في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
37 – جميل بن معمر
" أقلّب طرفي في السماء لعله
يوافق طرفي طرفها حين تنظر "
مساكين أهل العشق!، أولئك الذين يرضيهم أقل القليل ويمنحهم بصيصا من الأمل، ليس لأنهم من الزاهدين القانعين، بل لأن القليل القليل من المتاح، هو أفضل بالضرورة من لعنة الخواء واللا شيء.
لا أحد يملك الطبيعة ويحتكر عطاياها، وللجميع فيها نصيب لا ينازعهم فيه أحد. قد تنأى المسافات بين حبيبين فيفترقان كرها أو عمدا، لكن الشمس تظهر لهما والقمر، والنجوم تلوح، والسماء الرحيبة تظللهما صباح مساء. من يدري!. ربما تقع المصادفة المعجزة المذهلة، ويلتقي البعيدان المأزومان في نظرة واحدة تزرع أحلاما غامضة. إن لم يكن اللقاء المباشر واردا أو ممكنا، فلا أقل من الإحساس بالنشوة لأن عالما واحدا يجمعهما.
الوحدة قاسية مرعبة لا تُحتمل، والغربة التي يتعذب فيها جميل لا تكمن في انفضاض الناس من حوله، فما أكثرهم وما أعظم ضجيجهم ولغوهم، لكن الاغتراب المدمر في غيابها. يتطلع إلى السماء، ويراود المشترك المتاح الذي تتبخر معه كوابيس الغياب. لن يراها بطبيعة الحال، والأمل المشتهى أن تشاطره النظر في اللحظة نفسها، وتتجه عيناها إلى الموضع الذي يراه.
الرضا بالقليل أم العدم؟!.
هذا هو السؤال.. هذا هو الاختيار.