من يعطه الله الحكمة، فقد أعطاه شيئًا كثيرًا، فى زمن قل فيه الفلاسفة والحكماء يتجول عم «حلمى» بائع «الحصير البلاستيكية» الفيلسوف بطوخ قريته والقرى المجاورة لها، فبعد أن يصلى الفجر بالمسجد القريب من منزله يستعد كل يوم بهمة ونشاط فى تجهيز بضاعته تساعده زوجته وأبناؤه فى ذلك، يقضى يومه بالسير فى الشوارع والميادين العامة، ليعود إليهم بعد انتهاء اليوم برزق يساعدهم على مواجهة ظروف المعيشة القاسية «قعدتى فى البيت مرض وخروجى كل يوم للشغل علاج ليا».
ليس هناك حدود لطموحاته؛ لأنه يرى أن الأشياء العظيمة تتطلب وقتا ومجهودا، لذلك هو لا يستسلم أبدا فى مواجهة الحياة بهمومها ومشقاتها فيتغلب عليها بسعيه الدائم، فمنذ ٧ سنوات وفور خروجه إلى المعاش من وظيفته، قرر أن يشترى «دراجة» يضع عليها مجموعة صغيرة من «الحصير البلاستيكية»، لكى لا يمد يده لأبنائه أو لأحد من الناس؛ حيث إن المعاش الحكومى الذى يتقاضاه لا يكفيه بسبب مرض زوجته واحتياجها الدائم للعلاج، كما أنه هو الآخر يعانى بعد إجرائه عملية تركيب دعامة بقلبه، يؤلمه مرضه لكنه يسعى ويكد ويعمل حتى لا يضطر إلى مد يد العون والمساعدة إلى الناس أو حتى أبنائه.
وعلى الرغم من أنه يحتاج إلى مال كثير كى يدبر نفقاته هو وزوجته، إلا أنه يرضى بالمكسب القليل، كما أنه قد يضطر إلى بيع «الحصير» بثمنها أو أقل إذا كان المشترى منه «على قد حاله» - على حسب تعبيره، وذلك بسبب إحساسه بهم وإيمانه بأن الله سيعوضه ويكرمه.
يقول عم حلمى أحمد، «بائع حصر بلاستيكية»، ٦٧ سنة، أنا كنت شغال فى الصرف الصحى وبعد ما طلعت على المعاش المرتب ما بقاش يكفى ومراتى عايزة علاج كل يوم، وما ينفعش بعد العمر ده كله أمد إيدى لابنى واقوله ادينى فلوس، لأن عطية الابن للأب مذلة لكن هبة الأب للابن عز وفرض عليه.
ويتابع، بقالى ٧ سنين بهذه المهنة والناس فاكرة أنها سهلة وبسيطة، لكن هى صعبة لأنى بلف بالعجلة الشوارع كلها وماليش مكان معين أقف فيه، أوقات كتير ارجع البيت من غير ما ابيع حاجة، لكن ساعتها أنا بحمد ربنا إنى رجعت البيت سليم من غير ما تحصلى حاجة.
ويواصل: أنا نازل استرزق وربنا بيراضينى وبروح البيت مجبور الخاطر كل يوم.
