السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب هنري عيروط.. واحد من الرواد الأوائل الذين اهتموا بتنمية القرية المصرية

الأب هنري عيروط
الأب هنري عيروط
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال ماجد كامل كبير باحثين بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، إن الأب هنري عيروط يعتبر واحدا من الرواد الأوائل الذين اهتموا بتنمية القرية المصرية ؛ ومازال كتابه الرائد "الفلاحون" يعتبر واحدا من أهم الكتب التي كتبت عن القرية المصرية رغم مرور أكثر من 80 عاما على صدوره( صدرت الطبعة الأولي منه باللغة الفرنسية عام 1938 ؛وتمت ترجمته إلى اللغة العربية عام 1942 كما سوف نرى في نهاية المقال).
أما عن هنري عيروط نفسه ؛ فلقد ولد في 20 مايو1907 من أسرة من أصل سوري نزحت إلى مدينة القاهرة خلال عام 1818 ؛وكان والده ويدعي حبيب عيروط يعمل مهندسا معماريا فأهتم يتعليمه وتثقيفه أفضل تعليم متاح في عصره ؛فألتحق بمدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين بالفجالة ؛ثم سافر إلى فرنسا لدرسة علم الاجتماع بجامعة ليون حتى حصل على درجة الدكتوراة وكانت في موضوع "أخلاق الفلاح وعاداته" ؛ولقد ترجمت إلى اللغة العربية تحت أسم "الفلاحون " وكان ذلك عام 1938 ؛ ؛ثم سيم كاهنا على الرهبنة اليسوعية في نفس السنة. وفي عام 1941 عين مديرا للجمعية الكاثولوكية للمدارس المصرية ؛ثم تولي رئاسة دير الآباء اليسوعيين بالمنيا ومدرسة الدير خلال الفترة من (1957 -1959 
ثم عاد إلى القاهرة ليتولى رئاسة مدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين خلال الفترة من ( 1962- 1968 ).سافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء محاضرات في معهد دراسات الشرق الأوسط والأدني بجامعة كولومبيا. منحته الدولة وسام الجمهورية من الطبقة الأولي في يوليو 1969. ولم يكتف في أهتمامه بالقرية المصرية فقط ؛بل أهتم بوضع الفقراء في وسط وجنوب أفريقيا فسافر إلى هذه البلاد للخدمة هناك لتطوير القري الأفريقية ؛ ونشر خبرته في هذا المجال في كتاب صدر باللغة الفرنسية بعنوان ( Liaisons Africaines) نشرته أسرته في كتاب صدر بعد وفاته عام 1975 ويتضمن ملخصا وتقريرا عن زيارته لهذه البلاد.
ويعتبر الأب هنري عيروط واحدا من الرواد الأوائل الذين دعوا إلى أهمية الحوار مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ؛وفي هذا المجال لعب دورا كبيرا جدا في الوساطة بين كنيسة إسكندرية وكنيسة روما من أجل عودة جزء من رفات القديس مارمرقس الرسول إلى أرض مصر في 24 يونيو 1968 إذ سافر إلى روما خصيصا وتقابل مع قداسة البابا بولس السادس للتفاهم في هذا الأمر. أهتم أيضا بالحوار المسيحي الإسلامي ؛ وفي هذا المجال شارك مع الأب الراحل جورج شحاتة قنواتي والشيخ الراحل محمد يوسف موسي وفضيلة الشيخ الراحل محمد بدران في تأسيس جمعية أخوان الصفا وكان ذلك خلال عام 1944 ؛والتي تحولت بعد ذلك إلى جمعية الآخاء الديني ومقرها كنيسة سيدة السلام بجاردن سيتي..كان أيضا عضوا مؤسسا بالجمعية المصرية للدراسات الاجتماعية منذ عام 1937 وحتي وفاته ؛ ومرشدا للكشافة المسيحية في مصر في عام 1952 ؛ عين عضوا بلجنة التربية المسيحية بوزارة التربية والتعليم ؛وعضوا بلجنة السياحة الدينية بوزارة السياحة.عين عضوا منتدبا بالمجمع العلمي المصري في عام 1968. 
