رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

الهيمنة التركية على الدوحة تحرك الأمور السياسية.. «كلمة» في عزاء تطيح برئيس الوزراء القطرى.. والمصالحة الخليجية تدق المسمار الأخير بنعش الحكومة.. دوائر صنع القرار تعانى من الصراعات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت استقالة رئيس الوزراء القطرى عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثانى، التكهنات حول حقيقة وأسباب الإطاحة به من حكومة الدوحة، حيث رأى البعض أن السبب في ذلك هو الأزمة الاقتصادية التى تعيشها قطر في الفترة الحالية، ورأى البعض الآخر، أن تركيا هى السبب وراء مغادرة عبدالله بن ناصر رئاسة الوزراء، خاصة بعد الكلمة التى قالها في مجلس عزاء والدته، محذرا فيها من الهيمنة التركية على بلاده.

وكان الديوان الأميرى القطرى أعلن الثلاثاء 28 يناير 2020، أن أمير قطر تميم بن حمد قبل استقالة رئيس الوزراء عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثانى، وأضاف أنه تم تعيين الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثانى رئيسًا جديدًا للحكومة القطرية.
وكان رئيس الوزراء الجديد خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثانى يتولى منصب رئيس الديوان الأميرى، بحسب موقع الحكومة القطرية، وسيحل بن خليفة كذلك محل سلفه بن ناصر وزيرا للداخلية في التعديل الحكومى، رغم أن جميع المناصب الأساسية في الحكومة لم تتغيّر، بما فيها الدفاع والمالية والطاقة.
وفى التعامل مع نظام ملكى مغلق كالنظام القطرى، يستأثرُ بالقرار فيه شخصية واحدة وهو الأمير تميم بن حمد، مع غيبة مؤسسات حقيقية ومعايير موضوعية للاختيار، نكون مع هذه المعطيات أمام شُح في المعلومات لتحليل للمشهد أو فهمه، ومع ذلك فثمة مجموعة من المؤشرات نتلمس من خلالها فهم المشهد القطرى والتغيير الحكومى الأخير.


التدخل التركى في قطر
وأكدت المعارضة القطرية، أن كلمة رئيس الوزراء المستقيل عن الهيمنة التركية، أفرزت غضبا عارما داخل الأسرة الحاكمة القطرية التى تحميها القوات التركية المتواجدة في الدوحة منذ عام ٢٠١٨، وفى نهاية المطاف اتخذ تميم قرارا بعزله حتى لا يغضب النظام التركى الحليف والداعم له خلال عزلة الدوحة العربية، وأشارت المعارضة القطرية، إلى أن تميم أوعز لناصر بالاستقالة حفاظا على ماء وجهه.
ولعل هذا الأمر أفرز الكثير من التكهنات والتساؤلات، وخاصة أنه لم يتم الإعلان عن الأسباب وراء الاستقالة، والقبول السريع غير المبرر من قبل حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد لاستقالة رئيس وزرائه، ما وضع عددًا من التساؤلات عن أسباب الاستقالة.
ومن المحتمل أن تعكس الاستقالة مدى الخلاف داخل دوائر صنع القرار في الدوحة، والتى تعانى منذ ٢٠١٣ سيطرة الحرس القديم لحمد بن خليفة على زمام الأمور في الملفات الخارجية والداخلية، الحساسة منها، ويعتقد الكثير من المراقبين أن حمد بن خليفة لا يزال يتحكم في القصر الأميرى، وفى الملفات الخارجية للإمارة الخليجية الصغيرة، إذ لا تزال قطر تعانى من استمرار سياساته التى كلفتها الكثير، وجعلتها قبلة الإرهابيين وداعمهم الأكبر في العقدين الماضيين.
ويعتقد الكثير من المراقبين أن حمد بن خليفة لا يزال يتحكم في القصر الأميرى، وفى الملفات الخارجية للإمارة الخليجية الصغيرة، ومن ثم فإن هذا الأمر يوضح أن تغيير المناصب في قطر يخضع لأهواء الأمير واستشارة حمد بن جاسم المتواجد في لندن ويدير صندوق الاستثمارات القطرية حتى الآن، وهو المسئول عن أى إجراء يحدث داخل الدوحة.
من جهة الأمير، لم يظهر تميم بن حمد الأسباب الحقيقية وراء قبوله السريع لاستقالة أحد أمراء الأسرة الحاكمة، والذى ظل يشغل منصب رئاسة الوزراء القطرية لمدة ٧ سنوات متصلة، بل هناك العديد من المؤشرات الدالة على حجم الخلاف في الداخل القطرى.
وبرز ذلك في تصريح أحد أفراد الأسرة الحاكمة القطرية الذى أوضح السبب الحقيقى وراء استقالة بن ناصر؛ حيث قال فهد آل ثانى في تغريدة له: «إلى الأمير تميم بن حمد ماذا فعل الشيخ عبد الله بن ناصر لكى تعفيه من منصبه بهذه الطريقة؟ ولماذا وضعته تحت الإقامة الجبرية؟ الشيخ عبدالله بن ناصر يستحق التكريم ولا يستحق السجن والإقامة الجبرية اتق الله فينا وفِى شعبك الوفى وأبناء عمك الأبطال»، على حد قوله.
وتابع فهد آل ثانى: «الشيخ عبدالله بن ناصر رجل دولة وما قاله في مجلس خاص بخصوص ضرر وتواجد القوات التركية التى أضرت قطر وأهلها لا يستحق الإعفاء بهذه الطريقة».

