الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«القاعدة» في سوريا.. محاولات للعودة على جثة «داعش»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اليأس يحاصر أيدى «أبناء بن لادن» المشلولة.. «أنصار التوحيد» تعجز عن إثبات وجودها في سوريا.. و«حراس الدين» آخر المحاولات الفاشلة
ضربات أمريكية لمواقع التنظيم في إدلب يجهض المغامرة.. وخبراء: لن ينجح في استعادة النفوذ
المدارس الدينية.. وسيلة للبقاء على الأراضى السورية

يحاول تنظيم القاعدة استعادة وضعه على ساحة الإرهاب الدولى مُجددًا، لملء الفراغ بعد تراجع تنظيم «داعش» عقب تلقيه ضربات من التحالف الدولى أفقدته أغلب الأراضى التى سيطر عليها، ويراهن «القاعدة» على تشكيل مجموعات تابعة له بسوريا، بعد فك «جبهة النصرة» ارتباطها بالتنظيم، ولذلك تصاعدت التحذيرات الاستخباراتية من الصعود المرتقب للتنظيم خلال الفترة المقبلة، في ظل الاعتماد على مسارين الأول عسكريًّا، والثانى يعتمد على تشكيل جيل جديد من الإرهابيين عبر تأسيس مدارس دينية تدرس الفكر المتشبع بأفكار متطرفة، وفى هذا الملف تحاول «البوابة» رسم صورة دقيقة لوضع «القاعدة» في سوريا.
وبـ«فك الارتباط» الذى نفذه زعيم هيئة تحرير الشام (كبرى الفصائل الإرهابية في سوريا)، أبو محمد الجولاني، في ٢٠١٦ عن تنظيم القاعدة، فقدَ الأخير أبرز ممثليه في سوريا؛ حيث يحاول القاعدة خلق كيانات مسلحة معبرة عنه، لتعويض الخسارة التى لحقت بعد القطيعة مع تحرير الشام. «أنصار التوحيد» أحد هذه الكيانات التى شرعت القاعدة في تأسيسها، ويعتبر امتدادًا لفصيل «جند الأقصى»، الذى أُسس منتصف عام ٢٠١٢، على يد شخصية تُعرف بـ«أبوعبد العزيز القطري»، الذى قُتل في ظروف غامضة عام ٢٠١٤، واتهمت ما يعرف بـ«جبهة ثوار سوريا» في قتله للعثور على جثته في بلدة دير سنبل، قرب مقر الجبهة.


نظرية واحدة وتطبيقات مختلفة
عن الخلفية الفكرية في «جند الأقصى» الذى ينحدر منه «أنصار التوحيد» ذو خلفية سلفية جهادية، وكان يتمتع بعلاقات قوية مع «جبهة النصرة»، و«هيئة تحرير الشام» حاليًّا، باعتبارهما حاملتين لنفس الأفكار القاعدية. رغم تلك العلاقات إلا أن «جند الأقصى» خاض مواجهات مسلحة مع بعض الكيانات القاعدية أواخر ٢٠١٥، على خلفية قراره بالامتناع عن مقاتلة تنظيم داعش نهائيًّا؛ ما يمثل اختلافًا عن الموقف القاعدى من داعش. ولهذا السبب نشبت معارك بين «جند الأقصى» من ناحية و«جيش الفتح» (مقرب من القاعدة ولم يعد له وجود الآن في سوريا) من ناحية أخرى، وعلى خلفية ذلك عقدت اتفاقية بمعرفة هيئة «تحرير الشام» و«هيئة أحرار الشام»، خرجت على إثرها عناصر جند الأقصى إلى مدينة الرقة.