ولقد توفي فجأة في يوم 10 أبريل 1969 بينما هو يستعد للدخول لإلقاء محاضراته في جامعة كولومبيا شعر فجأة بارتفاع مفاجيء في ضغط الدم أصيب على أثره بجلطة في المخ ؛ونقل سريعا إلى منزله ولكنه ما لبث أن توفي بمجرد دخوله المنزل. فتم نقل جثمانه سريعا إلى مسقط رأسه بمدينة القاهرة ؛وأقيمت الصلاة على جثمانه بالكنيسة الملحقة بمدرسة العائلة المقدسة بالفجالة.وحضر الصلاة مندوبا عن السيد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ؛ ووزير الصحة في ذلك الوقت ؛والأستاذ عادل طاهر وكيل وزارة السياحة ؛ وكبار رجال السلك الدبلوماسي والجمعيات الأهلية والعاملون في مجال الخدمة العامة. ورآٍس الصلاة على الجثمان الطاهر الكاردينال أسطفانوس الأول بطريرك الأقباط الكاثوليك في ذلك الوقت ؛ وسفير الفاتيكان بالقاهرة ؛والمطران ألياس زغبي مطران بيروت في ذلك الوقت ؛والأب الراحل المونسينور يوحنا طعمة مدير المدارس المارونية في ذلك الوقت ؛ والقس أديب شماس راعي الكنيسة الأسقفية في ذلك الوقت. وشارك في الصلاة على جثمانه أيضا من آباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نيافة الحبر الجليل الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والاجتماعية الراحل (والذي أستشهد مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في حادث المنصة الشهير في 6 أكتوبر 1981 ) ؛ونيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا دوماديوس مطران الجيزة الراحل.
لقد آمن الأب عيروط أن التعليم هو خير وسيلة لإصلاح حال الفلاح المصري ؛ وأن الميزانيات الحكومية غير راغبة في مواجهة هذه المشكلة مواجهة حقيقية ؛ فقام من فوره بإقتحام الميدان وأخذ في إنشاء المدارس المجانية في القري المحرومة من التعليم ؛فأرتاد هذه القري وعاش بين فلاحيها ينشيء مدرسة تلو مدرسة حتى تجاوز عدد المدارس في حياته نحو مائة مدرسة ؛وقام بالإشراف على الإدارة بنفسه لا يبغي من وراء ذلك أي ربح مادي ؛بل هدفه هو إعادة بناء الفلاح المصري على نحو جديد يشعره أن بلاده لا تنساه ؛ وأنهم بشر لهم الحق في التعليم والتثقيف مثل سائر البشر ؛ فأنشأ بذلك جيلا جديدا محب للعلم ؛وبث فيهم روحا جديدة حررتهم من الثالوث الشهير الفقر والجهل والمرض. كما قام الأب عيروط بتأسيس جمعية الصعيد للتربية والتنمية في عام 1941 ؛والهدف الرئيسي لهذه الجمعية هو التطوير الشامل للقرية المصرية ،ووضع لذلك خطة تهدف إلى:
1- توفير حق التعليم لطفل القرية.
2- تحسين المستوى الصحي للفئات المستهدفة من أطفال القرية.
3- تنمية البشر إقتصاديا وثقافيا وإنسانيا ( فيما عرف فيما بعد ب"التنمية الشاملة ") للقضاء على الجهل المتفشي في القرية.
