واصلت الدكتورة هاجر الحسين قلديش، المتخصصة فى القانون الدولى وعضو لجنة الاتحاد الأفريقى للقانون الدولى منذ 2015 حديثها لـ"البوابة نيوز" وتحدث في الجزء الثاني من حوارها عن الأزمة الليبية المستعرة منذ أكثر من عشرة سنوات، إلى جانب دور الاتحاد الأفريقي في حل أزمات القارة ومدى استقلالية قراره.
وتحدثت الدكتورة هاجرة قلديش، خلال الجزء الأول من حوارها لـ"البوابة نيوز" المنشور في 9 نوفمبر الجاري، عن عدد من القضايا الهامة داخل القارة الأفريقية وعلى رأسها أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب حرب تيجراي وتوقعت أن تذهب إثيوبيا للتفكك إلى جانب آخر تطورات مسألة قبول إسرائيل مراقبا في الاتحاد الأفريقي.
وإلى الجزء الثاني من حوار "البوابة نيوز" مع الدكتورة هاجر قلديش:
هل يملك الاتحاد الأفريقي قرارا مستقلا أم أنه أسير للقوى الأجنبية؟
المنظمة الأفريقية تابعة للأجانب لأن الدول الأعضاء يمولون 31% فقط من الميزانية في حين يسهم الشركاء الدوليين بـ66% من الميزانية، مما يجعل الاتحاد تابع للممولين رغم جدية مشروع الإصلاح المؤسساتي والمالي للاتحاد والذي بدأ منذ سنة 2017.
لماذا بدا كان تفاعل الاتحاد الأفريقي مع الأزمة الليبية أنه غير كافي؟
تزايد الاهتمام بالأزمة الليبية في السنة الماضية 2020، خلال القمة الإفريقية التي بأديس أبابا تحت شعار (إسكات البنادق: تهيئة الظروف المواتية لتنمية إفريقيا)، إذْ سعى الاتحاد الإفريقي إلى تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا من خلال مقترح إرسال بعثة مشتركة مع الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، وهو ما أثار ردود فعل متباينة من الأطراف الليبية المُتنازعة في ذلك الوقت.
كيف تأثرت تونس بالأزمة الليبية؟
تونس هي من أكثر بلدان الجوار، التي تأثرت سلبًا بما حصل في ليبيا، من معارك وحروب وإرهاب وانشقاق سياسي وتدهور لقيمة العملة وارتباك أمني وكساد اقتصادي، بالإضافة إلى تدخل القوى الأجنبية فيها سوءا ودمارا.
أمَّا اليوم وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، وصولا إلى ارتفاع قياسي في عائدات النفط، فيمكن القول إن ليبيا بدأت تعرف بوادر انفراج في طريقها نحو بناء وتوحيد المؤسسات الدستورية، تتويجًا للفترة الانتقالية، ولم يكن ذلك بالشيء الهين على الشعب الليبي الذي عانى الأمرين منذ سنة 2011 إلى اليوم.
إلى أي مدى أسهم موقف الاتحاد الأفريقي في تطورات الأزمة الليبية؟
تم إدارة الأزمة الليبية بطريق دولي أكثر منه إقليمي، وهذا طبعًا معلوم وغاياته مفضوحة إذ تعتبر ليبيا من أغنى الدول الإفريقية وأهمها وزنا سياسيًا أو اقتصاديًا، وهي غنيمة كبيرة للغرب ومطمع لبقية الدول المتدخلة وأبرزها تركيا وقطر.
ما هو دور الاتحاد الأفريقي لحل الأزمة الليبية؟
لم يحرك الاتحاد الأفريقي ساكنًا في الأزمة الليبية –منذ سنوات- لأنها أكبر من إرادة قادته السياسيين، بل وأكد هذا الاتحاد فشله في التعاطي معها حتى من خلال استصدار البيانات المتأخرة حول بعض الأعمال الإرهابية التي وقعت في ليبيا، وهذا دليل قاطع على أن الاتحاد الأفريقي يعتبر مسلوب الإرادة السياسية، وأنه لم يتحرر من عقدة الدول الاستعمارية بعد بل إنه مسلوب الإرادة في عديد القضايا التي تهم الشعوب الأفريقية ككل.
ما هي مخرجات الدورة العادية التاسعة والثلاثين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي؟
انعقدت الدورة العادية التاسعة والثلاثين للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي يومي 20 و21 أكتوبر 2021 بأديس أبابا، وتم فيها إجراء انتخابات المفوضين المتبقين في مفوضية الاتحاد الأفريقي، فضلًا عن القضية الشائكة المتمثلة في اعتماد إسرائيل كمراقب لدى الاتحاد الأفريقي، كما نظر المجلس التنفيذي خلال هذه الدورة في تقرير الدورة العادية الثانية والأربعين للجنة الممثلين الدائمين للاتحاد الأفريقي، والتقرير المتعلق ببعث المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والمذكرة المفاهيمية وخريطة الطريق لموضوع الاتحاد الأفريقي لسنة 2022 المعنون "التغذية والأمن الغذائي"، واعتمد المجلس التنفيذي ميزانية الاتحاد الأفريقي لسنة 2022.