غرفة عمليات إرهابية
بقيت مجموعات منشقة وفلول في المنطقة أعلنت بدورها، في مارس ٢٠١٨، من مدينة سرمين بريف إدلب، تشكيل فصيل «أنصار التوحيد» بقيادة، أبو دياب سرمين. وفى أكتوبر ٢٠١٨، شكل «أنصار التوحيد» مع كل من «تنظيم حراس الدين» و«جبهة أنصار الدين»، و«جبهة أنصار الإسلام»، غرفة عمليات إرهابية، وأطلقت عليها اسم «وحرض المؤمنين»، وتركز عمل الغرفة- بشكل أساسي- في ريف اللاذقية الشمالى وصولًا إلى الريف الغربى لحماة. وإن كان «أنصار التوحيد» إحدى تجارب القاعدة في سوريا فيلحق به «حراس الدين» الذى تأسس في فبراير من العام الماضي، ليكون معبرًا عن التنظيم الإرهابى في سوريا، في ظلِّ ضعف حضوره بعد انفصال تحرير الشام. وفى البيان الإعلامى الذى حمل خبر تأسيس التنظيم المتطرف، ونُشر في ٢٧ فبراير الماضي، عبر «تيليجرام» لم يشر إلى أى خلفيات فكرية قاعدية، إلا أن ذلك لم يمنع انتماءه لتنظيم «القاعدة».


فشل ذريع.. ويأس إرهابى
اعتمد المتبنون لهذا الرأى على محاولة سابقة لـ«القاعدة» حاول من خلالها خلق كيان في سوريا سُمى بـ«أنصار الفرقان»-أعلن عن نفسه في أكتوبر ٢٠١٧-، لتغطية الفراغ الذى عاشه تنظيم القاعدة، بحكم قرار ما تسمى بـ«جبهة النصرة» (فرع تنظيم القاعدة بسوريا)، بفك ارتباطها بالتنظيم الأم، في يوليو ٢٠١٦. وبعد الفشل السريع- والذريع- لتجربة «أنصار الفرقان»، كانت التكهنات مختلفة بخصوص ما يسمى بـ«حراس الدين»، إذ سرّب التنظيم الجديد معلومات فور تأسيسه، عن هيكله الداخلى وقياداته العسكرية والفكرية؛ للتلميح إلى ثمة تجربة قوية يقدم عليها. ورغم محاولة «القاعدة» لدعم ما يسمى بـ«حراس الدين» ومده بالمنشقين عن ما يعرف بـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقًا)، فإن ما يزيد على العام والنصف، مرورًا منذ تأسيسه ولم يثبت فيهم التنظيم الجديد أى حضور قوي، إذ اقتصرت تحركاته على مناوشات عسكرية هنا، وبيان إعلامى هناك، ما قد يعنى أن فراغ «القاعدة» بسوريا ما زال قائمًا.



وفى كل مرة يتأكد فيها انهيار مشروع تنظيم داعش الإرهابى بهزيمة أو فرار، يظهر تنظيم «القاعدة» باعتباره الكيان القادر على ملء الفراغ الإرهابى الذى يخلفه نظيره «داعش»؛ حيث يستغل «القاعدة» المناخ الملائم أمنيًّا لاستعادة موقعه على قمة الإرهاب الدولي، هذا الانتعاش- المرتقب والمتوقع- للقاعدة، تناولته تقارير إعلامية، بل واستخباراتية أيضًا، تحذيرًا وتنبيهًا من خطر «القاعدة» حال عودته بقوة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة استعادة تدريجية من تنظيم القاعدة لنشاطه في مناطق متفرقة، أبرزها كان غرب أفريقيا، إلا أن تلك العودة لم ترتق لحجم القاعدة المعروف بتنفيذ عمليات كبرى؛ حيث عاملت أمريكا التنظيم باعتباره العدو الأول للبلاد، وشنت العديد من الغارات والضربات العسكرية التى استهدفت قيادات وكيانات تابعة لتنظيم القاعدة.
«أنصار التوحيد» آخر تلك الكيانات المستهدفة، إذ أعلنت القيادة المركزية الأمريكية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية استهداف «منشأة تابعة لتنظيم القاعدة شمالى إدلب في سوريا، في هجوم استهدف قيادة التنظيم».


