الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

World of music «١٤» العلاج الأمثل للأطفال التوحديين

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الحلقة السابقة تحدثنا عن دور العلاج بالموسيقى في تحسين النمو اللغوى لدى الأطفال التوحديين كنمط علاجى يستند في الأصل إلى افتراض أن كل الأفراد لديهم في الأساس استجابة فطرية للموسيقي، على الرغم مما قد يتعرض له بعضهم من إعاقة جسمية أو عقلية أو انفعالية أو غيرهما، وبالتالى يمكننا من هذا المنطلق أن نلجأ إليه في سبيل إقامة علاقة جيدة بين المعالج والعميل أو الطفل.

حلقات أسبوعية تكتبها

د.غادة عبدالرحيم


أفضل اختبار موسيقى للطفل المعاق عقليًا هو اللحن والنص البسيطان

وأشرنا إلى أنه عادة ما يتم استخدام الموسيقى والأنشطة الموسيقية مع الأطفال التوحديين في سبيل تحقيق التعبيرات السلوكية المطلوبة بما يمكن أن يساعدهم على تحقيق التكيف والسلوك بطريقة أفضل في بيئتهم، ونظرًا لقصور التواصل وخاصة اللفظى من جانب هؤلاء الأطفال فإن الموسيقى قد تعمل في الواقع على تنمية وتحسين مستوى النمو اللغوى لهؤلاء الأطفال، إذ تزداد مفرداتهم اللغوية، ويزداد كم التراكيب اللغوية التى يأتون بها بغض النظر عن مدى صحتها، وذلك من خلال التكرار أو الترديد المستمر للكلمات المنغمة والأغانى البسيطة، والأناشيد القصيرة، وغيرهما مما يمكن أن ينشده أو يشدو به أولئك الأطفال خلال جلسات برنامج العلاج بالموسيقى المستخدمة معهم وهو الأمر الذى غالبًا ما يكون من شأنه أن يسهم بصورة دالة في تنمية وتحسين أساليب التواصل من جانب هؤلاء الأطفال.

 

فالموسيقى هى الفن الوحيد الذى يمكن أن يحسه ويشعر به الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة ومنهم الأطفال التوحديون، لأنها تتضمن في حد ذاتها عاملًا طبيعيًا حازمًا أشبه بالتيار الكهربي، من شأنه أن يؤثر على الاعصاب بغض النظر عن مستوى النمو ونسبة الذكاء، وهو الأمر الذى يجعل المعوقين عقليًا يقبلون على الموسيقى أكثر من أى أنشطة أخرى، فضلًا عن أن الطفل التوحدى يميل إلى الموسيقى وينجذب إليها. ويحدد قانون تعليم الأفراد ذوى الإعاقات Individuals with disabilities Education Act (IDEA) العلاج بالموسيقى على أنه يعد بمثابة احدى الخدمات التى ترتبط بالتربية الخاصة، وهو الأمر الذى يجعل المعالج الموسيقى أحد أفراد الفريق الذين يوكل إليهم إعداد خطة التعليم الفردية Individual Educational Plan (IEP) للطفل، ويعتبر العلاج بالموسيقى من هذا المنطلق أحد المكونات التى تضمنتها تلك الخطة، والتى تسهم بشكل واضح في تحقيق الأهداف التربوية التى يتم تحديدها فيها.

 

