الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"مولد المصطفى".. المصريون يتحدون فتاوى التحريم بطقوس خاصة.. مواكب الاحتفال تجوب القرى والنجوع.. ومصادر تاريخية: الملك المظفر أبو سعيد بن بكتكين أول من سنه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتفي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام هجري، بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم -وفق أرجح الأقوال، ومع ظهور بعض الآراء الشاذة حول مشروعية ذلك الاحتفال إلا أن المصريين جرت عوائدهم على أن يكون لتلك المناسبة مذاق خاص بين المناسبات الدينية التي يتم الاحتفاء بها.



 مولد النبي
ولد النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف في مكة المكرمة في في عام الفيل، يتيم الأب، أمه السيدة آمنة بنت وهب، ومرضعته هي حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية التي أخذته حتى بلغ الفطام وأعادته إلى أمه الذي قامت بتربيته حتى بلغ السادسة من العمر، لتنتقل بعدها إلى الرفيق الأعلى، فيتعهد به جده عبد المطلب حتى مات هو الآخر فتكفله من بعدهما عمه أبو طالب.

حياته صلى الله عليه وسلم 
عمل النبي في بداية حياته برعي الأغنام والتجارة، وعندما بلغ 25 عامًا تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد، وأنجب منها اثنان من الذكور هما "القاسم، عبد الله"، وأربعة من الإناث هن "أم كلثوم، زينب، رقية، وفاطمة الزهراء".
وذكر القرآن أزواج النبي في مواضع عدة من بينها:" يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ"، 
ومثلت خديجة من حياته صلى الله عليه وسلم الجانب الأعظم، حيث لم يتزوج طيلة حياتها، وشهدت معه فترة نزول الوحي حيث بلوغه صلى الله عليه وسلم 40 عامًا، أتاه جبريل وهو جالس في غار حراء، فذهب إلى بيتها مطالبًا إياها بتغطيته قائلًا: زمليني زمليني دثريني دثرييني"، فأخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل فأقر له بالنبوة وقال له "هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى"، وكانت أول من أسلم من النساء، واستمرت الدعوة سرًا 3 سنوات قبل أن تنتقل إلى الجهر بعد ذلك
تزوج الرسول من بعد خديجة إحدى عشرة امرأة هن: "سودة بنت زمعة، عائشة بنت أبي بكر، حفصة بنت عمر بن الخطاب، زينب بنت خزيمة، أم سلمة، جويرية بنت الحارث، زينب بنت جحش، أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، صفية بنت حيي، ميمونة بنت الحارث، وماريا القبطية التي ولدت ابنه إبراهيم".
هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد تعرضه والمؤمنين معه للإيذاء فكانت بداية لتأسيس الدولة الإسلامية.

صحابة النبي
أحيط النبي خلال فترة حياته بأناس أعلى القرآن شأنهم وقدرهم فقال عز وجل: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا". 
ومن أشهر هؤلاء الرجال الخلفاء الأربعة الراشدون " أبو بكر الصديق، الفاروق عمر بن الخطاب، ذو النورين عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه"، ومن المبشرين العشر بالجنة "الزبير بن العوام، طلحة بن عبيدالله، عبدالرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد، وأبو عبيدة الجراح.

وفاته صلى الله عليه وسلم
بشر النبي باقتراب أجله في مواضع عدة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: "إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ"، "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ"، "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ"، وقوله: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا"، وقد مرض النبي في مطلع شهر ربيع الأول بعد بلوغه 63 عامًا على الأرجح ليرحل بعدها إلى جوار ربه، حيث قيل أن ذلك الشهر وافق ميلاده وهجرته ورحيله صلى الله عليه وسلم.


احتفال المسلمون بمولده
يجمع المسلمون على أن النبي كان أول من عظم يوم ميلاده حيث اختصه بالصيام فروي عنه صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن صيام الاثنين فقال: "هذا يوم وُلدت فيه"، وذكر الإمام جلال الدين السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربيل بشمال العراق الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين على بن بكتكين، وقال عنه ابن كثير: كان الملك المظفر يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا، وكان مع ذلك شهمًا شجاعًا بطلًا عاقلًا عالمًا عادلًا.

العصر الفاطمي
اشتهر عن الدولة الفاطمية أنهم أول من احتفل بذكرى المولد النبوي، واقتصر الاحتفال في عهدهم على عمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمى فكان يتمثل في موكب قاضى القضاة حيث تُحمل صوانى الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم.

العصر الأيوبي
كان أول من احتفل بالمولد النبوي بشكل منظم في عهد السلطان صلاح الدين، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالًا كبيرًا في كل سنة، وكان يصرف في الاحتفال الأموال الكثيرة، والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة، وكان يصل إليه من البلاد القريبة من أربيل مثل بغداد، والموصل عدد كبير من الفقهاء والصوفية والوعّاظ، والشعراء، ولا يزالون يتواصلوا من شهر محرم إلى أوائل ربيع الأول. وكان يعمل المولد سنة في 8 ربيع الأول، وسنة في 12 ربيع الأول، لسبب الاختلاف بتحديد يوم مولد النبي محمد. فإذا كان قبل المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيءًا كثيرًا وزفّها بالطبول والأناشيد، حتى يأتي بها إلى الميدان، ويشرعون في ذبحها، ويطبخونها. فإذا كانت صبيحة يوم المولد، يجتمع الناس والأعيان والرؤساء، ويُنصب كرسي للوعظ، ويجتمع الجنود ويعرضون في ذلك النهار. بعد ذلك تقام موائد الطعام، وتكون موائد عامة، فيه من الطعام والخبز شيء كثير.


العصر العثماني
كان لسلاطين الدولة العثمانية احتفلًا في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلما تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة قصر الاحتفال على الجامع الحميدي، فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان، فإذا جاء خرج من قصره راكبًا جوادًا من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم، وقد رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدءون بالاحتفال، فيبدؤوا بقراءة القرآن، وثم بقراءة قصة مولد النبي محمد، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي. وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.


احتفالات ومواكب المصريين
ويواصل المصريون في الوقت الحالي احتفالهم بالذكرى السنوية لمولد النبي رغم فتاوى التحريم، حيث تنظم الدولة احتفاليتها الخاصة كل عام، بينما يبادر أتباع التيار الصوفي إلى خروج المواكب وإقامة الموائد والاحتفالات بالقرى والنجوع المختلفة، ويتركز احتفالهم العام بمسجد الإمام الحسين -رضي الله عنه.
ويحرص أبناء القرى والنجوع على أن يكون للموكب الذي يطوف القرية شرقًا وغربًا على أن يقيم أصحاب المهن المختلفة أنموذجًا مصغرًا من حرفته يعلوا "عربة كارو"، يتبعها فرقة صوفية تردد الأناشيد والمدائح، ويختتم اليوم بحضرة واحتفال يحضره أحد المداحين الكبار إلى ما يقترب من فجر اليوم التالي.