السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأصولية الإسلامية والتجديد (2 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا ما انتقلنا إلى مسألة تجديد الأصول في الثقافة الإسلامية فإننا سوف نجدها أصيلة بأصالة الإسلام، وطيعة بطبيعتها ومؤهلة في بنيتها للتطوير والتحديث. وذلك لانها وثيقة الصلة بالمقاصد الشرعية. فالتجديد في اللغة:- إعادة الشيء جديدًا، وفي الفكر إثبات جدّة وطرافة الأصول والثوابت بعد إحيائها وتخليصها مما أعاق فاعليتها وأثرها.
وينتقل "عبد المتعال الصعيدي" إلى مناقشة الأسباب التي أدت إلى إخفاق المجددين، وحصرها في:
- استبداد الحكومات الإسلامية، مما يباعد بين الحاكم ورعيته وينَفِرهم من مساعيه ويقعدهم عن تحقيق أهدافه، وبالتالي عدم استجابة الحكام للمصلحين من الرعية والناصحين من ذوي الرأي. ويؤكد الصعيدي أن الصراع بين أفراد الأمة أو طبقاتها يعد من أقوى معاول الهدم لأي مشروع تجديدي. 
- عدم وجود خطة إصلاحية شاملة، بل نجد خطط جزئية تهتم بأمور دون الأخرى، مثل الدعوى الوهابية( التي عولت على النص والتراث الفقهي في فهم الدين وتوجيه المسلمين واهملت في الوقت نفسه العلوم المدنية ) أو نهضة الكماليين( تلك التي الغت نظام الخلافة وفصلت بين الدين والحياة وعولت على العلم وحده في التربية والأخلاق وتسيير أمور المعيشة، ظنًا من دعاتها ان هذا السبيل سوف يوصلها إلى الرقي والتقدم ) أو إصلاحات العلمانيين المحدثين التي اتخذت من الفلسفات المعاصرة سبيلًا لنقد الثوابت العقدية والأخلاقية باسم الحداثة وما بعدها وحرية البوح والاعتقاد واختراع دين إنساني عالمي يتغير تبعًا للحاجة والثقافة السائدة.
- جمود بعض علماء الدين وعجزهم عن إقناع الجمهور بسلامة موقفهم المحافظ وإصلاح أحوالهم والاستجابة لمشروعاتهم، مع عدم تقديم حلول ناجعة للقضايا المعيشة، الأمر الذي ترتب عليه فقدان الثقة من قبل الجمهور بالمنابر الدينية والسير في ركاب المحافل الماسونية ولاسيما بعد ظهور القوى الرجعية التكفيرية والجماعات الدينية المسايسة مثل الإخوان المسلمين التي اتخذت من العنف سبيلًا للإصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- خوف الحكام من الحركات التجديدية ومحاربتها، وذلك بإيعاز من الدوائر المحيطة بكرسي السلطان أو الحاكم بحجة أن مسايرة المألوف أسلم من دروب المجهول وغير المعروف، وأن التقليد راسخ بالعادة، أما التطوير والتحديث والتجديد يحتاج إلى قيادة وجهد للسيادة، وظهور أنداد وخصوم لا يؤمن شرهم ولا يرُجى منهم إفادة.
- تآمر الدول الغربية على الحركات التجديدية والإصلاحية الإسلامية وإضعافها والتشكيك في أغراضها. ويبدو ذلك بوضوح في عمل دوائر الاستشراق العقدي والسياسي على تشكيل جماعات من بين المسلمين لمناوئة ومعاداة والحط من شأن أرباب التجديد وتحريض الجامدين على تكفيرهم وتدعيم العلمانيين للتسفيه من خطاباتهم وتيئيسهم واضطهادهم. ذلك كله فضلا عن تأسيسهم وتشجيعهم للفرق والجماعات الجامحة والجانحة والضالة والإرهابية لتشويه صورة الإسلام، وإجهاض الحركات الإصلاحية. بالإضافة إلى عجز ارباب الاتجاه المحافظ في ظل المناهج الازهرية العقيمة عن الرد على أكاذيب المستشرقين ودعاة الالحاد والجماعات المتشددة الجانحة بأسلوب يقبله العقل وتؤكده المقاصد الشرعية.
