أفول عظيم تعيشه جماعة الإخوان بسقوط آخر آمالها ومعاقلها في الحكم بالعالم العربي، لقد فشلت في تقديم نفسها كبديل أفضل للأنظمة التي أسقطتها ثورات الربيع العربي بداية من 2011، منذ عشر سنوات كانت "الإجابة تونس" باعتبارها شعلة تلك الثورات حين هب الشعب في وجه زين العابدين بن علي ونظامه قائلا: "عيش حرية عدالة كرامة" كان الاحتجاجات عظيمًا على تردي الأحوال المعيشية واقتطاف ثمرة الثروة في يد فئة قليلة من رجال الأعمال والمقربين من السلطة، وانتشر النار في الهشيم وحملت الراية شعوب أخرى، لنفس الأسباب، وبدا اليوم أن زيدًا لم يكن أفضل من عبيد، وأن نظاما تقوده الجماعة أو تتصدر حكومته وبرلمانه، سيهدي مقدرات البلاد لأتباعه، ويسعى بمنطق الاستحواذ على "التمكين" وليغرق الشعب في الفقر والجهل والمرض، لا يهم لجماعة لا تسمع غير صوتها ولا تنظر لغير نفسها في المرآة.
المثير في الأمر حزب كان يعول عليه ان يلعب دورا محوريا في الوساطة لإثناء الإخوان عن خوض معترك العنف علي خلفية خروجهم من مشهد الحكم في مصر لينزلق حزب النهضة ذاته في نفس المنزلق.
فقد اكد لي المحامي الإخواني السابق مختار نوح عقب انهيار حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو انه قد عُرضت عليه وساطة من راشد الغنوشي في تونس، لإقناع اخوان مصر بعدم انتهاج العنف والامتثال لإرادة الشعب، وتوسط في ذلك كل من الإخواني الكويتي السابق عبد الله النفيس والقيادي الإخواني كمال الهلباوي عن طريق ابنه المقيم في تونس، لكن سرعان ما وضع حزب النهضة التونسي مختار نوح على قائمة ترقب الوصول فسقطت الوساطة وكان ذلك بإشارة من الغنوشي نفسه وكانه يمارس عدة ادوار في لعبة واحدة.
سيصبح 25 يوليو 2021 يوما تاريخيا في تونس، حين أقال الرئيس التونسي قيس سعيد رئيس الوزراء هشام المشيشي، وعلق البرلمان وأنهى الحصانة عن النواب والمسؤولين الذين هددهم بمحاكمتهم بتهمة الفساد. كما نشر قوات في العاصمة، وأعلن أن مبدأ الصلح الجزائي هو الوحيد المفترض مع رجال الأعمال المتورطين في سرقة خزانة البلاد وهو ما يعني إما إعادة ما سلبوه لصالح مشروعات للدولة أو "السجن"!
الفساد يلاحق النهضة
تواجه حركة "النهضة" اليوم اتهامات تستند للأدلة الدامغة بخصوص التمويل الخارجي والتركي بالتحديد خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة،’ والتي جعلت الحركة تحوز المقاعد الأكبر نسبيا وتشكل حكومة النشاشيبي، وتصبح عقبة تغل سلطات الرئيس قيس سعيد، رجل القانون الذي يبدو أنه صبر طويلًا، لقد انشغلت الحركة بخلافاتها مع كل القوى السياسية، كما فعلت في مصر، وسجلت تونس أسوأ تعامل مع وباء الكورونا لأن الحكومة مشغولة بما هو أهم، الاستحواذ والتمكين!!!، ثم تواجه حركة النهضة اتهامات بتمكين المقربين منها من مفاصل هامة في السلطة، وبإغراق البلاد اقتصاديا وتحويلها لسلة للسلع التركية، هذه فقط عينة من تدخل حركة النهضة في الحكم!