وجدير بالذكر أن العلاج بالموسيقى يستخدم مع الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة بصفة عامة والأطفال التوحديين خاصة، ويعد اضطراب التوحد كما يشير المركز القومى للدراسات الأمريكية أحد الانماط الأكثر انتشارًا للإعاقة العقلية، ووفقًا لما تقره الجمعية الأمريكية للعلاج بالموسيقى ونتيجة لأن العلاج بالموسيقى كنمط علاجى لا يعد مطلقًا وسيلة تبعث على التهديد للطفل، كما يتسم بتأثيره القوى في النفس فإنه يصبح من الأكثر احتمالًا ويترتب عليه نتائج فريدة لا يمكن أن تتحقق مع غيره من الأساليب العلاجية الأخرى التى يمكننا أن نلجأ إليها في هذا الإطار، ويمكننا من خلال هذا الأسلوب أن نقدم للطفل مجموعة متنوعة من الخبرات الموسيقية التى تتناسب معه بطريقة مقصودة ونمائية ملائمة تعمل على التأثير في سلوكياته من ناحية، كما تيسير حدوث تنمية وتطوير لمهاراته المختلفة من ناحية أخري، وذلك نظرًا لما يتسم به هذا الطفل من انجذاب للموسيقي. وعلى هذا الأساس فإن نتائج العديد من الدراسات التى أجريت في هذا الإطار قد كشفت في الواقع عن أن الموسيقى وفنيات العلاج بالموسيقى لها آثار إيجابية وذات مغزى في علاج تلك الآثار السلبية التى يمكن أن تترتب على اضطراب التوحد، إذ يرى البعض أن انغماس هؤلاء الأطفال في الموسيقى يسمح لهم أن يبينوا المثيرات الخارجية أثناء تجنبهم الاتصال المباشر مع الآخرين.

 


ومن المعروف أيضًا أن اضطراب التوحد يعتبر إعاقة عقلية معقدة، وأنه من هذا المنطلق يعد إعاقة عقلية واجتماعية في ذات الوقت، كما أنه يعد اضطرابًا نمائيًا عامًا أو منتشرًا يؤثر سلبيًا على العديد من جوانب النمو الأخرى، وفى مقدمتها الجانب اللغوي، وما يرتبط به من تواصل، ويؤدى هذا الاضطراب إلى حدوث تأخر عام في العملية النمائية بأسرها وهو أمر طبيعي، بحيث إن تأثيره السلبى لا يقف مطلقًا عند حدود جانب معين أو اثنين فقط من جوانب النمو، بل يتجاوز ذلك بكثير ليؤثر على غالبية مثل هذه الجوانب تأثيرًا، من شأنه أن يؤدى إلى التأخر عما يحدث في الظروف والأحوال العادية وهو الأمر الذى يفسر إطلاق مثل هذا الاسم عليه إذا يرجع تسمية هذا الاضطراب بالمنتشر، إلا أنه يترك آثارًا سلبية متعددة على العديد من جوانب النمو المختلفة.

أن اضطرابات التوحد تظهر على الطفل قبل أن يصل عمره إلى ثلاثين شهرًا وتأخذ الصور التالية: اضطرابات في: 

سرعة أو تتابع النمو.

الاستجابات الحسية للمثيرات.

الكلام واللغة والسعة المعرفية.

التعليق أو الانتماء للناس والأحداث والموضوعات.

وفضلًا عن ذلك فإن الأطفال التوحديين يميلون إلى الموسيقى ويفضلونها، وتكون ذاكرتهم قوية للأغانى والقصائد الغنائية، ويبادرون بالغناء المصحوب بالكلمات وذلك بشكل متزايد، كما يزداد انتباههم ودافعيتهم ومشاركتهم الانفعالية خلال الأنشطة الموسيقية المختلفة. أما فيما يتعلق بقصور مهارتهم اللغوية فإنهم غالبًا ما يكونوا غير قادرين على توصيل ما يريدون للآخرين.

