السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

شمس أفريقيا تشرق في العرس الثقافي المصري

معرض القاهرة الدولي
معرض القاهرة الدولي للكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشرقت شمس أفريقيا في العرس الثقافي المصري بذلك الحضور اللافت للأشقاء الأفارقة في اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب وقبيل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي في شهر فبراير المقبل واستضافتها المزمعة بعد أقل من خمسة أشهر لبطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم التي أضحت من أقوى البطولات في عالم الساحرة المستديرة وتحظى باهتمام كبير من عشاق اللعبة الأكثر شعبية في العالم.
ويأتي الحضور الأفريقي الواضح في هذا العرس الثقافي المصري في وقت يتفق فيه المحللون على أن رئاسة مصر بقيادة رئيسها عبد الفتاح السيسي للاتحاد الافريقي تبشر بمرحلة جديدة في انطلاق القارة الإفريقية على كل مسارات التقدم فيما تحظى افريقيا باهتمام مصري كبير يتجلى في العديد من الفعاليات التي تشهدها أرض الكنانة مثل مؤتمر رواد الأعمال الذي عقد في نهاية العام الماضي بمدينة شرم الشيخ فضلا عن إعلان مدينة أسوان "عاصمة للثقافة الأفريقية".
والثقافة المصرية التي يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب عنوانا من أهم عناوينها السنوية تدرك معنى ومغزى أرقام وحقائق تتعلق بالقارة الإفريقية التي تبلغ مساحتها 30 مليون كيلو متر مربع أي نحو خمس مساحة اليابسة في العالم فيما يزيد عدد سكانها حسب بيانات معلنة عن 1200 مليون نسمة لتأتي في المرتبة الثانية بعد قارة آسيا كما أن ثلثي العرب يعيشون في هذه القارة التي بات خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال يصفونها "بأرض الفرص الواعدة".
وكانت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم قد أعلنت أن وزارة الثقافة "تعمل على فتح البوابة الثقافية مع أفريقيا في إطار رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي" منوهة بالتعاون في هذا السياق مع وزارات أخرى والسفراء الأفارقة بالقاهرة. 
وفيما شهدت قاعة "بانوراما أفريقيا" بمعرض القاهرة الدولي للكتاب أمس "الجمعة" ندوة حول "الاستثمارات والأسواق الواعدة في أفريقيا" فان التفاعل الثقافي بين مصر والأشقاء الأفارقة كما يتجلى في هذا المعرض لا يقل أهمية عن الشراكة الاقتصادية والتجارية المنشودة بل ويمثل "الحاضنة الطبيعية لمثل هذه الشراكة وتوفير المناخ الإيجابي المواتي لها بقدر ما هي القاعدة الراسخة لكل مشاريع التكامل الإفريقي لصالح كل شعوب القارة الواحدة". 
وما كان تخصيص قاعة افريقية في معرض القاهرة الدولي للكتاب لأول مرة وهي قاعة بانوراما افريقيا" إلا إشارة دالة على مدى الاهتمام المصري بمد جسور التواصل الحميم مع كل الأشقاء الأفارقة فيما تحتضن هذه القاعة التي تحمل كلمات لها مغزاها:"أفريقيا تتحدث عن نفسها" كل الأنشطة والفعاليات الثقافية المتصلة بالقارة الإفريقية.
وواقع الحال أن الفعاليات الثقافية والندوات والأنشطة الفكرية في قاعة "بانوراما أفريقيا" تتوزع على عدة محاور وعناوين مهمة مثل:"التنوع الثقافي الافريقي " و"القضايا والمنظمات الأفريقية" و"خصائص الشخصية الإفريقية" و"الأسواق الواعدة والسياحة الافريقية" و"تمكين المرأة الأفريقية" حسبما أوضحت مدير أنشطة البانوراما بمعرض القاهرة الدولي للكتاب مها عز الدين.
وهذه القاعة التي تقدم أيضا ألوانا من فنون التراث الشعبي الافريقي أمست مقصدا لزوار المعرض على وجه العموم والدبلوماسيين والخبراء المتخصصين والمثقفين المعنيين بشؤون القارة الافريقية على وجه الخصوص كما انه من المثير للتفاؤل ان تكون "جاذبة للشباب الأفريقي".