تتبع أمريكى
وبحسب تصريحات مسئول العمليات الإعلامية في القيادة المركزية، إيرل براون، لوكالات عالمية فإن العملية: «استهدفت قادة تنظيم القاعدة في سوريا المسئولين عن هجمات تهدد المواطنين الأمريكيين وشركائنا والمدنيين الأبرياء».
التتبع الأمريكى للقاعدة في سوريا ليس الأول من نوعه، إذ تعرّض ما يسمى «حراس الدين» (فصيل ينتمى للقاعدة في سوريا) في ٣٠ يونيو الماضي، لقصف مشابه لمقر التنظيم القاعدي.
ووفقًا لما نشرته تدوينات على قنوات تابعة للقاعدة بموقع «تيليجرام»، فالقصف أسفر آنذاك عن مقتل قاضى الحدود والتعزيرات، ويُدعى أبو عمر التونسي، إلى جانب القيادى أبو ذر المصري، والقيادى أبو يحيى الجزائري، وأبو دجانة التونسي، الأمر الذى أفقد التنظيم أبرز شخصياته.
وتطرح عمليات التتبع تلك التساؤلات حول فرص القاعدة في سوريا، وهل ما زالت قوية كما كان يتردد عن قدرة القاعدة على ملء فراغ داعش؟


عجز «القاعدة» وذهاب قوته
في تصريح خاص، قال الناشط السوري، عمر رحمون: إنه لا يرجح أن القاعدة قادرة على شغل ما خلفه داعش، مستدلًا على ذلك بهشاشة الكيانات التابعة لها في إدلب.
وأضاف أن أمريكا لم تعد لديها نية للإبقاء على كيان إرهابى قوى في سوريا «ربما مجموعات صغيرة فقط»، على حد وصف «رحمون» الذى يعتبر الضربات الأمريكية انتهاكًا لسيادة الدولة السورية، رغم تسبب هذه الضربات في تحجيم خطر القاعدة؛ باستهداف قيادات التنظيم في سوريا.
وختم رحمون كلامه، بأنه لا مستقبل للتنظيمات الإرهابية في سوريا، سواء كان داعش أو القاعدة.
من جانبها، قالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نورهان الشيخ، إنه منذ اللحظة التى سقط فيها داعش، وثمة اتفاق على أن ذلك يعود على القاعدة بالاستفادة، مشيرة إلى أن الأمر ذلك لم يكن خطيرًا لكون هناك رغبة دولية - على حد قولها - لعودة القاعدة، ولكن بسقف معين تحدده لها أمريكا.
ولفتت إلى أن تلك الضربات لقيادات القاعدة في سوريا أو اليمن أو حتى المغرب العربى جميعها تصب في نفس اتجاه إحداث انتعاش للقاعدة ولكن بحدود.
وتوقعت أن تكون القيادة الحالية لتنظيم القاعدة راضية عن ذلك؛ خاصة أنها فقدت رجلها الأول أسامة بن لادن، كما فقدت عوامل قوتها التى كانت تتمتع بها في الماضي، وتحديدًا عام ٢٠٠١.
وفيما يخص مستقبل القاعدة في سوريا، قالت إنه لن يكون جيدًا في ظل اتفاق دولى بإنهاء الأزمة السورية، مؤكدة أن التنظيم سيبحث عن أماكن له بخلاف سوريا.
يشار إلى أن الغارات الجوية الأمريكية ليست وحدها التى تستهدف قيادات تنظيم القاعدة، فبخلاف ذلك توجد عمليات الاغتيال التى تقوم بها جهات غير معلومة.
وكانت هيئة تحرير الشام كبرى الفصائل العاملة في سوريا والمنتمية لتنظيم القاعدة فكريا، قد وضعت إجراءات للحدِّ من عمليات الاغتيال دون فائدة.
وحضور القاعدة في سوريا يتمثل في تنظيم حراس الدين وجيش التوحيد، لا سيما هيئة تحرير الشام المنتمية فكريًّا، لكنها انفصلت عن القاعدة تنظيميًّا قبل ثلاث سنوات.
وبينما يحضر تنظيم القاعدة في سوريا عبر أجنحة عسكرية تبدو ضعيفة وقليلة التأثير، يعمل التنظيم في خط موازٍ للحفاظ على الحضور فكريًّا قبل تنظيميًّا.
ولتحقيق ذلك سعى التنظيم منذ اندلاع الأزمة السورية على تأسيس ما يُعرف بـالمدارس الدينية، التى تعكف على تقديم محتوى دينى متشبع بفكر القاعدة المتطرف.
ورغم انحصار الأزمة السورية لصالح الجيش السوري، فإن هذه المدارس ما زالت تزاول عملها من قبول دفعات من الأطفال والمراهقين من الجنسين، وتخريجهم بعد قضائهم مدة عامين في الدراسة. وأمام انحصار نجم تنظيم القاعدة في سوريا عسكريًّا يبقى السؤال: هل تضمن هذه المدارس بقاء القاعدة في سوريا ولو فكريًّا؛ خاصة أن فروعًا جديدة تُعلن عن افتتاحها عبر مشايخ محسوبين على التنظيم الإرهابي.


