الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحب والعزلة في زمن "كورونا"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحب والعزلة فى زمن "كورونا" 
سهام العقاد
أثار فيروس "كورونا" المستجد حالة من الهيستيريا والذعر والقلق بين سكان الكرة الأرضية، حالة من التخبط أصابت البشرية.
إنها المرة الأولى التى نشهد فيها غلق المطارات، وعزل الدول والشعوب من التواصل الإنسانى والثقافى والاقتصادى!، وتحولت المدن إلى أشباح فارغة من المارة مع حظر التجوال.
وبات الجميع فى حالة من العزل الانفرادى وكأننا نقضى عقوبة من أقسى العقوبات، فالعزلة المطلقة مرادفة للجحيم المميت، والتباعد الاجتماعى يؤدى حتمًا إلى الاغتراب، فالإنسان يكره القيود فهو كائن اجتماعى بطبيعته، لا يستطيع أن يعيش معزولًا، هو بحاجة ماسة إلى البشر فى جميع مراحل الحياة، ومن الصعب لإنسان أن يحيا منعزلًا بعيدا عن الآخرين، خاصة أن الحياة تفرض عليه التواصل مع المجتمع الذى يعيش فيه، الإنسان يأنس دائما بالأحباب والأقرباء، ولا يستطيع أن يحيا بدونهم. 
تحدث بعض المفكرين والباحثين الغربيين عن تأثير ضعف العلاقة فى مجتمعاتهم بين الفرد ومحيطه الاجتماعى والتى تؤدى حتمًا إلى بروز الظواهر السلبية كمرض الاكتئاب، والشعور بالإحباط، وسائر الأمراض النفسية.
فيما إحتفى البشر على مر الزمن ببهجة التواصل الاجتماعى، خاصة أن مميزات العلاقات الإنسانية والصداقة الحميمة لا تعد ولا تحصى، دائما نشعر بالود والراحة بالقرب مع من تألف لهم قلوبنا.
لكن ما باليد حيلة، قضى الأمر ولم يبق لنا سوى التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، فقد نجحت شبكات الإنترنت فى استمرار التواصل بين البشر مع بعضهم البعض ليل نهار، وفى أى مكان على وجه الأرض، إلى جانب الرغبة فى المعرفة، ومتابعة ما يدور فى الحياه حولنا، فى ظل الكارثة التى يحياها العالم اليوم باتت السوشيال ميديا هى الوسيلة شبه الوحيدة للاتصال والتواصل والمعرفة، وهى أيضًا الجانب المضىء والمبهج فى العزلة الإجبارية. 
إلا أن وسائط التواصل الاجتماعى لم تخل من سلبيات بفعل الشائعات والأخبار المزيفة والخرافات والأكاذيب التى تنتشر على فيس بوك وتويتر ومختلف وسائل التواصل، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الهلع والقلق، والشك الذى أدى بدورة إلى فقدان اليقين.
يقول عالم النفس سيجموند فرويد "القلق هو المادة الخام لكل الأمراض النفسية"، خاصة بعد أن سيطر التوتر والقلق على معظم سكان الكرة الأرضية الخاضعين لتداعيات الوباء القاتل، سواء من حجر صحى، أو عزلة، أو إصابة بالفيروس.
فى يوم وليلة إختلف العالم تماما وتبدلت أحواله مع هذا الكوفيد اللعين، أو بات شبح الموت يسيطر على خيال البشر، وأصبح الصديق والجار محل شك وخوف إذا كان حاملًا للوباء أم لا، فقد تغيرت علاقة البشر ببعضهم البعض حتى فى نطاق العائلة الواحدة، فهذا أب يخشى أن يقترب من زوجته أو شقيقته، حتى ابنته فلذة كبده، وتلك الصديقة تمنع الجميع من زيارتها، أو ربما تكون أنت شخصيًا ناقلا للجائحة، فى حين أغلقت البيوتات والمطاعم والحانات والحدائق فى وجه الأحباب في أعياد الأقباط وشم النسيم، وتبدلت الاحتفالات لأول مرة فى حياتنا لتكتسى بطعم القلق والوحشة.
إن آجلًا أو عاجلًا سوف يذهب المستجد لحال سبيله، كأنه حلم مزعج أو كابوس ومر، لكنه لم ولن يترك البشرية كما كانت من قبل، ربما تتخلق نظريات جديدة فى الفن والعلم والحياة، ربما تولد مفاهيم وأفكار ورؤى مشرقة للإنسانية لم تكن على البال والخاطر، فنحن على سبيل المثال لا الحصر لم نكن نتخيل أن نمارس أعمالنا من المنزل، فقد نجحت تلك التجربة إلى حد بعيد، وكذلك أن يؤدى الطلاب امتحاناتهم من منازلهم، وغيرها من المستجدات، وهو ما سوف نكتشفه بعد زوال ذلك المستجد القاتل. 
ربما ينتصر الحب على الوباء مهما كانت قسوته، وربما تختلف كل الحيوات القادمة لتصبح أجمل، وفقًا للشاعر التركى ناظم حكمت "أجمل الأيام تلك التى لم نعشها بعد".