يناقش كتاب "مستقبل داعش: الآثار الإقليمية والدولية" الصادر عن معهد بروكينجز تعقيدات تنظيم داعش وتأثيره على الشرق الأوسط والعالم، واستشراف مستقبله، بعد إعلان القوات الأمريكية القضاء عليه فى معقله الرئيسى فى العراق وسوريا، وما إذا كان سينتهى إلى الأبد أم أنه سيعاود الظهور بشكل آخر، وفى مناطق أخرى، وذلك من خلال تحليلات مجموعة من الخبراء الأكاديميين، الذين حاولوا استكشاف أيديولوجية التنظيم، وإخفاقات الاستخبارات التى أدت إلى صعوده، ودور الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية، ومستقبل مشاركة الولايات المتحدة.
يتعمق الجزء الأول من الكتاب، الذى حرره السفير العراقى السابق لدى الأمم المتحدة فيصل الاسترابادي FEISAL AL-ISTRABADI، والخبير السياسى الهندى سوميت جانجولي SUMIT GANGULY، فى توضيح أيديولوجية داعش وعواملها الخارجية، والعوامل التى تؤثر على مستقبل التنظيم، ومن أهمها: الفشل السياسى والمؤسسى للدول الإقليمية.
فشل استخباراتى أمريكي!
وعن تأثير وجود داعش فى المستقبل على مصالح الولايات المتحدة، يجادل السفير استرابادى بأن استمرار التنظيم أو احتمالية ظهور هجمات مستقبلية لمنظمات شبيهة بداعش قد يكون أمرًا واقعًا إذا لم تسفر النتيجة السياسية فى العراق وسوريا بعد داعش عن تقاسم حقيقى للسلطة وشعور بالحرية من جانب كتلة واسعة من المواطنين، مما يهدد مصالح الولايات المتحدة.
بينما يرى بيتر كراوس، أستاذ العلوم السياسية المشارك فى كلية بوسطن، أن داعش لا يهدد المصالح الإقليمية الأمريكية الأكثر أهمية، أى صعود الهيمنة الإقليمية أو انتشار الأسلحة النووية، وإنما يشكل فقط تهديدًا للمصالح الأمريكية الأخرى، مثل استقرار الحلفاء الإقليميين ومنع الهجمات الإرهابية.
ويحدد الكتاب الصادر عن معهد بروكينجز صعوبة محاربة داعش فى المستقبل باعتبارات ثلاثة أولها كونه يمثل تنظيم على شكل دولة ذات مؤسسات، تسيطر على مساحة من الأرض بحجم ولاية إنديانا؛ وأنه تنظيم عابر للحدود يسعى إلى نشر الفوضى واجتياح الأنظمة القائمة؛ وحركة ثورية تعمل على "إعادة تشكيل المجتمعات ونشر أيديولوجية متطرفة".
وأشار إلى أن الفشل فى محاربة التنظيم على أى من هذه الجبهات، من وجهة نظر كراوس، يعنى "مستقبلًا طويلًا ومحبطًا من الانتصارات التكتيكية والهزائم الاستراتيجية".
ويعترف الكتاب بفشل الاستخبارات الأمريكية فى التنبؤ بصعود داعش، على الرغم من أن العديد من القادة الاستخباراتيين والعسكريين حذروا من تهديد داعش فى السنوات التى سبقت عام ٢٠١٤، إلا أن تاريخ الفشل الاستخباراتى يظهر أنه لا يكفى مجرد ذكر تهديد محتمل لصانع القرار، حيث قللت مجتمع الاستخبارات الأمريكية من شأن التهديد الذى يشكله داعش.
حماية المصالح الأمريكية
يؤكد الكتاب أن تدمير داعش ماديًا، وتحرير الأراضى التى احتلها، وإتاحة الفرصة للأشخاص الذين توجد منازلهم فى تلك المناطق لإعادة بناء حياتهم، كان أمرًا مهمًا للغاية للولايات المتحدة ليس كعمل خيرى تقوم به، وإنما كجزء من المصالح الاستراتيجية الوطنية الحيوية لها، تحسبًا لشن داعش هجمات ضد المصالح الأمريكية بطريقة مماثلة لهجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
عدم القضاء على داعش يعنى أن جماعة إرهابية عنيفة تتمتع بحرية الحركة والقدرة على إنشاء معسكرات تدريب على نطاق واسع لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها فى جميع أنحاء العالم. خاصة أن الفارين من داعش فى العراق وسوريا إلى أماكن أخرى يشكلون خطرًا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، شكل وجود داعش على الأراضى التى استولى عليها من الدول المضيفة نوعًا من النجاح الذى كان يمكن أن يولد "نجاحات" أخرى فى جهوده الرامية إلى التمدد.
