يُلقب «يورى ألكسندروف» المديرالفنى لأوبرا بطرسبورج للحجرة والمخرج الروسى الكبير بـ «مخرج الشعب» فهوالجائز على العديد من الجوائز ومنها جائزة القناع الذهبى للمسرح القومى الروسى، كما حاز جائزة وسام فنان الشعب الروسى، ويُعد من المخرجين الروس الذين استطاعوا تحقيق نجاح كبير بداخل وخارج روسيا.
على مدى حياته قدم أكثر من250 عرضًا فى روسيا وفى دور الأوبرا العالمية، لاقت استحسان الجمهور فى العديد من البلدان ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وبولندا وفرنسا، وصريبا، وتركيا وإيطالياـ بل يعتبر هو المخرج الروسى الوحيد التى قدمت أعماله فى أكثر المسارح الشهيرة فى العالم، ومنها أرينا دى فيرونا، وأوبرا المتروبوليتان وأوبرا لاسكالا دى ميلانو.
ويعتبر«يورى ألكسندروف» من المخرجين القلائل ذوى التعليم الموسيقى الأكاديمى، حيث تميز أسلوبه فى الإخراج بالكثير من الأفكار الفريدة المبدعة والرؤى المتضادة الخلاقة، والتى تحمل فى طياتها أسلوبا واتجاها ومنظورا جماليا فاتنا، كما تنوعت أعماله أيضًا بالتنوع، إذ استطاع أن يقدم نصوص الأوبرا الكلاسيكية بمنتهى الحرية والجرأة، وتتميز أعماله وعروضه المسرحية بتشبعها بالأساليب الجمالية والحركات المجازية الغنية والمفعمة بالفلسفة والفكر الشعرى المنمق والتى تعكس طبيعته الفنية الخلاقة المفعمة.
وخلال زيارته الأولى لمصر كان لـ «البوابة نيوز » حوارًا مع مخرج الشعب الروسى «يورىألكسندروف» حول أعماله الفنية، وتجربته الذاتية، وفترة الحظر خلال فترة جائحة كورونا وانطباعه عن الحضارة المصرية نص الحوار..
■ فى البداية.. كيف كانت رحلتكم إلى مصر، وهل هذه أول زيارة لكم؟
نعم، هذه أول زيارة لى لمصر، فمصر هى أم العالم، وقد تعرضنا للعديد من الصعوبات حتى وصلنا إلى مصر، وتلك الصعوبات تمثلت فى وجود طيران خاص فى ظل جائحة كورونا، ولهذا أحب فى البداية أن أوجه الشكر لشركة مصر للطيران التى عملت على توفير طائرة لنقل الممثلين وفريق العمل إلى القاهرة.
والحقيقة أن الحضارة المصرية متواجدة فى روسيا بشكل كبير من خلال المتاحف المتواجدة فى كافة أرجائها، ونستطيع القول إن مصر تمثل صفحة مهمة جدًا فى سجل الثقافة العالمية.
■ هل كان هناك تنسيق مسبق مع أوبرا القاهرة قبل الانطلاق من بطرسبورج، وكيف رأيتم تجهيزات المسرح هنا؟
فى الحقيقة أنه عندما دخلت ساحة مسرح الأوبرا شعرت وقتها أن هذا هو المكان المطلوب لتقديم العرض «ريجوليتو»، والحقيقة أن مسرح أوبرا القاهرة مجهز بأعلى التقنيات المسرحية، وأوبرا القاهرة مؤهلة لاستقبال كبرى العروض العالمية.
■ حدثنا عن أوبرا بطرسبورج؟ وماذا يمثل لك.. فقد كنت متأثرًا كثيرًا عندما تحدثت عن المبنى الأثرى لأوبرا بطرسبورج؟
فى الحقيقة نحن نعتبر أوبرا بطرسبورج هى بيتنا الأول، ومن أهم أهداف المسرح هو الارتقاء بالفن الرفيع، ونحن نتعرض لمنافسة شرسة فى روسيا، فهناك العديد من الفرق المسرحية، ولا يمكن الفوز إلا بالعمل المستمر، فالمسرح بالنسبة لى هو المنزل الذى أعيش فيه وأهم ما يميز المسرح أنه يوجد فيه فرقة مسرحية نتعامل جميعنا على أننا أسرة واحدة.