وشهدت قاعة بانوراما أفريقيا أمس ندوة بعنوان "التنوع الثقافي الأفريقي -ثقافة غينيا" فضلا عن ندوة أخرى بعنوان "مصر والبيت الأفريقي" كما شهدت هذه القاعة الأفريقية في معرض القاهرة الدولي للكتاب أمس الأول "الخميس" ندوة بعنوان "التبادل الثقافي الإفريقي" فضلا عن ندوة "الاتحاد الافريقي والمستقبل" حضرها جمهور يضم بعض الدبلوماسيين والخبراء المتخصصين في شؤون القارة الأفريقية.
اما عرض "السيرة الهلالية" الذي شهده أمس جمهور كبير في "ركن الفنون الشعبية" بالمعرض على مدى نحو ثلاث ساعات فهو في جوهره أحد تجليات التفاعل الثقافي العربي-الإفريقي وهي التي دارت فصول ملحمتها على أرض عربية آسيوية-أفريقية كما انها السيرة التي ألهمت مبدعين عرب وحرص بعضهم على تسجيلها إبداعيا وفي طليعتهم الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي.
والإقبال الجماهيري الكبير على هذا العرس الثقافي المصري يعني بالضرورة نوعا من التفاعل الإيجابي مع مضمون افريقي حاضر ضمن المحتوى الشامل لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي الذي تشارك فيه عشر دول افريقية من بينها ثلاث دول تشارك لأول مرة في أي معرض من معارض القاهرة للكتاب وهي نيجيريا وغانا وكينيا ليشكل هذا الحضور الإفريقي نسبة وازنة ضمن مشاركات 35 دولة في المعرض الحالي الذي يستمر حتى الخامس من شهر فبراير المقبل. 
ويتفق مسؤولو الأجنحة الأفريقية داخل "صالة 3" في معرض القاهرة الدولي للكتاب على أهمية دورة اليوبيل الذهبي لهذا العرس الثقافي المصري والتي تتزامن مع الاستعداد لرئاسة مصر للاتحاد الأفريقي معربين عن سعادتهم بالمشاركة في تلك الدورة غير العادية لأكبر وأهم معرض للكتاب في العالم العربي وأحد أهم معارض الكتب على المستوى الكوني.
وقياسا على الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي شاركت فيها السودان والصومال يكون الحضور الأفريقي في العرس الثقافي المصري قد شهد طفرة في دورة اليوبيل الذهبي هذا العام فيما تضمنت المعارض الفنية البصرية التي اقترنت بهذا العرس الثقافي "معرض لوحات افريقية" وشملت قائمة "شخصيات اللقاء الفكري" اسم الكاتب والمبدع الجابوني جان ديفاسا نياما ليكون ضمن أصحاب المنجزات الفكرية والمشاريع الإبداعية الذين يتحاورون مع جمهور الرواد في المعرض.
واذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تتفاعل مع هذا الحدث الثقافي الكبير وتميزت التعليقات هذا العام بالاشادة بمستوى التنظيم الراقي والخدمات المتعددة للزائرين فالمأمول ان يكون للمضمون الثقافي الافريقي في المعرض حضوره في هذا التفاعل الملحوظ عبر الفضاء الالكتروني ومجال التواصل الرقمي.
وفي سياق الحضور الافريقي المتوهج هذا العام في الأنشطة الثقافية المصرية، تقيم الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ندوة بعد غد "الاثنين" في قصر ثقافة اسوان بعنوان "النوبة جسر ثقافي بين مصر وافريقيا" ومن بين المتحدثين في هذه الندوة المزمعة مدير مركز التوثيق الحضاري بمتحف النوبة احمد عيسى.
ووزير الثقافة الأسبق والأشهر في ستينيات القرن العشرين الدكتور ثروت عكاشة الذي يحتفي به اليوبيل الذهبي الحالي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب كمؤسس اصيل للمعرض هو صاحب فكرة "متحف النوبة" وان كان هذا المتحف قد ظهر لحيز الوجود في عام 1997.
وكانت الدكتورة ايناس عبد الدايم قد شهدت مؤخرا احتفالية تدشين اول ناد للسينما الافريقية بقصر ثقافة الأقصر ليكون اول ناد متخصص في الفن السابع الافريقي بجنوب مصر فيما تحتضن هذه المدينة المصرية كل عام "مهرجان الأقصر للسينما الافريقية" وتستعد لاستضافة الدورة الثامنة للمهرجان في شهر مارس المقبل التي ستكون تونس الشقيقة ضيف الشرف فيها.