ومن أهم المؤشرات الدالة على ذلك أن اللغة تنمو لديهم ببطء شديد أولًا تنموى سوى قدر محدود جدًا من المفردات اللغوية، وحتى في هذا القدر المحدود من المفردات والتراكيب اللغوية فإن الطفل يستخدم الكلمات دون أن يكون لها معنى محدد لديه، ويكرر الكلمات أو العبارات التى ينطق بها شخص آخر، وذلك بشكل لا معنى له، وهو ما يعرف بالترديد المرضى للكلام echolalia، كما أنه لا يستطيع استخدام الكلمات التى لديه في سياقات مختلفة ولا يمكنه أن يعيد ترتيب المعلومات التى يستقبلها كذلك، فهو لا يستخدم معانى تلك الكلمات التى يعرفها كى تساعده على استرجاع المعلومات المختلفة، ولا يستطيع أن يدخل في حوارات مع الآخرين، ولا يتمكن من استخدام الحديث للتواصل ذى المعني، وكثيرًا ما يستخدم الاشارات بدلًا من الكلمات، ويعانى من مشكلات في اللغة التعبيرية والاستقبالية ولا يتمكن من التعبير لفظًا عن ذاته دون أن يقوم بتطوير أى أساليب أخرى يكون من شأنها أن تساعده على ذلك.

 

ومن هذا المنطلق نجد أن اللغة أو المحصول اللغوى للطفل التوحدى لا يشهد التحسن أو التطور والملاحظ لدى الأقران، فنجد أن النمو اللغوى لذلك الطفل لم يشهد تلك السرعة التى يتسم بها قرينه تحصيلًا وفهمًا، ولم يشهد الزيادة المطردة في المفردات والتراكيب اللغوية، أو الاستخدام الغرضى والصحيح للغة مما يعرضه إلى قصور في التواصل والتفاعلات الاجتماعية، بل إلى العزلة والانسجام من كثير للمواقف والتفاعلات الاجتماعية، ونظرًا لقصور التواصل وخاصة اللفظى لدى هؤلاء الأطفال تأتى الموسيقى لتعمل على توصيل الأحاسيس والمشاعر لهم نظرًا لكونها لا تعتمد على الكلام، أى أنها تعتبر من الوسائل الأساسية للتواصل غير اللفظي.

 

كما أن الموسيقى والأنشطة الموسيقية تحدث اقصى مفعول لها في العلاج الجماعي، وإذا كان مثل هذا الطفل يحتاج إلى الشعور بالأمان فإن الموسيقى توفر له ذلك من خلال نظامها، وصفاتها وتركيبها، ونظرًا لاشتراكه في الأنشطة الموسيقية الجماعية فإنه يشعر بقيمته الذاتية، وإنه عضو مشترك مع الجماعة، ويعتبر أفضل اختبار موسيقى للطفل المعوق عقليًا هو اللحن والنص البسيطان مع مقدار معين من التكرار فضلًا عن اتفاق مع ميوله واهتماماته التى عادة ما تكون بسيطة.


دور العلاج بالموسيقى في تحسين المهارة اللغوية

يقوم المعالج في واقع الأمر في جلسات العلاج بالموسيقى بتحديد مهمة معينة ترتبط بأحد أهداف خطة التعليم الفردية IED المحددة للطفل التوحدي، كأن يعمل على عد الأرقام (١-١٠) مثلا، أو يتعلم الحروف الهجائية، أو يتبع تعليمات معينة تتألف من خطوتين، أو يأخذ دوره في نشاط معين أو مهمة معينة، أو يقدم وصفًا معينًا لشيء ما على أن يتم تقديم ذلك في أغنية معينة يقوم الطفل بترديدها، أو من خلال إشارات إيقاعية معينة، ويتمثل الهدف من الجلسة في استغلال الموسيقى كوسيلة مساعدة يتم عن طريقها تعديل سلوك الطفل، ثم تقل الموسيقى تدريجيًا بعد ذلك حتى تنتهى تمامًا مع حدوث التعديل اللازم للسلوك وهو الأمر الذى يمكن أن ينتقل بعد ذلك إلى مواقف أخرى غير موسيقية

كما أن العلاج بالموسيقى يهدف في الأساس إلى تناول عملية إصدار الأصوات أو التلفظ من جانب الطفل، وإثارة العمليات العقلية فيما يتعلق بالتطوير والترميز Symbolization والفهم اللغوي، وبالتالى فإن المعالج الموسيقى يعمل في الأصل على تسهيل وتدعيم رغبة الطفل في التواصل، وحاجته إلى ذلك وهو الأمر الذى يؤدى إلى وجود علاقة تواصل بين صوت موسيقى معين وسلوك الطفل، فيدرك الطفل الأصوات المنغمة بشكل ايسر من الألفاظ العادية، وهو الأمر الذى ينمى من بعض المهارات الاجتماعية لديه.