وأن أوبرا بطرسبورج العريقة قادها فنانون حملوا لواء الفكر والإنسانية ولم يثنيهم قلة المال فى النضال من أجل الحفاظ على هذا التراث الفنى والإنسانى للشعب الروسى.
أما عن المكان فهو قصر أثرى فريد من نوعه، ولا أستطيع أن أذهب إلى أى مكان آخر غيره، فقد كونت بداخله فرقتى المسرحية، فأى مخرج يكون هدفه الأول هو تكوين فرقته الخاصة وحينما يستطيع أن يحصل على مبنى لهذه الفرقة، يكون قد وصل إلى قمة طموحه وشغفه.
فقد ظللت لقرابة الـ ٤٠عامًا أعمل بأشهر مسارح روسيا، ولكن حلمى الدائم هو أن يكون لدى مسرحى الخاص وقد تحقق هذا الحلم ولا يمكن أن أتخلى عنه مهما حدث، فعندما حصلت عليه كان حالته متدهورة للغاية ومكثت ٢٠عامًا وأنا أقوم بترميمه حتى يصبح على هذا الشكل الفريد ويُعد اليوم من أجمل المسارح فى أوروبا.
■ هل كنت متوقع رد الفعل فى مصر حول أوبرا «ريجوليتو» واستقبال الجمهور المصرى للأوبرا؟
بصراحة تعودنا على ردود الأفعال الإيجابية حول ما نقدمه من عروض، ولكن فى مصر كانت تجربة جديدة، وكنت أخشى حدوث أى مفاجآت، ولكن كل شيء تم على أكمل ما يكون وأكثر ما أعجبنى أن الجمهور المصرى كان متنوعا ولديه ثقافة، وأغلب ما حضروا لمشاهدة العرض من الجمهور المتذوق لفن الأوبرا، وهذا أسعدنى كثيرًا.
■ لقد قمت بتكوين مسرح موسيقى الغرفة ولديك الكثير من التلاميذ ما هى النصيحة التى تواظب على قولها للممثلين والعاملين معك؟
أنا أعتبر أن فنانى الفرقة هم بمثابة أولادى، وحينما يتم سؤالى عن البطل أقول بأن جميعهم أبطال فالبطل الحقيقى هو الفرقة، وأحرص دائمًا على تجديد الفرقة، فنحن نستقبل العناصر الشابة الجديد، فهناك عشرات المواهب التى تأتى إلينا كل يوم إلى المسرح وأقوم بمقابلتهم، ومن نجد به الموهبة الحقيقية يتم ضمهم إلى الفرقة ويتم تدريبهم تدريبًا متقنًا.
وفى الحقيقة أن هناك فروقا بين الأجيال، وأن المسرح عبارة عن مدرسة متكاملة، وأنا لا أكتفى بان يكون الممثل جيدا أو مطرب جيدا، ولكننى أراعى فى الاختيار بأن يكون أيضًا إنسان جيد، وهناك الكثير من المواهب البالغة الروعة تم استبعادها من الفرقة وطلبت منهم الرحيل بسبب إفسادهم للمناخ العام فى المسرح، وهذا شيء مهم بالنسبة لى جدًا.
والنصيحة التى أحرص دائمًا على قولها بداخل الفرقة هى العمل العمل ثم العمل.