واذا كانت السينما تشكل وسيطا ثقافيا ابداعيا هاما لدعم العلاقات والتواصل الحميم بين الشعوب فان مصرتمضي بخطى لافتة على صعيد توظيف ابداعات" الفن السابع" في تواصلها مع الأشقاء بالقارة الافريقية وبما يحقق التفاعل الحقيقي بين الثقافة المصرية وثقافات القارة السمراء.
ويأتي هذا التوجه في اطار نظرة ثقافية مصرية تؤازر التفاعل مع ثقافات افريقيا وعرض مستجدات المنجز الثقافي-الابداعي الافريقي في ارض الكنانة وبما يتسق مع حقيقة ان البعد الافريقي حاضر ضمن مستويات الهوية المصرية ومكوناتها الثرية.
وهكذا امسى مهرجان الأقصر للسينما الافريقية يشكل بؤرة ثقافية مشعة للتواصل الثقافي السينمائي بين مصر والدول الافريقية الشقيقة ونجح كل عام في جذب نجوم في سماء الفن السابع في وقت تكتسب فيه الاطر المؤسسية للسينما الافريقية المزيد من الرسوخ كما أن دولا افريقية كنيجيريا التي تشارك في اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب قطعت خطوات كبيرة في مسيرة الانتاج السينمائي.
وهكذا فهناك من يطلق على استديوهات السينما النيجيرية الاسم الدال والموحي "نوليوود" على غرار هوليوود حاضرة السينما الأمريكية او "بولييود" التي تشير لصناعة السينما الهندية العملاقة بينما تفيد تقارير منشورة بأن نيجيريا تنتج نحو 100 فيلم كل عام وتحقق ايرادات سنوية من صناعتها السينمائية تصل لنحو 540 مليون دولار امريكي فيما يتجاوز مجموع استثمارتها في هذه الصناعة ال3 مليارات من الدولارات الأمريكية.
وكما يوضح تقرير اعده الاتحاد الافريقي للسينمائيين عن واقع السينما بالقارة الافريقية فان هناك توجها حميدا للربط بين الفن السابع وخطط التنمية وتطوير اوجه الحياة في ربوع القارة وزيادة مداخيل دولها من الصناعات الثقافية الابداعية وفي طليعتها السينما.
وواقع الحال ان الصناعات الثقافية الإبداعية عنوان رئيسي من عناوين الفعاليات الثقافية في القاعة الرئيسية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي بنظرة تنطلق من أهمية الدور الذي تلعبه هذه الصناعات في "رسم المستقبل في عصر مجتمع المعرفة".
وهكذا تتناول الفعاليات في القاعة الرئيسية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب قضايا تتعلق بالصناعات الثقافية الابداعية تهم كل الأفارقة مثل الاستثمار والتنوع الثقافي والملكية الفكرية والتراث الثقافي غير المادي والدراما الرقمية او "السيبر دراما" بينما تشهد قاعة "بانوراما افريقيا" مناقشات ثقافية مهمة حول قضايا التنمية والاستثمار إضافة لعروض من التراث الشعبي الافريقي.
وباتت الجماهير المصرية تترقب كل عام فعاليات ثقافية فنية تحمل مكونا افريقيا مثل "مهرجان سماع الدولي للانشاد والموسيقى الروحية" الذي يقام في شهر سبتمبر، وتتوزع فعالياته مابين أماكن مثل قلعة صلاح الدين وقبة الغوري وشارع المعز ومجمع الأديان وساحة الهناجر ويشارك فيه فنانون من دول افريقية شقيقة مثل الكونغو ونيجيريا واثيوبيا الى جانب فنانين من الأشقاء العرب في المغرب والجزائر وتونس وسوريا والسودان والأردن واليمن ودول أوروبية واسيوية صديقة. 
وهناك الآن طروحات ثقافية تؤكد على ان العالم "يعيد اكتشاف افريقيا" التي سبق وان اثرت بالهاماتها الفطرية في الأفكار الإبداعية في أوقات مبكرة من القرن الماضي لفنانين كبار وأصحاب أسماء شهيرة مثل بيكاسو ووموديلياني وماتيس وسلفادور دالي. 
