الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيناء.. وجمال حمدان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يصادف الحديث عن سيناء هذا الأسبوع ذكرى الإسترداد الكامل لتلك الكتلة التى كانت وما تزال تشكل ركناً ركيناً فى الذاكرة الوطنية، حيث يعدها البعض كتاباً مفتوحاً وتجسيداً حياً لتاريخ مصر عبر العصور. ونظراً لأن التناول العاطفى يخرج دائماً باطراف القضية ومفردات الحوار إلى ساحات (اللاعقل) فإن الأجدى إستخدام لغة العلم التى تتسم بالموضوعية لتأخذنا إلى آفاق ترتيب العقل بعقلانية العرض. و مادام الأمر كذلك فلم أجد أفضل من جمال حمدان طيب الله ثراه لتصبح بعض رؤاه حيال سيناء ركيزة المقال ومنطلق الثوابت الراسخات حيالها، حيث سنكتفى بإلقاء الضوء على بعض العناوين التى مثلت وقفات فكرية حيال الحديث عن سيناء من شأنها فتح آفاق جديدة فى تجديد الرؤية حيالها. 
لقد جاء كتاب حمدان عن سيناء مرتكزاً على ثلاثة أبعاد هى الإستراتيجية والسياسة والجغرافيا. وأحسب أن المطالع للبدايات الأولى للتكوين (الجنينى) التاريخى لمصر، لا يمكنه أن يغفل الوجود السينائى المكانى فى مفردات الحضور الوطنى الزمانى. وليست القضية فى كونها البوابة الشرقية لمصر حسبما يتردد هذا الوصف ولكنها وكما يرى حمدان هى منطقة ذات خطوط دفاعية صاغت شخصيتها الإستراتيجية وأهميتها الممتدة حتى الشام. نعم فالقراءة الجيدة للتاريخ سوف تحمل المتابع عبر العصور إلى لُحمة غير منظورة ولكن محسوس بها ينساح فيها الإمتداد السينائى إلى العمق الإستراتيجى للإقليم السورى. وهذا ما يفسر أهمية سيناء للوجود الصهيونى على أرض فلسطين. ومن ثم تأتى أهمية رؤية حمدان عن دور سيناء فى نظرية الأمن المصرى عندما إعتبرها أنها 
"لا تحدد مصير مصر وحدها، ولكن العرب أجمعين".
أما سيناء فى السياسة فيؤكد حمدان على "مصرية سيناء" وأنها وإن كانت أرضاً للبداوة فإنها "لم تكن يوماً أرضاً بلا صاحب". وهذه الجملة تحديداً قد لخصت الكثير مما يمكن إستعراضه على مستوى التركيب الطبيعى بل ويحسم الجدل المفتعل – فيما نرى- حول إفريقية سيناء مقابل آسيوية مصر. فإذا ما ربطناه بما أورده حمدان فى البعد الجغرافى ويخص تحديداً الهيكل العمرانى فإن "التعمير البشرى" أو "التبشير العمرانى" على حد قوله هو هدف سيجعل من سيناء "طاقة سكانية وعمرانية تصب فيها مصر الوادى بعض فائضها البشرى".. هذا الهدف من شأنه على المستوى الإستراتيجى وقف سياسة إبتزاز الموارد التى كان يمارسها المعتدون إحتلالاً ليتبعوها بسياسة التخريب والتدمير إنسحاباً.
والواقع فإنه بحكم ثوابت الجغرافيا ومعطيات التاريخ فإن شبه جزيرة سيناء لا تعد جزء يمثل مجرد قطعة أرض على أهميتها بل هى إلى جانب كونها كتاباً مفتوحاً لتاريخ وطن، تمثل أيضاً حاضره التنموى ومستقبله الواعد لمصلحة أجيال من حقها أن تجعل منه حقيقة واقعية لتلك الفكرة العبقرية التى تحاول أن تعيد التقسيم الإقليمى للوطن وفق نطاقات عرضية تبدأ من حدوده الغربية وتنتهى بمثيلتها الشرقية. بحيث تصبح سيناء ضمن المنظومة التكاملية للتنمية المستقبلية فى الدولة المصرية.
لتبقى فى النهاية تحية واجبة لروح جمال حمدان فى ذكرى وفاته، حيث تم إختياره عن إستحقاق شخصية العام فى معرض القاهرة الدولى للكتاب. وتحية أخرى لشهداء الوطن وحماته الذين لو إستُنطقت رمال سيناء لكتبت أسماءهم برمالها النورانية ووجودها السرمدى. وكل عيد لتحرير سيناء وربوع مصر المحروسة بكل خير.