوزارة برغبته في كشف الأساليب الاستغلالية التي كانت تمارسها شركة السكر وأصحاب شركات الغزل والنسيج، ولم يمكث في الوزارة سوى أشهر قليلة.
أفرط الرافعي في حسن الظن بالنظام الجديد الذي قربه منه وأولاه عنايته فأشركه في إعداد الدستور الذي فكر في إخراجه سنة 1953م، كما تم تعيينه نقيبا للمحامين سنة 1954م بعد قرار الحكومة بحل مجلس نقابة المحامين المصرية التي اجتمعت جمعيتها العمومية في 26 من مارس 1954م، وقررت مطالبة حكومة الثورة بعودة الجيش إلى ثكناته وترك السياسة للسياسيين، ولقي الرافعي انتقاداً شديداً لقبوله منصب النقيب والتصاقه بالسلطة.
لم ينس الرافعي في كل أدواره السياسية التي مر بها أنه صاحب قلم وفكر، فملأ أعمدة الصحف بمقالاته التي توضح موقفه من كثير من القضايا المطروحة، وكانت قضية الاحتلال من أهم القضايا التي تعرض لها، وكان يدعو علناً إلى استخدام القوة في مقاومة المحتل.
بدأ الرافعي تأليف سلسلة كتبه التاريخية بعد أن انسحب من الترشيح لعضوية البرلمان، ونشأ عن ذلك فسحة كبيرة من الوقت استثمرها في كتابة التاريخ، ومع ذلك لم تسلم كتب الرافعى التاريخية من النقد والاتهام بعدم الالتزام بالمنهج التاريخي الصارم، وانحيازه للحزب الوطني الذي ينتمي له، وتأريخه للأحداث من خلال هذه النظرية الحزبية، وتعاطفه الشديد مع مصطفى كامل، وإسباغه عليه كل مظاهر النبوغ والعبقرية والبراءة من كل سوء، وكذلك فعل مع محمد فريد، وإدانته الشديدة لأحمد عرابي ورفاقه، واتهامه للثورة العرابية بأنها سبب كل بلاء، وأنها كانت وراء الاحتلال البريطاني، وهجومه على حزب الوفد وإنكاره عليه إجراء مفاوضات مع بريطانيا؛ لأن أحد مبادئ الحزب الوطني الراسخة كانت لا مفاوضة إلا بعد الجلاء.
وقدمت مؤلفات الرافعي المعرفة التاريخية لأجيال من المصريين، وبقيت مرجعا مهما لكل من يرغب في معرفة تاريخ مصر في العصر الحديث على الرغم مما وجه إليها من انتقادات، ونال الرافعي تقدير حكومة ثورة يوليو واحترامها، واعتبر اللواء محمد نجيب قائد الثورة كتب الرافعي الأساس للحركة التي قام بها الجيش وأنها ذخيرة وطنية للأمة، وقد منحته الدولة سنة 1961م جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية.
واتفق المؤرخون على أنه جمع كل ما كان يمكن توفيره من مادة معرفية أتيحت له في زمنه وفي ظروفه، الأمر الذي جعل عمله أساسا قويا لعلم التاريخ المنهجي في مصر والعالم العربي، ومن ناحية أخرى فإن أصحاب (فلسفة التاريخ) يرونه مؤرخا أخلاقيا أحيانا ومؤرخا وطنيا في أحيان أخرى، توضح هذه الأعمال فهمه للتاريخ وكتاباته باعتباره وسيلة تربوية وطنية رئيسية لتنمية مشاعر الوحدة والانتماء الوطني من ناحية وكفالة التماسك الاجتماعي من ناحية أخرى.
وفي مثل هذا اليوم 3 ديسمبر من عام 1966 رحل الرافعي عن عالمنا بعد أن ترك خلفه موسوعته الأشهر "تاريخ الحركة القومية"، والتي آثرت ولعبت دورًا مهمًا في الثقافة العربية.