لقد كان الغنوشي ذكيا حين رفض الترشح للرئاسة بعد سقوط إخوان مصر، ورفض أن يدخل في صراع مع الجيش، وراح يدير اللعبة من بوابة الحكومة التي سعت الحركة لتشكيلها وكسبت الرهان بعد غلبتها النسبية بين الأحزاب في البرلمان، في بلد لا تزال تعمل بنظام مختلط يجعل السلطات التنفيذية في يد البرلمان والرئاسة، لكنه لا يضمن نزاهة الانتخابات المؤدية إليها!
وبعد عشر سنوات من مشاركة حركة النهضة في الحكومات المتعاقبة، لايزال الفساد مستشريًا والبطالة آخذة في الارتفاع والخدمات الحكومية في حالة تدهور مستمر.
كانت أمريكا والغرب الأوروبي سعداء بالتجربة التونسية ووصفها بالديمقراطية طيلة السنوات السابقة، وكعادة الغرب في تبني حركة الإخوان ضمن ما اصطلح عليه من تبني حركات الاعتدال الإسلامي كشوكة في ظهر الأنظمة، ثم التبرؤ منها بعد سقوطها كما حدث في مصر وتونس.
وعلى العكس لم يهتم حزب النهضة ببناء تحالفات مع تلك الدول، بقدر اهتمامها بالمحور الذي يشكل مصالحها المباشرة أي (تركيا - قطر)، وبدا استقواء الغنوشي محل ريبة بعد زيارته لأردوغان قبل شهور والتي أثارت غضبا واسعا.
الإخوان واجهة لمشاريع تركيا في المنطقة
لقد استفادت كل تجارب الإخوان من المال التركي لتقوية شوكتها، وجرى ذلك في سوريا بشغل كتلة الإخوان نحو ربع مقاعد "المجلس الوطني السوري" لكن تغير المشهد الإقليمي وتحاورت روسيا وإيران من جهة مع تركيا، غير من قواعد اللعبة.
وفي ليبيا تغير اسم الجماعة إلى "جمعية الإحياء والتجديد" كمحاولة التفاف على اسم الجماعة المرتبط بأزمات الإخوان الكارثية، وأيضا تحصل الجماعة على دعم تركي لا متناهيا، ولا تخفى أطماع تركيا في البترول الليبي، إضافة لابتزاز أردوغان للحكومة الانتقالية الليبية لتعويضه عن المشاريع المتوقفة منذ 2011، بنحو مليار دولار مستحقة الصرف لصالح الشركات التركية، تم إقرارها بالفعل من موازنة ليبيا المحملة بالأعباء، ثم محاولة تركيا الالتفاف من جديد عبر مشاريع إعادة الإعمار، ناهيك عن الدعم الخبيث العلني للمليشيات التي تشيع الفوضى والدماء وشحن المرتزقة، أية علاقة يا غنوشي مع تركيا ويا إخوان!!!
إن جماعة تحمل الخير لابد أن تركز على بناء دولة قوية ذات مقدرات وعلاقات وثيقة مع العالم، تنظر لمصالح أمتها، تحمي حدودها، تحترم القوى السياسية الداخلية وتستمع لهم، توزع السلطات بمنطق الكفاءة لا الثقة، لا تتحالف مع من يخربون البلاد، هذا ما يسمى أن تحمل الخير لوطنك.
بالطبع بعد إطاحة الرئيسي التونسي قيس سعيد بحركة النهضة وتعطيل البرلمان وغلق مقار الإخوان وفتح ملف التحقيقات معهم في قضايا الفساد، انبرى حلفاء الحركة في جميع انحاء العالم في الدفاع عنها، وأهمهم تركيا وقطر، ثم اتحاد علماء المسلمين برئاسة أحمد الريسوني، وقد أفتى الاتحاد بأن قرارات الرئيس التونسي "لا تجوز شرعا ولا أخلاقا". وأن القرارات "تمثل انقلابا على إرادة التونسيين والمؤسسات المنتخبة واتخاذ إجراءات أحادية أمر خطير ولا يجوز شرعا ولا أخلاقا ولا عرفا".