هل وجود الدكتورة أماني أبو زيد في مفوضية الاتحاد الأفريقي يؤثر على القضايا المتصلة بالشأن المصري؟
أولًا أتمنى كل التوفيق للسيدة أماني أبو زيد، وأهنئها مجددا على انتخابها لفترة نيابية ثانية مدتها أربع سنوات كمفوض للبنية التحتية وقطاع الطاقة، والكل يشهد لها بالكفاءة وحسن التدبير أثناء المدة النيابية الأولى في كافة المشروعات التي من شأنها تحقيق التنمية في كافة الدول الإفريقية وتنفيذ أجندة 2063، وهي لا فقط واحدة من أكثر السيدات تأثيرًا في القارة الإفريقية بل وقد تقلدت مناصب قيادية عديدة في المنظمات الدولية ولديها معرفة عميقة وخبرة طويلة على المستويات السياسية والإستراتيجية والتنفيذية على مستوى القارة الإفريقية، ولها إنجازات هامة في مجال البنية التحتية، والطاقة والاندماج الإقليمي في إفريقيا.
ثانيًا، ومن وجهة نظر القانون الدولي والنصوص الترتيبية التي تنظم دور ومهام الموظفين السامين المنتخبين في إطار الاتحاد الإفريقي، فإن المفوض المنتخب في هذا المجال، حالما يقع انتخابه يتعهد بدفع تنفیذ سیاسات وبرامج واستراتیجیات الزراعة والتنمية الريفية والاقتصاد الأزرق والبيئة المستدامة بما يتماشى مع تطلعات أجندة 2063 والخطط المرتبطة بها على المدى المتوسط والأطر القانونية والسياسية القارية الرئيسية الأخرى، كما يلتزم المفوض التزاما راسخا بالقيم الإفريقية والمبادئ التوجيهية للاتحاد الأفريقي إلى جانب التزامه بالقيام بجملة من الوظائف الرئيسية والمسؤوليات المحددة، كما نصت عليها ملفات تعريف وظائف القيادة العليا المتعلقة بمفوضية الاتحاد الأفريقي.
وعليه فيمكننا الجزم ردا على سؤالكم بأن السيدة أماني أبوزيد، كغيرها من المفوضين السامين المنتخبين لا يمثلون بتاتا البلدان التي يحملون جنسياتها، وإنما يمثلون الاتحاد الأفريقي ككل في برامجه وقيمه وفلسفته وأهدافه، ومع ذلك فلا شك لدينا بأن السيدة أماني سوف تعمل بكل جهد وبما يمليه عليها الضمير المهني لكي تواصل مسيرة نجاحاتها في نفس المنصب الذي تقلدته منذ أربع سنوات وهي لا محالة مؤهلة لاتخاذ القرارات السليمة والتصرف بما يمليه عليها الواجب المهني دون انحياز لطرف دون آخر أو دولة دون أخرى، ومع ذلك فهي سوف تحرص –مثلما صرحت به حال انتخابها- على "أن تكون التجربة الوطنية المصرية الرائدة مثالًا يحتذي به في العالم أجمع" ومن باب أولى في القارة الإفريقية.
ولعل المهام التي تنتظرها طيلة العهدة الثانية سيكون لها انعكاس مباشر على تقدم القارة بخطوات سريعة نحو الاندماج الاقتصادي وذلك من خلال توليها قيادة تنفيذ السوق الموحد الإفريقي للنقل الجوي والسوق الرقمي الموحد والسوق الإفريقي للطاقة، بعد إطلاقها لأول مبادرة قارية للتحول الرقمي، وإطلاق المرحلة الثانية من برنامج البنية التحتية الإفريقية الذي يركز على المعايير الذكية والمستدامة ودور المرأة ودور القطاع الخاص، وتنفيذ سوق النقل الجوي الإفريقي الموحد ودعم المرأة الإفريقية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من خلال تأسيس الشبكة الإفريقية للمرأة في البنية التحتية (ANWIN) وهذا كله يحسب لها.
ما هي أمنياتك للعام الجديد 2022؟
الإنسانية جمعاء في مفترق طرق خطير على إيقاع الحروب، والتطورات التكنولوجية وحالة الفوضى التي تعم في كل مكان، وأتمنى أن تعم هبة وعي جماعية في أوطاننا العربية لمحاربة الفساد بأنواعه، ونشر الوعي المجتمعي وثقافة التسامح وحقوق الإنسان، وأن ترجع في أوطاننا قيمتان جوهريتان لنهوض حضارتنا من جديد قيمة العلم وقيمة العمل، فلننكب على إصلاح منظومة التعليم بعمق وجدية ولنذكر أطفالنا، وهم قادة المستقبل، بتاريخنا وبأمجادنا وبأبطالنا علهم يفخرون ويتفاخرون بتاريخ مجيد نسيه أو تناساه أولي الأمر منا، فبهذا نصنع مستقبلا أينع ومن لا يعرف تاريخه لن يحسن التعامل مع حاضره ولن يجيد التخطيط لمستقبله.
ولا بد أن نضع حدًا للتفسخ الأخلاقي والانحطاط والقتامة والرداءة التي نعاني منها منذ سنين، وأغلب شبابنا تمسك بالقشور ونسي اللب، ولقد جاء في مواعظ سيدنا علي بن أبي طالب المأثورة التي زخرت بنصائح جليلة: "خمس خذوهن عنّي: لا يرجو عبد إلّا ربّه، ولا يخاف إلّا ذنبه، ولا يستحيي جاهل أن يسأل عمّا لا يعلم، ولا يستحي عالم إذا سُئل عمّا لا يعلم أن يقول: الله أعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له".
للإطلاع على الجزء الأول من حوار الدكتور هاجر قلديش للبوابة نيوز إضغط هنا