تجربة طالبان
تعيد هذه المدارس سيرة المدارس الدينية التى تعرفها أفغانستان، وتمثل إحدى أهم نقاط التوتر للدولة الأفغانية؛ إذ تتهمها مؤسسات الدولة هناك وأمريكا بالتورط في توريد أجيال من المتطرفين لحركة طالبان، بفعل المناهج التى تعكف على تدريسها. وعلى خلفية ذلك تتعامل أمريكا مع هذه المدارس كأهداف لطيرانها، معتبرةً أن في ذلك سبيل لتحجيم حركة طالبان.
وإذا كان القصف هو مصير هذه المدارس في أفغانستان، فماذا سيكون مصير قرينتها في سوريا في ظل العداء الأمريكى لتنظيم القاعدة؟ وهل ستتسبب هذه المدارس في تطويل أمد الأزمة السورية، في ظل تفريخ أجيال على مناهج العنف؟
الدولة السورية تنتصر
يجيب عن ذلك الباحث السوري، نضال سعيد السبع، أن الحرب في سوريا قد تنتهى على الأرض بفعل اقتراب الدولة السورية من حسم المعارك لصالحها، واستكمال زحفها على كامل التراب السوري، مشيرًا إلى أن هذه المدارس تبقى مصدر خطر بفعل المناهج التى تقدمها.
ولفت إلى أن الأزمة ليست فقط في افتتاح أفرع جديدة لهذه المدارس رغم انحصار الحرب، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في الأجيال السابقة التى خرجتها، وتحمل فكرًا متشددًا بالفعل.
وحذر من هؤلاء الأطفال الحاملين لأفكار مشوهة، مطالبًا بسرعة حصر هؤلاء وضمهم لبرنامج إعادة تأهيل، يضمن تعديل أفكارهم بعيدًا عن الفكر المتشدد. وشدد على أن سوريا ما زالت تحمل مستقبلًا مهددًا لأسباب، منها هذه الأجيال، مطالبًا بسرعة حصر هذه المدارس وغلقها كافة.


فشل جديد للقاعدة
قال عمر رحمون، الناشط السوري: إن هذه المدارس لم ترتقِ لخطورة المدارس الدينية في أفغانستان، موضحًا أن التجربتين مختلفتان في كون المدارس في سوريا مستجدة على المجتمع السوري، ولم تجد فرصة للتعمق؛ إذ كل عمرها ٩ سنوات، مشيرًا إلى أن القضاء عليها سيحدث بتصفية الميليشيات، ومن ثم كساد بضاعة تلك المدارس من مناهج تكفيرية.
ولفت إلى أن المشكلة وقتها ستصبح في أجيال تخرجت في هذه المعاهد، وتشربت التطرف، معربًا عن أهمية العثور على هؤلاء، وإعادة تأهيلهم. وشدد على أن الجهات المتورطة في إشعال المشهد في سوريا كانت تدرك خطورة هذه المدارس؛ لذا لجأت إليها للتخديم على أهدافها، وهى إبقاء سوريا مشتعلة لأطول فترة ممكنة. وتطرق إلى أن المرحلة القادمة من المعارك، هى تحرير إدلب، ثم تصفية كل ما تركته هذه الفصائل من مدارس أو ملحقات.
ويعد أبرز هذه المعاهد ما يسمى «معهد البخاري»، الذى يُشرف عليه الإرهابى السورى ذو الفكر القاعدي، عبدالرزاق المهدي، وافتتح له أكثر من فرع في كفر تخاريم، والدانا، ومنطقة الحدود بالقرب من سرمدا.