الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران سابا أسبر يوجه كلمة تعزية في ضحايا وباء "كورونا"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال المطران سابا اسبر راعي الإيبارشية بدمشق: لا مجال لليأس عندنا كما وعلينا ألّا نعاند أو نقاوم الإجراءات الوقائيّة التي تتّخذها الحكومة كي تحدّ من انتشار الوباء وما يترتّب عليه من تداعيات، كالتي نراها في حياة الكثيرين من الناس من الخطأ التحرّك ضدّ إجراءات السلطات المحليّة، بل علينا أن نعمل بما تقوله الحكومة لأنّها لا تطلب منّا أن ننكر إيماننا: الحكومة تطلب فقط أن نقوم ببعض الإجراءات حبًّا بالمصلحة العامّة للمواطنين وذلك كي تعبر هذه المحنة وهذا موقف منطقي ومعقول. بعض الناس يعتبرون موقفهم اعترافًا بالإيمان فيرفعون الرايات ويتصرّفون كما لو أنّهم شهداء ومعترفون بالنسبة إلينا، ما من شكّ في حسن موقع الدولة وعلينا أن نخضع لها من الظلم التمرّد على الدولة، فنحن عندما نمرض نُحمل إلى مشافيها وهي التي تتكفّل بالأعباء الماليّة التي تتطلّبها عنايتنا ولماذا لا نسمع القسم الثاني؟ إنّها أخلاق (أو فكر) المسيح التي أظهرها الله في حياته على الأرض وهي الوصيّة الرسوليّة التي قبلناها "أطيعوا رؤساءكم (تيطس ٣) وهذا نفعله حبًّا بالربّ (١ بطرس ٢).
وأضاف قائلا: إن كنّا لا نطيع حكوماتنا التي لا تطلب منّا الكثير كيف لنا أن نطيع الله الذي يهبنا النواميس الالهيّة الأسمى والأرفع بكثير من أي قانون بشريّ؟ قال المدافعون عن الإيمان في القرن الثاني: إن كنّا نحفظ نواميس الله فنحن فوق نواميس البشر، عندما كانت الامبراطوريّة الرومانيّة تضطهد المسيحيّين. وممّا يدعو للعجب حيث نعيش، أعني في بريطانيا، أن لاعبي كرة القدم يبدون تفهّمًا وتميّزًا بحيث يكونون أوّل من ينسحب من كلّ النشاطات الرياضيّة استجابةً لإجراءات الدولة الوقائيّة. ومن المحزن أن نكون، نحن أبناء الإيمان، دون الموقف الذي اتّخذه الرياضيّون، فلا نستجيب للسلطات المحليّة التي تصلّي كنيستنا من أجلها.
واستطرد الحديث عبر صفحته الرسمية مع المؤمنين قائلا: وإذا طالبونا بأن نتوقّف عن إقامة الصلوات في الكنائس، فلنذعن ونبارك العناية الالهيّة. إلى ذلك، هذا يذكّرنا بتقليد قديم حفظه الآباء القدّيسون في فلسطين؛ ففي الصوم الكبير، وفي أحد مرفع الجبن، وبعد المسامحة، كانوا ينطلقون إلى الصحراء طيلة أربعين يومًا منقطعين عن القدّاس الإلهيّ، حيث يواظبون على الصوم والصلاة كي يستعدّوا للعودة في أحد الشعانين للاحتفال وبطريقة إلهيّة بآلام وقيامة الربّ. وهكذا، فالظروف الحاضرة ترغمنا على أن نعيش مجدّدًا بمقتضى ما ساد في القديم في حضن الكنيسة، أي إنّ الظروف ترغمنا على عيش سيرة هدوئيّة (hesychastic life) مع مزيد من الصلوات التي تكون بدل القدّاس الإلهيّ (الذي لا نقيمه). وتعدّنا للاحتفال بآلام الربّ يسوع المسيح وقيامته بشوق أعظم. وهكذا نحوّل هذا الوباء إلى نصرة للهدوئيّة (hesychasm). على كلّ حال، كلّ ما يسمح به الله في حياتنا بداعي خيريّته وصلاحه، فهو من أجل خير الناس، لأنّه لا يريد خليقته متضرّرة بأيّ شكل من الأشكال.
