في خطوة تتسق مع تحويل القاهرة لمدينة شرقية وفي نفس الوقت قطعة من أوروبا، لتصبح "باريس الشرق" أنشأ الخديوي إسماعيل "حديقة الأسماك" بالزمالك، قبل ما يزيد على قرن ونصف، وتحديدا 154 سنة، حيث ظل يحلم بإنشاء عدد من البنايات المعمارية الجميلة مثل المتاحف والقصور ودور الفنون الكبرى والحدائق والمتنزهات.
إنشاء الخديوي إسماعيل "حديقة الأسماك" جاء في إطار مواكبة النهضة المعمارية والفنية التي أشاعها في القاهرة، لذا أسند تصميم الحديقة لمهندسين إيطاليين، وقيل أن الحديقة شهدت استعانة بمهندسين من جنسيات أخرى لإبداع تصميم وشكل مميز لمتنزه الزمالك الجديد.
راعى المهندسون في تصميم الحديقة أن تكون مرتبطة شكلا بالأسماك، حيث تم بناء المدخل على فتحتين تشبهان فتحتي خياشيم السمك، إلى جانب تصميم زعانف جانبية تضم ممرات متعددة للحديقة، هذه الممرات الداخلية للحديقة أخذت شكلا يرتبط بعالم البحار، حيث يظنها الزائر قاع بحر مملوء بالمغارات الصخرية والتجاويف المرجانية التي تضم صناديق زجاجية لأسماك نادرة.
كانت الحديقة، التي صممت عل مساحة واسعة، تطل على النيل، وتضم عددا من الأشجار النادرة التي تم اجتلابها من غابات مدغشقر وأستراليا وتايلاند، بالإضافة لتشكيلات من نباتات الزينة المختلفة.
في كتابه "القاهرة في عصر إسماعيل" يتحدث الباحث في التاريخ عرفة عبده علي عن "حديقة الأسماك" قائلا: بالقرب من سراي الجزيرة "الماريوت حاليا" شيد إسماعيل باشا حديقة الأسماك التي تطل واجهتها على نيل الزمالك بشارع الجبلاية نسبة إلى الاسم الذي اشتهرت به الحديقة نفسها في ذلك العصر "حديقة الجبلاية"، وخلال هذه الجبلاية الصناعية الرائعة شُقت مغارات وممرات يسير فيها الزوار، ووضعت بها صناديق زجاجية مازالت تحوي مجموعات متنوعة من الأسماك النيلية والبحرية وأسماك الزينة، تنعكس عليها أشعة الشمس من خلال فتحات علوية، تُضفي عليها جمالا، والحديقة من تصميم المهندسين الإيطاليين "كومباز ودويليو" اللذين اشتهرا بتصميم هذا النوع من الحدائق".
ولأن الحديقة ظلت وجهة لطلاب المدارس وللرحلات التثقيفية، فإنها ظلت في وعي من يزورها، حيث تحدث عنها وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى في مذكراته "كتابيه" في موضع حديثه عن تعلق قلبه بعدد من الأماكن المميزة بالمدينة، قائلا: حديقة الأسماك كانت مثالا للنظافة والخضرة، وأحواض الأسماك تحتوي على أسماك كبيرة وصغيرة ملونة وغير ملونة، وكانت الرحلات المدرسية كثيرة لتعليم الأطفال أنواع الأسماك، وقضاء نهار لطيف بين ممراتها وتحت أشجارها الوارفة، كانت هذه الحديقة تطل مباشرة على النيل مما أضاف إلى الجو الساحر لهذه الأماكن، ومع الأسف حلَّت محلها الآن مقاه ومطاعم ونواد سدت النيل عن أن يراه أو يستمتع به أحد".
يشار إلى أن "حديقة الأسماك" يجري الآن مراجعة ملفها من قبل وزارة السياحة والآثار لتحديد أي الأماكن بداخلها ليست أثرية وبالتالي يمكن شطبها من تعداد الآثار.