تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
59 – عباس بن الأحنف
" خلط الله بروحي روحها
فهما في جسدي شيءُ أحد "
التحام الأجساد لا يصنع حبا متوهجا مضيئا، والتحقق فيه رهين بما يسبقه ويلحق به من اندماج روحي لا يرى في لحظات العناق، القصيرة مهما تطول، إلا محطة من محطات شتى. اختلاط الروحين، حد الذوبان والتلاشي، هو المدخل الوحيد الصحيح الذي يتيح التحليق في فضاء بلا شبيه، لا غنى فيه عن الحسي بطبيعة الحال، لكن الطموح الأسمى أن يصل الحبيبان إلى مرحلة "شيء أحد" وليس "شيء واحد".
لا يزدهر الحب بالإشباع العابر للجسد، والعلاقة الغريزية قد تمنح الكثير من المتعة والنشوة واللذة التي لا يمكن إنكارها وإهمال أهميتها، لكن تمام السعادة والتحقق يحتاج إلى ذلك "الخلط" الذي يشير إليه عباس في سلاسة بريئة من داء التصنع ولعنة الافتعال والتزويق ومراودة البلاغة الآسنة المهلكة. يهمس بلا صراخ متشنج، كأنه السر الذي يكتمه، أو الهاجس الذي يؤرقه ويسيطر عليه، وهل مثل القارىء الذي يعاصره، أو يأتي بعد قرون، من صديق مؤتمن؟.
من عباس بن الأحنف إلى عمر بن الفارض، مرورا بابن الرومي، وغيرهم، يتكرر الهم الإنساني المزمن الجدير بالتأمل والاهتمام: عن العلاقة بين الجسد والروح، وعن مفهوم الحب وآفاقه؛ وعن رسالة الشعر أيضا.