أما عن كتابه الوحيد المترجم باللغة العربية وهو كتاب "الفلاحون " فلقد ترجم إلى اللغة العربية لأول مرة عام 1942 ؛وقام بالترجمة الدكتور محمد غلاب. وبعد قيام ثورة يوليو كلف المؤلف كل من الأستاذ محي الدين اللبان والأستاذ وليم داود مرقص بالقيام بعمل ترجمة أخري جديدة له بعد أن نقحه وأضاف إليه فصولا جديدة. وقدم للكتاب الكاتب المعروف الأستاذ محمد العزب موسي ؛ وكانت هذه هي الطبعة الثامنة من الكتاب وقد صدرت عام 1968. ثم قام المجلس الأعلي للثقافة بإعادة طبعه ضمن إصدرات المشروع القومي للترجمة الكتاب رقم 448 وصدرت في عام 2005. وكان من بين ما قاله الأستاذ محمد العزب موسي عن الأب عيروط في المقدمة ( والأب عيروط رجل دين ؛شغلته مشكلة الفلاحين ولم يجد فائدة في إلقاء عظة من فوق المنابر ؛بل رأي أن يفعل شيئا من أجل طبقة تؤلف ثلاثة أرباع سكان هذه البلاد.وأحس الأب عيروط أن النجاح مقرون بالاستفادة من الدرس والفحص والعلم ؛فأمعن في دراسة تاريخ الفلاح وتعمق قضاياه الخاصة ؛فجمع لهذه الغاية الوثائق والمستندات ) ولقد ذكر الأب عيروط في مقدمة الكتاب عن الصعوبات التي واجهته فقال ( ونود أن نقول للقراء ؛أننا اعتمدنا في هذا البحث على ما لاحظناه وحققناه بأنفسنا. وقد أستغرق منا البحث والاستقصاء سنين عديدة ؛كانت فيها المشاهدة والتحري عدتنا ؛ فنحن من مصر ؛ونعيش بين أهلها عيش المواطنين. وقد أمتدت مشاهداتنا وملاحظتنا طوال السنين في مختلف أنحاء الريف ؛ حيث لم ننقطع عن المشافهة والمحادثة والبحث والاستقصاء ووجوب أنحاء البلاد ومخالطة الطبقات حبا في الكشف والاستطلاع حتى جاء بحثنا نتيجة الملاحظة والتأمل الطويلين...لقد جاء هذا البحث وليد المشاهدة والتحقيق ). وفي هذا الكتاب أيضا كتب فصلا عن حالة الفلاح بعنوان "بؤس الفلاح " قال فيه ( يتمثل بؤس الفلاح في صورتين ؛الأولي بؤسه المادي وحرمانه من مقومات حياته الجسمية فهو فقير لا يكاد يجد القوت والملبس والمسكن. أما الصورة الأخري لبؤسه ؛فهي معنوية تتمثل في حرمانه من التعليم ؛وجهله وذلته وهوانه على نفسه وعلي غيره ؛ حتى أصبح دون المستوى الإنساني من هذه الناحية أي ظلم أفدح ؛وأي وضع أنكي من وضع الفلاح ؟ لقد حرم من نعمة التثقيف والترقية ؛والتربية والتعليم ؛ثم عوقب من ولاة أموره الذين تجب عليهم المسارعة إلى إنتشاله مما هو فيه تلك المآسي من فقر وجوع وجهل ومرض ؛من أسبابها التفكك والتمزق وانقطاع الصلة بين البلاد ؛ فبين الوجه البحري والقبلي قطيعة وتباعد ؛ومثل ذلك بين العاصمة وسائر البلاد الأمر إذن متعلق بإذكاء الشعور الإنساني في نفس هذا الجمهور الشهيد ورفع معنوية أفراده وجماعاته ؛وهذا واجب المثقفين من أبنائه هذه الرسالة السامية ؛هي رسالة المعلمين ورجال الدين هم قبل غيرهم وهم الذين تدعوهم طبيعة عملهم إلى الاندماج والاختلاط بطبقات الأهلين وكل من يسهل هذه الرسالة ويساعد على أدائها ؛يؤدي للوطن أنبل وأقدس واجب إنساني).