تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الكلمة خالدة لا يمنعها سيف، ولا تسجنها قوة، ولا تغلبها سلطة. منذ عهد الطغاة الأوائل، منذ الإسكندر المقدوني ويوليوس قيصر، وحتى سفاحي القرون الوسطى، بدءًا من الحجاج الثقفي وصلاح الدين الأيوبي، ثم مجانين السلطة مثل أدولف هتلر وصدام حسين، كانت الكلمات هي العدو الأول، وكان التفكير هو الجريمة الكبرى، وكان الإبداع هو المتهم الدائم.
لذا، فقد اندهشت من سذاجة الطبالين والزمارين وهتيفة الإخوان، عندما منعوا عرض مسرحية بقصر ثقافة الغردقة لأنها تسخر من سماسرة الإسلام والمتسلقين إلى الحكم على درج الدين. خافت السلطة الحاكمة وأذنابها من نص إبداعي اسمه “,”ديوان البقر“,” للمؤلف أبو العلا السلاموني؛ لأنه يقدم نموذج القطيع السياسي الذي يطيع بلا مناقشة، ويؤيد دون تفكير.
إن نزار قباني كان يقول: “,”أنا ممنوع في كل مكان، إذن أنا موجود في كل مكان“,”، وهو قول يؤكد أن المصادرة، والمنع، والإحراق، لا تمنع فكرة أو معنى كان جديرًا أن يصل إلى الناس.
إن الأفكار مثل العصافير، تطير إلى حيث شاءت وشاء لها الله أن تصل، ومن السذاجة تصور أن أحدًا في عصر “,”الفيمتوثانية“,” قادر على منع نص، أو حجب رأي، أو إقصاء فكرة.
لن يرعبونا، ولن يخيفونا، أولئك الكذبة باسم السماء. ولا شك أن كل قطرة دم تنزف، وكل آهة ألم على مصر الحبيبة، وكل حائط مهدّم، وكل خراب منتشر يزيدنا عزمًا وقوة أن نواصل المعركة ضد الظلام بأقلامنا وكلماتنا وقصائدنا.
لا كتائب المخربين، ولا حشود البلطجية، ولا لافتات التكفير، يمكنها أن تحجز شلال الكلمات الحرة.
يقتل الجهلاء ضحاياهم بهدوء، بدم بارد ينزعون أرواح مخالفيهم ويرسلونها إلى بارئها. يصدقون شيوخهم وأساتذتهم؛ فيتبعونهم دون تفكير أو تدبير. ما يقوله المعلم حق، وما يطلقه من أحكام مقدس؛ لأنه علمهم من قبل: “,”من علمني حرفًا صرت له عبدًا“,”، كما تقول الحكمة الشهيرة.
كنت أقول -وما زلت- إن الدين تحوّل بإيمانهم إلى سكين، وإن القرآن أصبح بأفواههم فرمانًا، وانقلبت السماحة إلى استباحة، والبِر إلى شر، والصحوة إلى سطوة، واليد التي خلقها الله لتزرع وتبني إلى يد تبطش وتؤذي.
كان فولتير يقول للمختلفين معه في الرأي إنه على استعداد أن يدفع رأسه ثمنًا كي يقولوا آراءهم، لكن رجال الإرهاب المتأسلم على استعداد أن يدفعوا أرواحهم ثمنًا لنصمت.
لكننا لن نصمت.. أبدًا.. والله أعلم.
[email protected]