السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وللأزمة وجوه أخرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يذكرنى موضوع هذا المقال بمقولة على لسان عادل إمام فى فيلم (طيور الظلام)، أعتبرها من جمل الدراما العبقرية وهى «اللى يشوف البلد دى من فوق، غير ما يشوفها من تحت». وبغض النظر عن السياق الدرامى للجملة، لكنها لامست عندى الكثير من مفردات الأزمة التى نمر ويمر بها العالم من حولنا. والواقع؛ فإن ثمة تفاوتًا ملحوظًا فى معالجة الأزمة بين من هم (فوق) ومن هم (تحت) فكريًا واجتماعيًا على حد سواء. فالمتابع للقرارات الفوقية يجدها على المستوى الرسمى غاية فى الانضباط المتدرج فى المعالجة فى حين باتت بعض المؤسسات مرتبكة بحكم ضعف ما يسمى بـ«ثقافة إدارة الأزمة» أو ما يعرف بخطط الإخطار البديلة. وهى خطط متنوعة تفضى عنها سيناريوهات افتراضية فى ضوء الطبيعة المؤسسية المعنية بالمعالجة، بمعنى أن أسلوب معالجة المؤسسات التعليمية للأزمة يختلف عن مثيلتها الطبية أو المعنية بالاتصالات وهكذا... وما من شك أن التدرج فى المواجهة حمل فلسفة ترتبط بطبيعة المجتمع على المستويين الكمى والكيفى، بحيث بلغت ذروة سنامها بكلمة الرئيس، ثم تفعيلها بقرارات رئيس الوزراء. وتبقى فقط المدد الزمنية وآليات التطبيق ضمن السلطة التقديرية لصانع القرار، ومن ثم فليس من سبيل للاعتراض أو التوجيه من قبل البعض؛ لأن الإطار التنظيمى الكلى تم طرحه بأسلوب متميز على أمل أن تعقبه أساليب التطبيق الجزئية بأسلوب أكثر احترافية ومرونة.
أما على المستوى الأهلى، فما من شك أن الطبقة الوسطى أو ما تبقى منها قد نفضت عن نفسها غبار النسيان والانعزال؛ حيث ساير معظمها كافة مقتضيات المرحلة بالمتابعة الجيدة لكل ما يحدث فى الداخل والخارج، وعبر كافة وسائط الاتصال المتاحة. بحيث أكد أسلوبها التفاعلى أهمية استعادتها لأرضيتها المتآكلة، والتى دفع المجتمع كله ثمنًا لتواريها خلال ما يربو على الثلاثة عقود، بفعل عاديات الانفتاح وتزاوج السلطة ورأس المال والنيل من قيمة العلم لحساب الفن والرياضة والاغتيال المعنوى للصف الثانى، فضلًا عن تهاوى الإعلام الموجه بضغط رأس المال لمخاطبة مستويات بعينها، مما نال من البناء القيمى الذى كانت الطبقة الوسطى حارسه الأول، فانجرفت مع التيار ولم يبق منها إلا بقايا لا تزال مستمسكة بهويتها من حيث الانتماء الطبقى. وهذه الطبقة هى الداعمة للتوجه الوطنى فى الملمات والجائحات لكونها الأكثر وعيًا ورؤية، بل وقدرة على رصد المشكلة وطرح حلول لها. لذا ضربت هذه الطبقة ولا تزال المثل الأعلى فى الالتزام الشخصى والعام، بل ومحاولة تقديم أى دور تطوعى من شأنه خروج محيطها الضيق من غائلة الخطر إلى آفاق السلامة الرحبة. 
بيد أن الواقع يفرض علينا فى هذه الأزمة مواجهتين لا واحدة عند التعامل مع أهل (تحت) بمفهوم التنوع المجتمعى لا التدرج الطبقى الباعث على التفرقة والتشرذم. بمعنى أن ما نعنيهم هنا بالوضع التحتى هم أولئك الذين غَيبوا وعيهم بإرادتهم أو بفعل فاعل، ولم تفلح معهم مستويات تعليمية ولا توجيهات توعوية، ومنهم يأتى مكمن الخطر. والخطر هنا يقوم على مستويين، أولهما حالة الدروشة التى تخلط باسم الدين بين التواكلية والأخذ بالأسباب، والثانى ما يتعلق بالوعى الجمعى واستمراء القفز على كل القواعد الاحترازية أو الإجراءات الوقائية شخصية كانت أم عامة. فالأول بات مرددًا خلف بعض الوعاظ عددًا من الأدعية أو ممارسًا بعضًا من الطقوس ظنًا منه أنه يضيف قيمة إيمانية موجبة لمظهره الاعتقادى بحجة التسليم التام الذى يعلو فوق كل أسباب العلم. ومن المؤسف أن تأثير هؤلاء على المجموع من الفئة الثانية جد كبير؛ لأن منهم حملة شهادات عليا أو رجال دين باتت تعج بهم مواقع التواصل الاجتماعى. فإذا ما أضفنا الظروف الاقتصادية والاجتماعية لعموم الفئة الثانية، لأدركنا نظرتهم لمفهوم (التعكيم!/ التعقيم بالطبع)، والذى دل على أنهم بحاجة إلى الإحساس بخطورة الموقف، وهى مسئولية نلقيها بالكامل على عاتق الإعلام المرئى الذى لم يرتفع لمستوى إعلام الأزمة فصدر دونما قصد حالة من الاعتيادية لعموم الشعب بعدما أنست كثرة الكلام فيه بعضه بعضًا. لتبقى نقطة من بصيص الأمل ممثلة فى ضرورة تنسيق قنوات التليفزيون المصرى الأرضية والفضائية مع الجامعات لبث بعض المحاضرات المسجلة بعد تعذر تغطيتها لكافة طلابنا فى جنبات المحروسة لأسباب فنية واقتصادية، فضلًا عن القيام بالتوعية المطلوبة بشكل أكثر علمية ومنهجية بعيدًا عن أسلوب سد الخانة. عسانا نخرج بمفهوم جديد للتضامن الجمعى القائم على إيمان وانتماء حقيقيين يستدعيان من تاريخ المحن الوطنية أهم منحة ربانية فيه وهى حب الوطن.