مع اقتراب شهر ذي الحجة يولي المسلمون في شتى بقاع الأرض وجوههم إلى البيت العتيق لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام حيث يأتون من كل فج عميق.
ومع تطور وسائل المواصلات يذهب ضيوف الرحمن إلى الديار المقدسة محمولين على الحافلات والطائرات والسفن يلجأ بعض الأشخاص لطرق غير تقليدية للحج، فهي ليست قديمة تشمل المشى والأحصنة والجمال، ولكنها أيضا ليست متطورة وتشمل السيارات أو الدراجات الحافلات الكبيرة بالطبع في رحلة بحسب الدين الإسلامي تمحي ذنوب العبد ويرجع مثل يوم ولدته أمه بحسب حديث نبوي صحيح بإسناد قوي.
وفي رحاب الشوق إلى عتبات بيت الله الحرام؛ وروضة النبي عليه الصلاة والسلام ارتبطت رحلات الحج قديما بمعالم دينية واجتماعية مازالت حاضرة في الأذهان؛ من بينها “محمل الحجاج” الذي كان خروجه من مصر صوب الحجاز مناسبة شعبية ورسمية مشهودة، بقيت قائمة حتى تحول طريق الحج من “درب الحج المصري” إلى الطريق البحري أواخر القرن التاسع عشر.
وارتبط “المحمل” المصري برحلة الحج لأنه كان يحمل معه كسوة الكعبة المشرفة؛ وهي ميزة أكسبته شهرة واسعة بين قوافل الحج؛ لذلك كان أكثر قوافل الحج تنوعا، وضم إلى جانب الحجاج المصريين حجاج المغرب العربي وممالك المسلمين في غرب أفريقيا والأندلس؛ وتفنن الصناع في تصميمه وزخرفته
وفي المغرب، تعددت طرق تجمع قوافل الحجاج المغاربة، وكانت تلحق بعد عبورها ليبيا بركب “المحمل” المصري؛ حتى تستأنس به في الطريق إلى الأماكن المقدسة.
وترك الرحالة المغاربة أمثال ابن بطوطة والشريف الإدريسي، وهو أكبر جغرافي عرفته الحضارة الإسلامية، والإمام ابن رشيد السبتي، مؤلفات عديدة تتحدث عن رحلة الحجاج المغاربة وحجاج الأندلس ودول غرب إفريقيا الذين كانوا يتجمعون في مراكش وفي مدينة فاس، ويتحركون في قافلة تشق طريقها برا عبر الجزائر وتونس إلى طرابلس ومنها إلى مصر؛ مرورا بالمناطق الصحراوية التي كانت تنتشر بها محطات التوقف وتتوافر بها المياه، في رحلة تمتد لنحو خمسين يوما، وعندما تصل القافلة إلى القاهرة، يخرج الناس لملاقاة حجاج بيت الله الحرام والترحيب بهم.
وترك المحمل تأثيرا في مسيرة المغاربة بمصر وعلاقتهم بالمصريين؛ نظرا لطول رحلة الحج وما ارتبط بها من طقوس دينية واجتماعية، أوجدت صداقات بين رفاق الطريق نحو الأماكن المقدسة، ومثلت جسرا قوى الارتباط بين الشعبين المصري والمغربي؛ ترجم في استقرار الكثيرين من الحجاج المغاربة في مصر للتجارة والعمل أو طلب العلم والاشتغال بالتدريس، بعد انتهاء رحلة الحج. حتى أصبح المغاربة أكبر طائفة عربية إسلامية وافدة في مصر خلال تلك فترة الحج.
وفي رحلة فريدة من نوعها، قرر الرحالة المغربي إدريس دراج، 65 عامًا، خوض تحدٍّ فريد من نوعه، حيث انطلق من بلده المغرب على دراجته الهوائية، عابرًا بلدان مختلفة، ليصل إلى السعودية لأداء فريضة الحج والعمرة.
وبدأ «دراج»، رحلته قبل شهرين ونصف، حيث قطع مسافات شاسعة، من المغرب إلى تركيا، ومن ثم إلى مصر، مٌتجهًا نحو وجهته النهائية مكة المكرمة، وخلال مروره بمحافظة المنيا في مصر، عبّر «دراج» عن سعادته الغامرة بالترحيب الحار الذي لاقاه من قبل المصريين، ووصفهم بالشعب الكريم المضياف
وخلال تواجده في محافظة المنيا، أمس السبت، قال «دراج»، إنه زار معالم مصر التاريخية، مثل جامعة الأزهر الشريف، قبل أن يواصل رحلته نحو محافظة أسيوط، وفقًا لبرنامج رحلته المخطط مسبقًا.
وأضاف أنه يقطع مسافات طويلة يوميًا، مدفوعًا بالعزيمة والإيمان، مُصممًا على الوصول إلى مكة المكرمة في الوقت المحدد، ليحقق حلمه ويؤدي فريضة الحج والعمرة.
وقال الرحالة المغربي إنه يبلغ من العمر 65 عامًا واعتاد أن يجري العديد من الرحلات داخل المغرب حيث إنه يحرص على القيام برحلة لمسافة 2000 كم في كل عام.
وأضاف هذا العام روادتني فكرة عمل رحلة دولية لكي أزور الدول الشقيقة.. وفي نفس الوقت أغتنم الفرصة وأذهب الي المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج.
وأضاف الرحال المغربي أنه بدأ رحلته في أول أبريل الماضي 2024 والهدف منها هو الوصول إلى المملكة العربية السعودية من أجل أداء مناسك الحج.
واستكمل قائلا رحلتي ستستغرق أكثر من 70 يوما واقطع ما يقرب من 90 كيلو يوميا حتى نصل إلى المملكة العربية السعودية.
وأوضح الرحالة المغربي أنه لم يواجه أي صعوبات في رحلته حتى الآن وأن مصر بلد جميل للغاية ووجدت ترحاب وحفاوة شديدة من أهلها الشعب المصري شعب كريم ومضياف وشعرت أنني في المغرب وزرت هنا الأزهر الشريف والحسين والسيدة زينب وهو زار المنيا ثم انطلق إلى محافظة أسيوط في الجنوب.
وتذكرنا هذه القصة بالمواطن الفرنسي ذو الأصول المغربية، نبيل النصري دراجته من فرنسا مرور بعدة منها تركيا من أجل الوصول إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج على متن الدراجة وسط حفاوة به من مختلف الدول التي يمر بها التي تثني على عزيمته الحديدية.
والحاج الثاني هو الباكستاني الذي قرر أن يذهب إلى السعودية من خلال المشي سيرا على الأقدام رغم صعوبة ووعورة الطرق في بلاده وتغير المناخ بين شتاء وصيف وربيع عليه في ظل رحلته الطويلة.
كما وصل رحالة عراقي قادما من بريطانيا إلى مكة المكرمة مشيًا على الأقدام؛ لأداء فريضة الحج، بعد أن استغرقت رحلته نحو 11 شهرا، وأعرب عدد من أهالي مكة المكرمة والمعتمرين الموجودين في مسجد السيدة عائشة بالتنعيم، عن فرحتهم لحظة وصول آدم، الذي بدأ رحلته مشيا على الأقدام من بريطانيا منذ 10 أشهر و25 يوما، مرورا بـ 11 دولة، قاصدا مكة المكرمة لأداء فريضة الحج لهذا العام.