الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تراثيات.. "رسالة إبليس" تنهي حياة الحاكم الجشمي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وضع المعتزلة الكثير من المؤلفات الفكرية والدينية التي تدافع عن مذهبهم وتوضحه، وقد برع عدد كبير منهم في ذلك، حيث ألف الجاحظ كتاب فضائل المعتزلة، أيضا كتب أبو القاسم الزمخشري في تفسير القرآن الكريم المعروف بـ"الكشاف"، الذي بث خلاله أفكاره المعتزلية، كما كتب القاضي عبد الجبار كتابه المهم "المغني في أبواب التوحيد والعدل"، وأيضا الحاكم الجشمي صاحب "رسالة إبليس". 
ويعد الإمام الحاكم أبو سعد بن محمد الجشمي البيهقي، الذي يرجع نسبه إلى الإمام على بن أبي طالب، واحدا من المعتزلة الكبار، ألف رسالته الشهيرة "رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس" التي ارتبط بها جزء من الطرافة وجزء من المعاناة.
تمثلت الطرافة في طريقة وضع الكتاب وتأليفه، فالحاكم الجشمي متكلم على مذهب المعتزلة، وهو أحد أبناء مدرسة القاضي عبد الجبار، لمَّا أراد أن يؤلف كتابًا يدافع فيه عن عقيدته، اختلق طريقة فنيه بديعة وسهلة على القراء، وهي أن بطل الكتاب والمتحدث الرئيس هو إبليس الملعون، الذي يجمع إخوانه وأعوانه ويخطب فيهم خطبة عن كيفية الإيقاع بالمؤمنين، وكيف يُلقي مفاهيم خاطئة في أذهان المشبهة والمجبرة من أهل البدع، وأنه يستاء من هؤلاء المعتزلة الذين يعملون العقل ويتساءلون عن مدى صحة كل شيء يسمعونه، ومدى منطقيته.
يعرض المسألة وكيف صور لهم إبليس الأفكار بصورة مغلوطة ثم يوضح رد المعتزلة على هذه المسائل، والتي شملت: التوحيد والتشبيه، الرؤية، العدل، القضاء والقدر، خلق الأفعال، الاستطاعة، الإرادة.
ومن القصص التي يوردها الكتاب، يقول إبليس: "اجتمع عندي المشايخ يومًا يتذاكرون فقام معتزلي من الجن يقول: يا قوم لم لمْ يسجد هذا الشيطان لآدم وقد أمر به؟ فقالوا: لأنه مُنِعَ من بموانع كثيرة، ولم يخلق الله فيه السجود ولا أراده ولا قضاء ولا أقدره عليه، بل خلق فيه تركه وأراده وقضاه وقدره، وخلق فيه القدرة الموجبة لتركه وأغراه بتركه وزين ذلك في قلبه، ثم كلفه ما لا يقدر عليه، فما ذنب هذا المسكين؟ فقال المعتزلي: فلماذا لعنه وعاقبه؟ فقالوا: الملك ملكه لو عاقب آدم وسائر الأنبياء والأبرار وأثاب فرعون وسائر الكفار كاف عدلاَ منه. فقال لهم: بعدًا لكم وسحقًا مع هذه المقالة.. فقصدوه بالنعال فهرب".
الكتاب يدور على لسان إبليس الذي يمدح أهل البدع ويذم المعتزلة لأنهم أهل فكر وعلم ومنطق، وفي الحقيقة فإن الكتاب يشن هجومًا عنيفًا وساخرا على أهل البدع من الفرق الكلامية التي صاحبت ظهور وانتشار الإسلام في نواحي الأرض.
من هنا تأتي المعاناة فقد تسبب الكتاب في إثارة الفرق المخالفة للمعتزلة، فقد أوجعهم الكتاب وسبب لهم حرجًا كبيرا بين صفوفهم، ولم يعد أحدهم قادرا على الرد، فقام البعض بقتل الحاكم الجشمي في مكة العام 494هـ عن واحد وثمانين عامًا.
ألف الجشمي عدد كبيرا من المصنفات منها: كتاب التأثير والمؤثر، وكتاب تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، وكتاب التهذيب في تفسير القرآن، وكتاب جلاء الأبصار في فنون الأخبار، وكتاب حلية الأبرار، وكتاب السفينة الجامعة، وكتاب شرح عيون المسائل.. وغير ذلك كثير..