الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الوطن في أوردة الشعراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن الوطن اسما نركن إليه فقط، ولا مبانى شاهقة، بل هو دفء وحنين، وبشر متجانس يخاف على بعضه، وأروقة تدفئه، من ثم جالت تلك المعاني في أوردة الشعراء، تجسدت في لُحمة عالية القيمة، وحملت معاني طيبة أصيلة، فتجسدوا معا.. فالعرب قبل الإسلام في العصر الجاهلي كانوا إذا غزوا أو سافروا حملوا معهم من تربة بلدهم رملا وعفرا يستنشقونه.
كما كانت تقوم الحروب بين القبائل بسبب بيت شعر فيه يفتخر الشاعر بقومه ويقارن بين القبائل الأخرى، وكانت القائل تفتخر بشعرائها، فكان الأرض الوطن شريكين أساسيين، في الشعر، فيقول عنترة:
وإني اليومَ أَحمي عِرْضَ قومي وأَنْصُرُ آلَ عَبْسَ على العُدَاة ِ
وآخذُ مَالنا منْهُمُ بحَرْبٍ تَخِرُّ لها مُتُونُ الرَّاسيَاتِ
وأَتْرُكُ كلَّ نائِحَة ٍ تُنادي عليهم بالتفرقِ والشتاتِ
ويقول قيس بن الملوح:
أَلا حَبَّذا نَجدٌ وَطيبُ تُرابِها وَأَرواحُها إِن كانَ نَجدٌ عَلى العهد
أَلا لَيتَ شِعري عَن عُوارِضَتَي قَنا لِطولِ الثنائي هَل تَغَيَّرَتا بَعدي
وقد أفاض أبو تمام مازجا بين الحب وبين الوطن، فكلاهما من نياط القلب، حيث النبض والإحساس، الشعور والوجدان، فلا انتماء إلا للوطن المنشأ الأول، ولا حب إلا للحبيب الأول، فبحر الحب فياض، فلا حبيب صادق إلا هو معجون بتراب الوطن العفي السرمدي المقدس، فيحب كل شيء عليه
نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى ما الحب إلاّ للحَبيبِ الأوَّلِ
كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى وحَنينُهُ أبدًا لأوَّلِ مَنزِلِ
فلا قيمة أن تعيش بدون وطن تنتمى إليه، فستكون في مهب الريح تتخطفك الطير وأنت لا تشعر، فلا عزة إلا بالوطن، أما الذين يكرهون أوطانهم، فهم كارهون لأنفسهم، فلم تنتظر منهم خيرا، ولا إبداعا، ولا أرض تثمر بين أيديهم، فقد تعودوا على الخراب وسكن الصحراء، كالحيوانات المفترسة لا تعرف إلا المهاجمة.
إن حب الوطن يغرس منذ الصغر في نفوس أطفالنا، أما أعداء الوطن فيرضعون أولادهم سم الكراهية، وعدم الولاء، وغسل الفكر، فلا يعرفون أبسط قواعد الإنسانية، ومن ثم تخلو جعبتهم من كل قيم، وتخلو رءوسهم من أي فكر، فليس بينهم شاعر ولا فنان، حتى أن الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي أشرف من أعداء الوطن الآن، لأن حب الوطن عندهم كان له قيم وطنية في قبائلهم عالية، أما الذين هم كارهون لذاتهم مثل الشوك الذي يزرع على قارعة الطريق، فالوطن فلا تعرف قيمته إلا إذا تغربت عنه.
فقد قال الشاعر قتادة أبو عزيز:
بلادي وإن هانت على عزيزة ولو أنني أعرى بها وأجوع