السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

فهمي حسين.. سكت الكلام والبندقية اتكلمت

الصحفي والأديب محمد
الصحفي والأديب محمد فهمي حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لمع اسم الصحفي والأديب محمد فهمي حسين، المعروف باسم "فهمي حسين"، ككاتب للقصة القصيرة وصحفي مثقف يهتم بشأن بلاده وقضايا أمته، نشر قصصه القصيرة مبكرًا فى مجلة الرسالة وجريدة المصري، وأصدر مجموعته القصصية الأولى علاقة بسيطة فى العام 1962، وأصدر بعدها مجموعتين هما "أصل السبب" و"حكايات غريبة".
يمكن لفهمي حسين أن يستمر في الكتابة الصحفية سواء كان ذلك بالأعمال الإدراية أو بالمشاركة المهنية في جرائد بعينها كـ "روز اليوسف"، وفي الوقت نفسه يستمر في الكتابة الأدبية المتمثلة في القصة القصيرة، لكن الانفعال الحماسي الشديد لدى فهمي حسين جعله يقف حائرا بين الكاتب الصحفي الذي يمتلك أدوات تقول الحقائق واضحة دون لبس، دون استخدام مفرط للمجاز، دون مواربة، دون دغدغة للعواطف والمشاعر الإنسانية، وبين الأديب الذي يفر من المباشرة، ومن الوقوع في الكتابة التقريرية الصحفية.
اختار "حسين" أن يعطي مجالا كبيرا للصحافة حتى رواغته وتملكته وسرقت حياته بالكامل، في سبيل القضايا التي يؤمن بها سافر إلى فلسطين والأردن وسوريا ولبنان في عز فوران الأزمات الداخلية، وشدة اصطدام الحركات التحريرية بقوى الاستعمار والاحتلال، حيث كتب وشارك في تلك الأزمات. 
كان أمام فهمي حسين طريقان "الصحافة والكتابة الأدبية" لمواصلة نضاله والتعبير عن رأيه وفكره ومساندة الطبقات الفقيرة واستكمال فلسفة الثورة التي أعلنت منذ البداية انحيازها الواضح والصريح للعمال والانتاج والتصنيع والفلاح والزراعة، وأعطت ظهرها للبشوات والأثرياء الذين تربحوا من فقر الناس واستعبادهم، وبدوره كشاب متحمس اعتنق الفكر الثوري والنضالي وساند عن يقين وتدبر قرارات الإصلاح الزراعي والـتأميم ووجد من الطبيعي ألا تكون مساندته بالكلمة فقط.
عندما رأى بلاده تتعرض لضربات المستعمر الغاشم عقب تلك القرارات التي تضمن ازدهار الداخل وتصنع ذاتية واستقلالية حقيقية للبلاد أمام كل دول العالم، رأى أن ينضم لقوات الدفاع الشعبي ويحمل السلاح لمحاربة العدو في بورسعيد.
عقب نكسة يونيو 1967 حمل فهمي حسين السلاح وانضم للمقاومة الشعبية في خط القناة، واستمر ذلك لمدة 3 أشهر، وقد خرج من تلك التجربة بكتاب "وكانت البداية من الصفر" الذي حرره بالاشتراك مع صديقه الصحفي يوسف صبري، وكتب لهما المقدمة الأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، قائلا: "أثبت فى كُل الأعمال التى قام بها فى المصرى والجمهورية ومجلة الإذاعة وفى روز اليوسف، إنه صحفى مُناضل صادق فى حياته كُل يوم.. وهو لهذا يُقرر أحيانًا أن يتخلى عن الكلمة كأداة للتعبير عندما يجد الرُصاصة أكثر فاعلية".
كانت القاهرة بتحركاتها أمام العدو والمستعمر مثار هتمام من العالم، مثلما كانت مصر أيضا تهتم بالعالم ولا سيما الثوار الذين يشعرون بألفة تناقل الفكرة عبر الحدود، كان المناضل المصري يطالع أخبار جيفارا وفيدل كاسترو من بعيد في الوقت نفسه الصف تتابع ما يحدث في مصر.
كتب الروائي الكولومبي جبريال جارثيا ماركيز روايته "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" أول عمل أدبى طويل كتبه ونشره فى وقت مبكر من تكوينه الأدبي، مستوحاة من حياة جده الضابط المتقاعد، ووضع ماركيز المالي السيئ الذى لازمه فى بداية مشواره الأدبي، في هذه الرواية نجد ذلك الضابط الذي اشترك في تحرك عسكري انتهى بالفشل، وهو مع تقدمه في السن ينتظر أن يصل إليه معاش يقتات منه، لكنه كل يوم يذهب للبريد وينتظر أن يصل المال أو ما يفيد ببدء صرف ذلك المعاش، ولا يجد شيئا، يشتري صحف الصباح ليطالع فيها ما يحدث ويتابع مستجدات أزمة قناة السويس التي نشبت عقب اتجاه الزعيم المصري لتأميم شركة القناة، وهكذا فإن رصد ماركيز لما يمكن أن يطالعه الضابط في صحف الصباح فلا يجد أهم من أزمة السويس يمكن أن تتصدر عناوين الصحف.
في نفس الوقت فإن الثائر المصري يهتم بما يدور خارج الوطن وخاصة مع رفاق النضال فنجد الكاتب فهمي حسين ورفيقه يوسف صبري يتحدثان بحزن شديد عن تأكيد كاسترو لنبأ مقتل جيفارا فيقولا: "الريح تصرخ في المدينة شبه الخالية، دوي الرعد يثير الشكوك، هل هو الرعد أم أنها طلقات مدفعية اعتادت المدينة سماعها، في صحف الصباح يؤكد فيدل كاسترو أنباء مصرع جيفارا، شيء محزن حقًا".
يؤكد "حسين" خلال كتابه، على أهمية الشعب وصلابته وتحركاته التي أجبرت المستعمر على مر التاريخ على التراجع والانسحاب فيستعرض خلال البداية المواقف العدائية المؤثرة التي تعرض لها الشعب، منها الحملة الفرنسية في العام 1798، وغزو إنجلترا في العام 1882.
ويستعرض دور وتضحيات الشعب وخاصة في أعقاب ثورة 1919 لمواجه المحتل، ثم يُلقي الضوء على اندلاع المقاومة المسلحة لأول مرة بعد قيام ثورة 52 وذلك في العام 53 و54 تحت قيادة مركزية وضعت هدفا محددا وخطة قام على تنفيذها أعضاء تنظيم الضباط الأحرار الذين اشتركوا في المقاومة عام 51 بالتعاون مع الفدائيين والمناضلين من أبناء منطقة القناة، وحققت الضغط المطلوب باتمام إتفاقية الجلاء.
انشغل فهمي حسين بأزمات مجتمعه العربي، وعبر عن ذلك من خلال مساحته التي كان يطل منها وخاصة في "روز اليوسف"، لكن المطالع لإرث الأديب الراحل من الأعمال القصصية يدرك أنه تميز وسط جيله المطور لفن القصة بسمات فنية تؤكد أنه لو تابع كتابة القصة مخلصًا لها كغيره من أبناء جيله لتمكن من إرساء دعائم فنية خاصة باسمه.
يشار إلى أن الكاتب الصحفي والأديب فهمي حسين قد ولد في قرية بني حسين بمحافظة الشرقية، في 31 أغسطس من العام 1934، وقد رحل في 28 يوليو من العام 2004 عن عمر ناهز السبعين عامًا.