في النظام الملكى تحدث الإقالة بكلمة
وكان الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثانى، رئيس وزراء قطر المستقيل، قد تحدث في عزاء والدته التى توفيت في شهر ديسمبر الماضى، والذى أقيم بالعاصمة القطرية الدوحة، وقال «أخاف نندم على جيّة الأتراك ولا يطلعون بعدين».
هذه الجملة إن صحت وهو المرجح، لأنه لم يتم نفيها من عبد الله نفسه أو من أى من المسئولين الأتراك، قد تدلنا على خيط نفهم منه أسباب التعديل، ففى نظام قمعى أحادى كالنظام القطرى، لا يرضى فيه الملك أن يخالفه الرأى أى من كان، خاصة إذا كان الأمر بصدد واحدة من السياسات الإستراتيجية القطرية في التحالف مع تركيا والإسلام السياسى من ورائها.
وما يعزز هذه النقطة أن أمير قطر كان قد وعد بإجراء انتخابات لمجلس الشورى في نوفمبر بحلول موعد استضافة قطر لكأس العالم ٢٠٢٢. لكن لم يتحقق ما يدل على ذلك إلى الآن، بل أصدر منذ أيام قانونًا يحد من حرية الرأى والتعبير، وهو ما أدانته منظمة العفو الدولية مؤخرًا، والشاهد في هذا السياق أنه في أنظمة من هذا النوع يرحل ويأتى رئيس الوزراء أحيانًا، بل كثيرًا إن صح القول بمجرد كلمة.
ويذكر أن عدد الجنود الأتراك في قطر يزيد على ٤ آلاف جندى، وتولى قطر أهمية كبيرة للقاعدة العسكرية التركية في قطر، وتسمى قاعدة طارق بن زياد العسكرية، وتقع في العاصمة القطرية الدوحة، حيث ينتشر الجنود الأتراك في القاعدة منذ أكتوبر ٢٠١٥.


المصالحة الخليجية
أفادت بعض التقارير أن الاستقالة ربما تأتى بسبب مواقف رئيس الوزراء المستقيل الشيخ عبدالله بن ناصر، حيث كان من بين المؤيدين للمصالحة مع دول الرباعى، بل إنه كان يمثل قطر في القمة الخليجية التى استضافتها الرياض مؤخرًا، وفقًا لما نقله موقع «ميدل إيست أون لاين».
كما كان بن ناصر أحد الداعمين لخطوة المصالحة مع دول الرباعى، عقب المقاطعة العربية لقطر بسبب دعمها الإرهاب، وكان من الداعمين لفكرة تقديم قطر تنازلات إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهى خطوة عارضها والد الأمير القطرى الشيخ حمد بن خليفة ورئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم والأمير القطري تميم بن حمد.
وهناك احتمالات أخرى حول أسباب إقالة عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثانى، تتعلق برغبة النظام القطرى بإسكات جميع الأصوات التى تعارض أو تخالف سياساته خصوصًا المتعلقة بالتقارب مع إيران وتركيا، خاصة أن رئيس الوزراء القطرى السابق اعترض على التقارب الإيرانى القطرى والذى كان السبب المباشر لإقالته.
وهذه التقارير في الحقيقة تحيلُ إلى سؤال أهم حول وجود خلافات في النظام القطرى فيما يخص المصالحة؟ البعض يتحدث عن وجود أجنحة متضادة بالنظام القطرى بعضها يدعم المصالحة والبعض الآخر يرفضها إلا إذا لبت المطالب القطرية كاملة وبدون شروط، وإذا سلمنا بوجود هذا الخلاف في الداخل القطرى، وإذا سلمنا أيضًا بوجود مؤشرات برغبة رئيس الوزراء الأسبق بإحداث المصالحة وتحقيقها، فإن البعض سيكون لديه الحق في أن يذهب للقول بأن هذا الخلاف هو السبب وراء إقالة رئيس الوزراء.