ويخلص الكتاب إلى أن خلايا داعش ستستمر فى الوجود فى المستقبل غير المحدد، خاصة فى ظل اختيار داعش لإفريقيا وأجزاء من آسيا، بما فى ذلك أفغانستان وجنوب آسيا. لتكون مسرحًا لعملياته، وبداية لإعادة تمركزه ثم تمدده مرة أخرى، مشددًا على أن استمرار الولايات المتحدة فى الاعتماد فى المقام الأول على خياراتها العسكرية يعنى أن حياة جديدة ستنفخ باستمرار فى هذه المجموعات.
باقية وتتمدد!
وأضاف: من المؤكد أن التنظيمات الجهادية الجديدة ستستمر فى الظهور، وأن التنظيمات القائمة ستتغير شكلها استجابة للمشهد السياسى العالمى المتغير، مؤكدًا أن مواجهة هذه التنظيمات يتطلب إعادة النظر فى أيديولوجية داعش التى تبناها عند ظهوره لكى يمكن التنبؤ بهذا النوع من التنظيمات الجهادية المستقبلية ومحاربتها.
وأكد الكتاب أن ظاهرة الذئاب المنفردة ستستمر فى الازدياد، حيث مكنت مرونة تنفيذ العمليات دون الرجوع للقيادة من الاستفادة من أى عمل عنيف يرتكبه المتعاطفون والمؤيدون الذين نصّبوا أنفسهم، وهو ما أطلق عليه الكتاب الإرهاب عن طريق الإلهام، سيصبح جزءًا من "مجموعة أدوات السياسة الخارجية" غير التقليدية للدولة، ويمكن توقع أن يكون هذا النمط من الإرهاب جزءًا من المنظمات الإرهابية المستقبلية، بغض النظر عن أيديولوجيتها.
يجادل الكتاب بأنه قد يتم هزيمة داعش إقليمياً، ومع ذلك يهرب أعضاؤه الآن إلى قارات مختلفة للمشاركة فى منظمات أخرى، ومن الواضح أنه ستكون هناك مجموعات فى المستقبل ستحمل راية الخلافة وتستخلص الدروس من تجربة داعش. وينطبق الشيء نفسه على الهجمات "عن طريق الإلهام" أو هجمات الذئاب المنفردة.
يشير أحد فصول هذا الكتاب إلى أهمية دور الجماعات والقبائل فى دعم داعش وعودته من جديد، حيثأ تعهدت العديد من هذه القبائل بالولاء لداعش كوسيلة للحفاظ على الذات. وبالنظر إلى المستقبل، فهذه الحقيقة يجب أن يتذكرها صانعو السياسات.
تناول الفصل السادس مستقبل (ولاية خراسان) والعلاقات المعقدة مع جماعات أخرى مثل طالبان، مؤكدًا على أهمية تحسين العلاقات الأفغانية الباكستانية فى مواجهة هذه الولاية.
لماذا هذا الكتاب؟
بينما ناقش الفصل الثامن التحديات التى تواجهها الولايات المتحدة فى حربها ضد داعش بسبب هيكل التحالفات المعقد فى الشرق الأوسط، ولا سيما المصالح المتضاربة لإيران والدول العربية وتركيا وروسيا، بالإضافة إلى الاستراتيجيات الجديدة التى يعتمدها التنظيم مثل احتلال الأراضى وإعلان الإمارات، بالإضافة إلى تكتيكات تجنيد الأطفال واستخدام وسائل التواصل الاجتماعى للتجنيد، التى تجعل من الصعب تتبع أنشطته وكشفها.
الهدف الصريح من الكتاب هو التعامل مع داعش كقضية استراتيجية للمضى قدمًا، من وجهة نظر القوى الإقليمية وكذلك الولايات المتحدة وانخراطها فى المنطقة، فالكتاب مخصص فى المقام الأول لصانعى السياسات والمحللين السياسيين، حتى يتم تلافى الإخفاقات التى حدثت، ومنع تكرارها إذا ما قرر داعش أو غيره إعادة تموضعه من جديد.