في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
57 – طرفة بن العبد
" وظلمُ ذَوي القربى أشدّ مضاضةً
على المرءِ من وقعِ الحسامِ المُهنّد "
الظلم قانون إنساني، أو بالأحرى لا إنساني، شائع مستقر راسخ عبر مراحل التاريخ كافة. قد يكون طبقيا في الساحتين الاقتصادية والاجتماعية، سياسيا في فلسفة وأسلوب الحكم، عاطفيا في دائرة الحب البعيد عن التحقق والانسجام، ولا تخلو العلاقات الأسرية والقبلية من ظلم موجع كالذي يشكو منه طرفة في معلقته الشامخة، التي تُعد بحق من روائع الشعر العربي.
في تجليات الظلم المتنوعة، وجميعها موجع مسرف في قسوته، يكون الظالم بمثابة "الآخر" الغريم الذي يبدو منطقيا مبررا، ومفهوما على نحو ما، أن يقيّد الرزق والحرية، ويمارس الجفاء متجنبا التواصل العاطفي منصرفا عن الاستجابة المشبعة. العلاقة مع الحاكم وصاحب العمل والحبيبة "مكتسبة" وليست "موروثة"، وهؤلاء الظالمون جميعا "غرباء" قبل أن يتم الاقتراب والاحتكاك. الأمر مختلف تماما مع العشيرة والأهل، وهل يستمد المرء وجوده إلا من الانتساب إلى ذوي القربى هؤلاء؟. إنه يولد محاطا بهم، مسلحا باليقين الذي لا يطوله الشك أنهم السند والدعم والمعنى والأمل، فكيف يكون وقع خذلانهم وجفائهم، وكيف عندما يتجاوزون ذلك إلى الظلم الذي يعني سلب الدفء وإجهاض المودة، ما يفضي إلى هيمنة المرارة والشعور بالانكسار؟
هذا هو السؤال. هذا هو الوجع القاتل.