 

كما أن إدراك الطفل للموسيقى والعلاقة بين الموسيقى وبين حركاته المختلفة قد تعمل على إثارة التواصل لديه وتعمل على حدوثه من جانبه على أثر تنمية مهاراته اللغوية. ومع بداية قيام الطفل بالتواصل سواء اللفظى أو غير اللفظى وصدور استجاباته المختلفة التى تعكس مثل هذا الأمر يصبح بإمكاننا أن نستخدم الموسيقى لتشجيعه على إصدار الكلام والتلفظ، وبالتالى فإن قيام الطفل بالعزف مستخدمًا آلات النفخ قد يساوى تعلمه إصدار الأصوات والتلفظ، كما أنها تعمل من جانب آخر على تقوية وعيه واستخدامه الوظيفى للشفتين واللسان والفكين والأسنان، كما أن استخدام الأنماط النغمة والملحنة من التركيبات اللفظية يعمل على بقاء الطفل منتبهًا لما يحدث من أصوات، أى أنه يزيد من انتباهه للكلمات المنطوقة فضلًا عن فهمه لها.

 

وكما اشار العديد من الباحثين إلى أن الألعاب الموسيقية ترتبط بإصدار الطفل للكلمات ذات المعني، وهو الأمر الذى يسهم بشكل فاعل في إقامة علاقة مهمة بين الطفل ووالده من ناحية، وبين الطفل وأقرانه من ناحية أخري، فتعمل الموسيقى بشكل فاعل على الإقلال من أنماط الحديث الذى لا يمكن استخدامه في سبيل تحقيق التواصل وهو الأمر الذى يؤدى إلى الإقلال من تلك العقبات التى يمكن أن تحول دون تعلم الطفل للمهارات اللغوية الوظيفية.

أن العلاج بالموسيقى كما كشفت العديد من الأدبيات يؤدى إلى الإقلال م الترديد المرضى للكلام وذلك بنسبة تصل لـ ٩٥٪ إلى أقل من ١٠٪ تقريبًا في أى موقف تواصلي، وهو الأمر الذى يثير الفضول في هذا الصدد، حيث يعد التردد المرضى للكلام من أهم الأمور التى تحول دون حدوث التواصل الفعال لدى الأطفال التوحديين.

ويعمل العلاج بالموسيقى على تنمية المهارات اللغوية لهؤلاء الأطفال، ويساعدهم في نمو اللغة والكلام

■ تدريب الطفل على القيام بالعزف على آلات النفخ المختلفة والقيام بتقليد التمرينات الحركية الشفوية المتنوعة التى يمكن تقديمها له آنذاك في سبيل تقوية الوعى بالشفتين واللسان والفكين والأسنان واستخدامها بشكل وظيفي.

■ تمرينات التلفظ vocalization «الغناء سواء لحروف ساكنة أو متحركة، فردية أو جماعية، مختلطة أو منتظمة، وضبط التنفس».

■ الكلمات المنغمة التى تساعد على اكتساب وصدور اللغة التعبيرية.

■ الكلمات والجمل المنغمة والقيام بتكملتها يساعد في الحد من الترديد المرضى للكلام.

ومن جانب آخر فإن الموسيقى يمكن أن تعمل على تشجيع الطفل كى يتحدث ويستخدم اللغة أو المفردات اللغوية المختلفة، أى يساعده من هذا المنطلق على التواصل اللفظي.

اشار العديد من الباحثين إلى أن الألعاب الموسيقية ترتبط بإصدار الطفل للكلمات ذات المعني، وهو الأمر الذى يسهم بشكل فاعل في إقامة علاقة مهمة بين الطفل ووالده من ناحية، وبين الطفل وأقرانه من ناحية أخري.