السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رمضان.. مشاهد احتجزتها ذاكرة الطفولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
”لازالت عالقة في أعماق نفسي تلك المشاهد المختزنة في ذاكرة الطفولة , وﺍﻟﺘﻲ تستدعيها نفسي في أحيان كثيرة , ولأسباب متنوعة , تعود أحيانا لاشتياقي الشديد لاستعراض هذة المشاهد , وأحيانا أخرى من اجل الهروب من واقع مؤلم آلت إليه حياتنا بتفاصيلها المملة الرتيبة , فإنى بنفسى إلى الغوص في أعماق أزمان خلت تجلت فيها براءة الطفولة , واقصد بالتحديد تلك المشاهد المتيقظة دائماً بالذاكرة والمتعلقة بالطقوس الخاصة باستقبال شهر رمضان المبارك , وهنا يحضرني أننا عندما كنا صغار , كانت لنا طقوسنا السحرية لاستقبال هذا الشهر الفضيل , والتى غالبا ما كانت تبدأ قبل قدومه بفترة ليست بالقصيرة , حيث كنا نقوم بتحضير أوراق الزينة و الخيوط و الكلة والفانوس الخشبي الكبير ذو الواجهات الملونة المصنوعة من الورق السلوفان , وكان يتم ذلك التجهيز بعد رحلة مضنية وعقب عدة جولات مكوكية الى ورشة عمى ”احمد“ النجار المتعهد الرسمى للحى لصناعة فانوس رمضان , وما يتخللها من مناهدات وفصال فى ثمن الفانوس الخشبى الكبير , لاننا ببساطة لم نكن نملك فى جيوبنا المثقوبة الا بعض قروش قليلة , وفى النهاية ومثل كل عام يضطر العم ”احمد“ صاغراً إلى قبول تلك القروش الزهيدة ومن ثم الرضوخ لارادتنا.
ولا أزال أتذكر وقفتنا علي جنبات الشوارع ونحن نترقب سماع صوت المذياع وهو يعلن رؤية الهلال, وان اليوم هو المتمم لشهر شعبان وبالتالي يكون غدا اول ايام شهر رمضان , فننطلق مسرعين متنافسين إلى بيوتنا , مرددين : وحوى يا وحوى إياحا , ومن جديد نرجع مسرعين حاملين في أيدينا الفوانيس النحاسية بعد أن أوقدنا شموعها , ثم نقوم بفرقعة ”البمب“ و”الصواريخ“ سعداء مبتهجين , ونطوف على المحلات والمقاهي مرددين: ”عاوزين الحلولة“ , وغالبا ما كانت تأتي الحلولة على شكل حبيبات فول سوداني وجوز ولوز وبندق وفستق وزبيب , فنملأ بها جيوبنا ونحن مبتهجين . 
كانت الشوراع أشبه بساحات الاحتفالات , حيث ارتدت أبهى حلتها وتزينت بأجمل اكسواراتها , وتألقت المساجد بإضائتها الملونة مختلفة الأشكال والأحجام وانبعثت منها أصوات المنشدين الصداحة على واقع أنغام العشق الإلهي , واحتل الباعة الجائلون ممرات المشاه , وازحمت المحلات بناسها واضعة أمامها أكواما من الأطعمة والمشروبات , وتناثرت على الجنبات الاكشاك المؤقتة لبيع الكنافة والقطايف. 
ومع أولى نسائم الشهر الكريم, تبدأ رحلة المسحّراتي في السريان, حيث يجوب الشّوارع والأزقّة والحارات, حاملاً طبلته الصغيرة المعروفة بالـ ”البازة“, قارعا عليها بقطعة من الجلد , مناديا علي سكان المنازل بأسماء أطفالهم داعيًا إياهم للإستيقاظ , وهو يردد: أصحى يانايم .. وحٌد الدايم .. وقول نويت.. بكره ان حييت.. الشهر صايم.. والفجر قايم.. اصحى يانايم .. وحد الرزاق .. رمضان كريم , إن الذى لم ير رمضان مصر لم يرى جمالة“