وقد اتضح ذلك خلال المساجلات والمناظرات والردود التي ادلى بها أعضاء لجنة كبار العلماء بالازهر ومن سار في ركابهم. ويقول في ذلك "وهذه هي أهم الأسباب التي كان لها أثرها في عدم وصولنا إلى التجديد الحديث في هذه القرون، فإذا أردنا أن نسير بعد هذا في التجديد عرفنا ما أعاق منها نجاحه، واتقينّا في المستقيل أخطاء الماضي لنسلك في الإصلاح وسائله الصحيحة، ونأخذ في التجديد بالأسباب الموصلة إلى النجاح، ولا يمكن هذا إلا إذا علم ملوكنا وأمرائنا وأولياء الأمر فينا أنه لا بقاء لنا ولهم إلا بالتجديد والإصلاح، وإلا إذا علم الجامدون منا أن المنادون بالتجديد مخلصون للدين مثلهم ولا يريدون إلا النهوض به بين الأمم، فإذا علم هؤلاء وأولئك ذلك خلصت النيات وأمكن الاتفاق على الوسائل التي تؤدي بنا إلى مالم نصل إليه من التجديد الحديث."
أما عن سمات المجدد فقد لخصها الصعيدي في:-
- العزوف عن الملك ومطامع الجاه والسلطان.
- ضرورة الابتعاد عن الادعاء بأن من يتصدى للتجديد انه ملهم أو يأتيه الخبر من السماء- شأن أئمة الشيعة المحدثين وارباب الفرق المحدثة - 
- الاعتماد على العقل والنقل معًا في إصدار الفتاوي والأحكام.
- فتح باب الاجتهاد والاحتكام إلى الحجة والبرهان في الأمور التي لم يرد فيها نص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة.
- أن يكون غرض المجدد هو الإصلاح الشامل لحال المسلمين -دينهم ودنياهم- عقائدهم وعاداتهم. وذلك لتفعيل المقاصد الشرعية.
ويقول "وطالب الإصلاح والتجديد ليس إلا عالما من علماء المسلمين لا يملك من دنياه إلا علمه، ولا يعتمد في تأييد دعوته إلا على دليله وبرهانه، فمن آمن بدعوته كان له أجر هدايته ومن لم يؤمن بها لم يحمل شيئًا من وزره، ومع هذا لا يكون هناك ما يُضغِن قلبه حتى يثير بضغنه فتنة أو يقيم به حربًا وإنما يهمه أن تنتصر دعوته بالسلم لترتفع أعلام الإصلاح وتظهر آثار التجديد، وينهض المسلمون في دينهم ودنياهم، ويكون له بهذا فضل هدايتهم وشرف الجهاد في الإصلاح والتجديد بينهم." 
وانتهي "الصعيدي" إلى أن التجديد يجب أن يكون وليد ثورة عامة شاملة ضد الجمود والتبديد في الأمور الدينية والأمور المدنية سواء بسواء، على أن يقوم بها ثوار مخلصون لرسالتهم غير متفرقين في وجهتهم حتى لا تتبدد قواهم ويستحيل اجتماعهم على الإصلاح إلى فُرقة وشقاق لا يؤدي إلا للتعصب وتحزب ممقوت وتفكك في الرأي الجمعي وتقاعس الجمهور، بل وانصرافه عن الاستجابة لتوجهات المصلحين، ويؤكد أن ذلك لن يتأتى إلا بوجود تواصل فكري بين إمام المدرسة الفكرية التي تسعى للتجديد وبين أعضائها الذين يضطلعون من بعده بحمل الراية وتنفيذ الخطة الموضوعة، على أن يكون تباينهم في الآراء محصورًا في الفروع وليس في الأصول، ويقول "نعم على من يدعي الإصلاح بعدهما - أي "جمال الدين الأفغاني (1838-1897م)" و"محمد عبده (1849-1905م)"- أن يكون صريحًا فيه مثلهما، وأن يترك دعوى أخذ الإصلاح بالحكمة والهدوء، فإنما يفعل هذا من يؤثر الوظيفة ومغانمها على الإصلاح ومغارمه، ويؤثر السلامة في مداراة الرجعيين على الخطر في منابذتهم ومثل هذا التردد لا يتم به إصلاح ولا يقضى به على الجمود، وإنما هي الثورة ولا شيء غير الثورة ولا يقتصر أمر الانحراف في دعوة الإصلاح الآن على هذا التردد بل يتجاوزه إلى صميم الدعوة الإصلاحية فقد كانت عامة شاملة على عهد (جمال الدين الأفغاني) و(محمد عبده) أما الأن فقد تفرق دعاة الإصلاح فيما يدعون إليه، وصار لكل واحد منهم غاية من الإصلاح يتجه إليها وحدها ويرى أنها هي الإصلاح لا غيرها، وقد يحمله التعصب لها أن يعادي من يدعو إلى غيرها من وجوه الإصلاح وتقوم بهذا حرب بين أولئك المصلحين وقد تكون أشد مما تقوم بينهم وبين الجامدين، وقد نشأ هذا مع غيبة المصلح الثائر الذي يجمع الإصلاح كله في ثورته ويضم أنصاره كلهم تحت لوائه، فلا يسمع لغيره كلمة في الإصلاح وإنما تكون هناك زعامة واحدة لذلك المصلح الثائر."
وللحديث بقية..