■ عانى المسرحيون على مستوى العالم خلال فترة جائحة كورونا.. كيف كان الوضع فى روسيا، لاسيما وأن فنانى فرقة مسرح بطرسبورج يحتاجون للتدريب المستمر؟
فى الحقيقة كانت فترة حائجة كورونا فترة صعبة جدًا،- تجربة مريرة - حيث كان لا بد من الاستمرار فى العمل على الرغم من كل شيء، وقد كنا نقيم بشكل مستمر داخل المسرح، وكنا مستمرين فى عمل البروفات الخاصة بالعروض، بل كنا نقوم أيضًا بتقديم عروض كاملة بالملابس والإضاءة، وكأن الجمهور موجود، ففى مجال عملنا من السهل أن نوقف المسرح، ومن الصعب جدًا أن نبدأ فى تفعيل ما كنا نقوم بتقديمه مرة أخرى، أما عن المسرح بدون جمهور فلدى وجهة نظر مغايرة فى هذا الأمر، ألا وهو أن المسرح بدون جمهور بالنسبة لى كإنجاب طفل وكل زوج فى غرفة منعزلة.
فالمسرحله ثلاثة أركان لا يمكن الإخلال بأحد تلك الأركان وهى المسرح والممثلون والجمهور، ولا يمكن الاستغناء عن أى طرف من تلك الأطراف، وعلى الرغم من ذلك حاولنا تقديم بعض العروض أونلاين، ولكنها لم تحقق النتيجة المرجوة منها، وأستطيع القول إن تجربة العروض المسرحية عبر الإنترنت هى تجربة فاشلة - على الرغم من أننا قدمنا أكثر من ٢٠٠عرض ما بين موسيقى وغنائى عبر الإنترنت، إذ يغيب فيها عنصر التفاعل بين الجمهور والممثلين.
■ على هامش التحضيرات للعرض المسرحى، هل تمكنت من زيارة الأماكن الأثرية فى مصر؟ وكيف كان انطباعك؟
للأسف كانت الزيارة قصيرة جدًا، وانشغلنا بالتجهيز والتحضير للعرض، ولكنى استطعت زيارة المتحف المصرى، وأهرامات الجيزة، فقد حضرت إلى القاهرة ومعى حفيدى، وأعجبت بها كثيرًا، وأن هناك اختلافا كبيرا بين ما نراه فى الكتب والكتالوجات الخاصة بالحضارة المصرية عن الواقع، فهى مبهرة إلى أبعد الحدود.
■ تحدثت سابقًا.. بأنك قمت بإخراج أوبرا عايدة ٨مرات، وتنوى فى تقديمها مرة أخرى، هل ستتغير رؤيتك الإخراجية بعد رؤية الآثار المصرية على الطبيعة؟
بالتأكيد ستتغير رؤيتى الإخراجية فى أوبرا عايدة، لأننى اكتشفت أنه كان لدى تصور مغاير لحركة ووقوف الفرعون المصرى، وذلك لأننى كنت أستعين بالكتب وألبومات الصور والكتالوجات التى تتحدث عن الحضارة المصرية القديمة، ولكن ما زيارتى لمصر ووفقا لما رأيته فى المتحف المصرى، جعلنى أفكر فى تغيير هذه الرؤية تمامًا، والتى ستبنى على ما رأيته فى الطبيعة، ومنها على سبيل المثال حركة وقوف الفرعون وطريقة جلسته، وأعتقد أنها ستتميز عن النسخ التى قدمتها من قبل.
■ كلمة تحب أن توجهها لمصر والمصريين؟
أقول للمصريين إلى لقاءات أخرى، وأتمنى لكم وافر الصحة، وأرجو أن تقوموا بتخصيص وقت أكثر للمسرح ولأسركم. كما أحب أن أوجه الشكر إلى جميع الأصدقاء الذين ساعدونا فى إنجاز مهمتنا، وكذلك أوجه عميق الشكر إلى دار الأوبرا المصرية والتى كانت بمثابة دار لنا خلال فترة إقامتنا بمصر، كما أوجه تحيات مدينتنا بطرسبورج حيث تربطنا أواصل الصداقة منذ زمن بعيد وأتمنى أن تزداد تلك الصداقة فى الفترات المقبلة.