وليس من الغريب ان تهتم الثقافة الغربية بالفنون الشعبية او "الفلكلور الافريقي" وان تدخل هذه المؤثرات الثقافية الافريقية في الصناعات الإبداعية بالغرب فيما تبقى مصر مؤهلة بحكم الانتماء والموقع والتاريخ للنهوض بدور محوري قي تنمية الصناعات الثقافية الإبداعية الافريقية وتقديمها على افضل وجه للعالم الخارجي في العصر الرقمي وهو مايوميء لمعنى من معاني "المكون الافريقي في مستقبل الثقافة المصرية".
ولأن "المخزون الإبداعي في افريقيا لاينضب" فان الغرب يسعى للاستفادة من هذا المخزون الذي يتجلى أيضا في اعمال لمثقفين كبار في الغرب مثل القاص والكاتب السينمائي والمسرحي البريطاني ويليام بويد وهو كاتب افلام "الخندق" و"مستر جونسون" ناهيك عن عمل ادبي خالد مثل رواية "قلب الظلام" للأديب جوزيف كونراد البولندي الأصل والبريطاني الجنسية الذي ولد عام 1857 وقضى عام 1924.
وذاع صيت جوزيف كونراد عند الكثير من محبي القراءة بفضل روايته "قلب الظلام" التي صدرت عام 1899 وتحولت لفيلم سينمائي عام 1993وتدور حول رحلة بحار بريطاني في نهر افريقي وهي وان وجدت هجاء من جانب ادباء افارقة مثل الكاتب النيجيري الراحل تشينوا اتشيبي مازالت تثير اعجاب الكثير من المثقفين في الغرب مثل الأمريكية مايا جاسانوف التي اختلفت مع نظرة الراحل النيجيري تشينوا اتشيبي وذهبت الى ان جوزيف كونراد ادان الاستعمار الغربي في روايته.
وفيما يوصف جوزيف كونراد بأنه كان يكتب ادبه عبر "عدسة مكبرة للمستقبل" فلعل هذا الوصف ينطبق ايضا على مثقف مصري كبير ومفكر استراتيجي من الطراز الرفيع المستوى وهو الراحل جمال حمدان صاحب "شخصية مصر" وهو العمل الثقافي الرائد الذي حضر في فعاليات اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 
ويعيد ذلك للأذهان ملاحظة المفكر الاستراتيجي الراحل جمال حمدان حول " الروافد الافريقية" التي كانت تصب اثرها بهدوء في مصر "اي انها تصب اثارا اجتماعية واقتصادية ونفسية وعلمية كبيرة ومتدفقة في وجدان الانسان المصري وشخصيته" وهو الذي رأى ان الحضارة المصرية "ثمرة زواج موفق بين النيل ابو الأنهار ومصر ام الدنيا"
انها مصر التي تطمح لاقامة شبكة حديثة للنقل الافريقي عبر خطوط السكك الحديدية والطرق البرية فضلا عن خطوط وموانيء النقل البحري والجوي ضمن رؤيتها الشاملة وصولا للطفرة التنموية المأمولة في كل ربوع قارتها الافريقية وبلوغ القارة مكانتها المستحقة على خارطة القوى الاقتصادية العملاقة في عالم اليوم.
وعندما ترنو مصر نحو انجاز سريع على الأرض الافريقية لفكرة نبيلة مثل "طريق القاهرة-كيب تاون" الذي يربط شمال القارة الافريقية بجنوبها فان مشروعا كهذا لاتنحصر آثاره الإيجابية في الاقتصاد ودعم حركة التبادلات التجارية بين دول القارة وانما تشمل بالضرورة تعزيز حركة الأفكار المبدعة والتفاعل البناء وتبادل الخبرات بين المثقفين والمبدعين الآفارقة.
واذا كان الشاعر الراحل محمد الفيتوري الذي قضى يوم الرابع والعشرين من شهر ابريل عام 2015 والذي جمع مابين دماء سودانية وليبية ومصرية كان افضل تعبير فى تكوينه ومسيرته فى الحياة والابداع عن مدى التداخل والتفاعل الثقافى العربي-الافريقي وهو صاحب دواوين وروائع في الشعر مثل "اغانى افريقيا و"عاشق من افريقيا" و"اذكرينى باافريقيا" فان شمس افريقيا تشرق الآن في العرس الثقافي المصري لتكتب صفحة جديدة ومضيئة في قصة مصرية-افريقية خالدة شفرتها الحب وابجديتها الإخلاص.