الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

أهل المدد| طه الإسكندراني: الإنشاد الديني صناعة قامات كبيرة

طه الإسكندرانى
طه الإسكندرانى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


شهدت طفولته وهو لم يتجاوز الخمس سنوات، اختلاف تاما عن غيره، فنشأته فى كنف الإنشاد الديني، وعظماء الذكر والطرب، جعلت منه منشدا مخضرما، فكان الطفل الصغير يسمع ويرى عمالقة الإنشاد الدينى والمديح والفولكلور الشعبى المصرى فى الأزقة تارة وفى منزل أبيه تارة أخري، كان ذلك بسبب نشأته بينهم، متخذين من الشوارع والمقاهى المجاورة لمسجد السيدة زينب تجمعًا لهم، يبهرونك بما يقدمونه للزائرين والمريدين، وحينما يعود للمنزل يجد عالمًا آخر لا يقل عن العالم الروحانى الذى تركه منذ لحظات، حيث والده شيخ المبتهلين إبراهيم الإسكندرانى يجلس فى شقتهم الصغيرة بحى السيدة زينب يعد بروفات مع بطانته، كل تلك الروحانيات والمدائح النبوية ساعدت فى تكوين شخصية الطفل طه إبراهيم الإسكندراني، الذى نضجت أذنه ولسانه قبل جسده، وجعلته يسلك الطريق ذاته موهبة ودراسة، حيث تخرج فى معهد الموسيقى العربية، وأصبح هو وإخوته الخمسة أعضاءً فى بطانة والده، ثم كون فرقته الخاصة بعد وفاة والده، التقينا به من ضمن سلسلة «أهل المدد»، لنتعرف معه على الإنشاد والابتهالات وإلى أين وصل؟
الإبداع والجمال فى أداء الإنشاد الدينى كلاهما غذاء للروح ودواء للقلوب.. بهذه الكلمات بدأ بها المداح طه الإسكندرانى كلماته، موضحا أن الأسلوب الجذاب هو الأسرع فى توصيل رسالة إلى الناس، وكان اختيار الأناشيد الإسلامية ذات المعانى الراقية والأداء الجذّاب المؤثر، هى الوسيلة الدعوية الجميلة والتى لقيت رواجا وقبولا لدى غالب طبقات المجتمع وبخاصة الشباب والأطفال، إضافة إلى إيجاد البديل الشرعى لتلك الأغانى الماجنة التى ضيّعت الكثير من هويتنا المصرية ومن شباب الأمة.
نجل شيخ المبتهلين إبراهيم الإسكندراني، عاش طفولته متأثرا بأبيه، موضحا أنه نشأ فى مناخ ساعده ليصبح منشدًا، ويروى قائلا: ولدت فى حى السيدة زينب، وكان شارع السد أشبه بالمسرح المفتوح، لأنه كان مفتوحا لفرق الإنشاد الدينى وكبار المداحين والمنشدين، مثل الريس متقال ومحمد طه، وفرق التحطيب، وغيرها من ألوان الفن الشعبي، وكنت يوميًا أرى هذه المشاهد، إضافة إلى أن والدى كان مبتهلًا، وكنت أتابع بروفاته مع فرقته فى منزلنا وأحفظ ما يقولونه، لذا فأنا أدين بالفضل لوالدى فى تعلم الإنشاد الدينى.
وأضاف قائلا: درست فى معهد الموسيقى العربية، لأننى كنت تعلمت من والدى المقامات، وفى فترة الثمانينيات بدأ يختفى التوشيح الدينى لاختلاف نظرة المجتمعات له وعدم الاهتمام به والحفاظ عليه كتراث، فبدأ والدى يحفظنى أنا وإخوتى الموشحات ليستعين بنا فى الإذاعة، فأصبحنا بطانة والدى لفترة طويلة لا تقل عن خمس سنوات، إلى أن توفاه الله، وفى عزائه قال لى الشيخ محمد الطوخي: والدك كنز وموسوعة وأنت وإخوتك تعلمتم منه الكثير، لذا يجب عليكم أن تهتموا بتحفيظ شباب المبتهلين ما قمتم بتعلمه من والدكم، وبعدها كونت فرقة روحانيات عام ٢٠٠١، وبالمناسبة كنت أنا وإخوتى نعمل فى بطانته.
وما تعلمه من أبيه جعله علمًا وفيرًا ينهل منه الطلاب فى مدرسة الإنشاد، فدائما أؤكد عليهم الاهتمام بالتراث، وأقول لهم من فات قديمه تاه، فيجب على المنشد أن يتعلم ما كان يقدمه الكبار الراحلون ثم يبدع هو الجديد.
صمت جميل يخيم على صوت المبتهل مرددا أتمنى الآن عودة العصر الذهبى للمبتهلين، فالإنشاد كان قد بدأ يتراجع بعد عصره الذهبى، فكان أبهى عصوره فى عهد الشيخ على محمود، وطه الفشنى، وسيد النقشبندى، وإبراهيم الفران، ونصر الدين طوبار، وغيرهم، ولكن الوضع الآن بسبب قلة التواشيح، وعوامل أخرى أدت لتراجعه، لكننى أعتقد أن الإنشاد الدينى سيعود من جديد، ونقابة الإنشاد الدينى تسعى الآن لإحياء هذا الفن.
كان والدك صاحب فكرة إنشاء نقابة للمنشدين والمبتهلين، ولكن توقفت النقابة لأسباب عدة لم يعرفها أحد، فسر المنشد ذلك قائلا: فى حقيقة الأمر فكرة النقابة ليست بجديدة، ولكن فى فترة الثمانينيات أنشأ والدى والشيخ محمد الطوخى جمعية لتدريب وتعليم فن الإنشاد الدينى تواشيح وابتهالات دون مقابل، أطلقوا عليها أولى الألباب، وكانت مشهرة تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية، وكان مقرها فى السيدة زينب، لكنها لم تستمر كثيرًا بسبب ضعف الإقبال عليها، فى ذلك الوقت لقلة الوعى من المنشدين وعدم معرفتهم بأن النقابة هى حماية ودرع أمان لهم، وهذا ما قدمه الشيخ محمود التهامى عندما قام بتأسيس نقابة الإنشاد الدينى الحالية، فجاءت فكرتها عام ٢٠٠٨، بالاتفاق مع التهامى وبعد سعى على إنهاء الأوراق وتقديمها فى البرلمان إلى أن تمت الموافقة على إنشاء نقابة العاملين بالإنشاد الدينى والمبتهلين فى أكتوبر عام ٢٠١٣، وهى تابعة لوزارة القوى العاملة، ثم بدأنا فى عمل مدرسة للإنشاد ٢٠١٤ وأصبحت مدرسًا بها.
وعن أمنيات ابن شيخ المبتهلين، قال: «أتمنى الاهتمام أكثر بالإنشاد الدينى فى مصر، وأتمنى عمل مهرجان دولى للإنشاد الدينى يقام فى مصر ونستضيف فيه دول العالم، وهذا سيكون دعاية للسياحة، وعودة للحضارة فمصر ولادة الفن والحضارات ومؤهلة جغرافيا وتاريخيا للقيام بمثل هذا المهرجان». وحول تحريم استخدام الموسيقى فى الإنشاد، رد قائلا: والله نحن نستخدم الموسيقى فى مدح رسول الله، ولا نستخدمها فى إثارة غرائز، ولا فى تفشى الانحلال فى المجتمع كما يفعل البعض، وهذا على رأى كثير من العلماء حلال.