وأوضح قائلا بكلّ تأكيد، إذا كنّا قد حّرمنا من القدّاس الالهيّ لفترة طويلة، فسوف نتحمّل ذلك. ترى ماذا ننال في القدّاس الالهيّ؟ نحن نشارك في جسد المسيح ودمه، وجسده ودمه ممتلئان من نعمته. هذه كرامة عظيمة وإحسان لكلّ إنسان. غير أنّنا ننال نعمة الله أيضًا بطرق شتّى وعديدة. عندما نمارس الصلاة الهدوئيّة (hesychastic prayer) فنحن في حضرة الله مقيمون، بينما أذهاننا في قلوبنا تنادي اسم المسيح القدّوس (إشارة إلى صلاة الربّ، الأب المعرِّب). والاسم القدّوس، أي اسم يسوع، يجلب لنا نعمة المسيح لأن النعمة لا تنفصل عن شخص يسوع، فتقودنا إلى حضرته. وحضور المسيح هذا ينقّينا ويطهّرنا من كلّ معاصينا وخطايانا ويجدّد قلوبنا وينيرها حتّى تتشكّل في داخلنا صورة الله الربّ يسوع المسيح.
وأشار قائلا وإذا لم نعيّد الفصح في الكنيسة فلنتذكّر أن كلّ اتصال بيننا وبين المسيح هو فصح. نحن ننال النعمة في القدّاس الالهيّ لأن الربّ يسوع المسيح حاضر فيه. وهو يقوم بالسرّ وهو نفسه يُعطى للمؤمنين. وعندما ندعو اسمه القدّوس، فنحن نلج إلى حضرة المسيح وننال النعمة نفسها. لذلك إذا حُرمنا من القدّاس الالهيّ فنحن نمتلك اسم المسيح القدّوس على الدوام، ولا نكون محرومين من الربّ. إلى ذلك عندنا كلمته، أعني بها الإنجيل. إذا سكن الإنجيل في قلوبنا وكنّا ندرسه ونطالعه ونصلّي، سيصير هو لغتنا التي بها نخاطب الله كما خاطبنا هو، ومن جديد ننال النعمة نفسها. لأنّ كلماته كلام حياة أبديّة (يوحنا ٦: ٦٨). والسرّ نفسه يُقام فننال نعمته ونتقدّس.
وفي نهاية الحديث قال علاوة على ذلك، في كلّ مرّة نكون لطفاء مع إخوتنا يفرح الربّ ويرضى عنّا، معتبرًا بأنّنا قمنا بذلك باسمه فيكافؤنا. نحن نُظهر المحبّة لإخوتنا والربّ يجازينا بنعمته. هذه طريقة أخرى نستطيع بها أن نحيا في حضرة الربّ كذلك يمكن أن ننال نعمة المسيح في الصوم أيضًا، وفي الصدقة وفي كلّ عمل صالح آخر. وهكذا إذا أرغمتنا الظروف على عدم الاجتماع معًا في الكنيسة فيمكننا أن نتّحد بالروح في هذه الفضائل المقدَّسة المعروفة في جسد المسيح، أعني بذلك الكنيسة التي تحفظ وحدة المؤمنين مع المسيح ومع الأعضاء الآخرين الذين يؤلّفون جسده. كلّ ما نفعله حبًّا بالله هو ليتورجيا لأنّها تخدم خلاصنا. الليتورجيا هي الحدث العظيم في حياة الكنيسة حيث ينعم المؤمنون بإمكانيّة تبادل الحياة بينهم من خلال حياة الله غير المحدودة. إلّا أن قوّة هذا الحدث تعتمد على الاستعداد الذي نجريه من قبل عبر كلّ ما ذكر بالصلاة والأعمال الصالحة، بالصوم والمحبّة، محبّة القريب، مع التوبة طبعًا.
لذلك يا اخوتي ليس من الضروري أن تقوموا باعترافات بطوليّة ضدّ الحكومة على الإجراءات الوقائيّة التي تقرّرها خدمةً للمواطنين. كما أنّه علينا ألّا نيأس بل نوفّر، بحكمة، السبل التي من شأنها أن تجعلنا لا نفقد تواصلنا مع المسيح. لا شيء يمكنه أن يُلحق الأذى بنا علينا ببساطة أن نصبر لبعض الوقت والله الذي يرى صبرنا يرفع كلّ المعوّقات والتجارب عنّا فنعاين فجر الأيّام المبهجة ونحتفل بالرجاء الواحد العامّ وبالمحبّة التي لنا في المسيح.