التقارب مع إيران 
يذهب البعض للقول بأن سبب الإقالة أو الإرغام على الاستقالة، هو بسبب رفض رئيس الوزراء السابق للتقارب القطرى مع إيران، لكن التقارب مع إيران ليس موقفًا لحظيًا للنظام القطرى ورجالاته، بل موقف يمكن وصفه بالاستراتيجى، والسياسة القطرية لم تحد عن هذا التوجه في التقارب مع إيران.
وضمن نفس الإطار أشارت بعض تقارير المعارضة القطرية إلى نشوب خلاف بين أمير قطر الحالى ورئيس الوزراء المعزول داخل القصر الأميرى في الدوحة، بسبب دفع قطر ٣ مليارات دولار لإيران تعويضًا عن مقتل الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى، فضلًا عن التخطيط لزيادة القواعد العسكرية التركية في الدوحة.
لماذا خالد بن خليفة وليس محمد بن عبدالرحمن؟
يبدو هذا السؤال من الأسئلة المهمة حول هذا التغيير، فمحمد بن عبد الرحمن وزير الخارجية هو السياسى الأبرز في الدوحة، والرجل الثانى بعد الأمير تميم.
أهمية الرجل ليست فقط كونه وزيرًا للخارجية ومن مهندسى السياسة الخارجية القطرية، التى تمر بتحديات جسام في الآونة الأخيرة، لكن أيضًا ولأنه بضدها تتميز الأشياء، وبتصفح السيرة الذاتية لرئيس الوزراء الجديد خالد بن خليفة فإننا نجده قد عمل في قطاع الغاز، وهو ما يثير الاستغراب والسؤال ما الأهم للدولة القطرية حاليًا؟ هل ملف الاقتصاد والغاز هو الأهم باعتبار قطر المُصدِر الأول للغاز المسال في العالم؟ أم ملف الأمن والسياسة الخارجية؟ اللذين تواجه فيهما عزلة كبيرة بسبب المقاطعة العربية الناتجة عن دعم الدوحة للإرهاب ومحاولتها نشر الفوضى في الدول العربية.

كأس العالم
إن الإقالة وتعيين رئيس وزراء متخصص في الاقتصاد والإدارة أكثر من فهمه في السياسة الخارجية والأمن والدفاع، ربما يكون مؤشرًا لاقتراب المصالحة الخليجية، وبالتالى رغبة النظام القطرى في التركيز على المحفل الأهم الذى تنتظره قطر وهو تنظيم كأس العالم ٢٠٢٠، وبالتالى سيكون مبررًا اختيار رئيس وزراء ذى خلفية إدارية واقتصادية لإدارة هذا الملف، الذى تعتبره قطر الاستحقاق الأهم في الفترة المقبلة.
ويدعم هذا الطرح أن قطر بجانب قيامها بالتغيير الحكومى وتغيير رئيس الوزراء، غيرت أيضًا مجموعة كبيرة من الشخصيات الاقتصادية القطرية، بما يشبه إعادة هيكلة لبنية المدراء الاقتصاديين، فعينت قطر يوم الأحد الرئيس التنفيذى لأكبر بنوكها وزيرا للتجارة والصناعة، وأعادت تشكيل مجلسى إدارة شركة قطر للبترول وجهاز قطر للاستثمار، ضمن تعديلات شملت مناصب كبيرة أخرى.
وكانت قناة «مباشر قطر»، قد بثت تقريرًا مصورًا، حول أن حقوق عمال المونديال بالدوحة أصبحت سرابًا ومازالت معاناتهم قائمة، لافتةً إلى أن الفشل في احتواء هذه الأزمة هو سبب الإطاحة به، حيث قال التقرير إنه رغم تعهد الدوحة أمام المجتمع الدولى بحماية حقوق العمال على أراضيها لتفادى العقوبات الدولية بسبب المظاهرات التى عمت البلاد.
إلا أن الشكوك حول احترام الإمارة الصغيرة لهذه الحقوق تعد سرابًا حتى الآن، كونهم مازالوا يعانون التهميش والقمع والعمل في ظروف مناخية غير آمنة، مضيفًا أن حقوق العمال الذين يعملون على تنفيذ منشآت مونديال ٢٠٢٢ بقطر إلى جانب الحفاظ على حقوق النشطاء والصحفيين، تنص عليها إستراتيجية الفيفا التى يبلغ عدد صفحاتها ١١٢ صفحة، لافتًا إلى أن المافيا القطرية تجاهر كل يوم بأنها تحترم هذه الحقوق بينما الأوضاع على أرض الواقع تقول خلاف ذلك تمامًا.
وأوضح التقرير، أن هناك بيانات رسمية حديثة كشفت صعود عجز صافى ميزان الموجودات الأجنبية للبنوك التجارية العاملة في سوق الدولة، بنسبة ٣٨.٣٪ أو ٨١.٥ مليار ريـال قطرى، في نوفمبر ٢٠١٩، حيث يتألف صافى ميزان موجودات البنوك، من إجمالى المطلوبات المستحقة على البنوك بالعملة الأجنبية، مثل الودائع الأجنبية بأنواعها (توفير، جارٍ، لأجل)، وأدوات الدين الصادرة عنها (سندات، أذونات، صكوك)، مخصوم منها إجمالى الأصول التى تملكها تلك البنوك، مثل التسهيلات التى تقدمها للعملاء وأى أموال بالنقد الأجنبى تملكها.
ويذهب البعض للقول إن التعديل الوزارى هو تعديل طبيعى ومتوقع، بل تأخر لفترة طويلة، وتقول بهذا المؤسسة الرسمية القطرية وإعلامها الرسمى، وهو ما يظهر أن السياسة ميتة إكلينيكيا في مثل هذه الأنظمة الفردية، لذا فكل تحليلات الباحثين أو المتابعين قد تذهب أدراج الرياح بقرار شخصى مبنى على الانفعالات السيكولوجية والسياق الخاص لصانع القرار، وهى أمور طبيعية في دولة تغيب عنها المؤسساتية.
وفى ذات الإطار، كشفت صحيفة «صدى» السعودية، أن هناك خلافات داخل الأسرة الحاكمة في قطر، موضحة أنه تم إجبار رئيس الوزراء القطرى عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثانى على الاستقالة، وذلك لأسباب ترجع أولًا إلى رفضه للوجود التركى في قطر، معربًا عن خوفه الشديد من وجود الأتراك على الأراضى القطرية، وقال نصًّا في مجلس خاص بعزاء والدته: «أخاف نندم على جيّة الأتراك ولا يطلعون بعدين»، معلقةً «هى الجملة التى كانت سببًا في إقالته من منصبه».
وعلقت وكالة بلومبرج الأمريكية، على خبر استقالة رئيس الوزراء القطرى، عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثانى قائلة: «إن أمير قطر استبعد عبدالله بن ناصر ليحل محله الساعد الأيمن والشخص المقرب في أفكاره وآرائه».
ويعتبر عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثانى، رئيس وزراء قطر السابق، هو أول رئيس للحكومة القطرية في عهد تميم بن حمد بن خليفة آل ثانى، إضافة إلى توليه حقيبة وزارة الداخلية من ٢٦ يونيو ٢٠١٣ حتى ٢٨ يناير ٢٠٢٠.
وبدأ عمله في وزارة الداخلية ضابطًا للدوريات بقسـم شرطة النجدة عام ١٩٨٥م حتى شغل منصب وزير دولة للشئون الداخلية في فبراير ٢٠٠٥م، ثم عضوًا في مجلس الوزراء في ٢٠٠٥م.
وتولى خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثانى، رئاسة الوزراء خلفًا له، وكان يشغل منصب رئيس الديوان الأميرى في ١١ نوفمبر ٢٠١٤، وقبلها كان مديرًا لمكتب تميم منذ توليه السلطة.
وهو من مواليد الدوحة عام ١٩٦٨، وفيها تلقى تعليمه ما قبل الجامعى، فيما حصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٩٣.
والتحق في بداية عمله بشركة قطر للغاز المسال المحدودة وعمل فيها حتى ٢٠٠٢، لينتقل بعدها للعمل في مكتب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، (٢٠٠٢-٢٠٠٦).
وفى مارس ٢٠٠٦ التحق بالعمل في الديوان الأميرى بمكتب ولى العهد آنذاك تميم، وعُيّن مديرًا لمكتب السكرتير الخاص للشيخ تميم في ١١ يوليو ٢٠٠٦، إلى أن تولى منصب مدير مكتب ولى العهد آنذاك الشيخ تميم في ٩ يناير ٢٠٠٧.