الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ملكة في زمن الجواري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تائهة حائرة طرقت كل الأبواب، تخرج من عثرة إلى عثرة، وحدها وسط مجتمع يسيطر عليه الرجعية والذكورية والتدين الكاذب، لا يعرفون للإنسانية عنوانًا، فهؤلاء سرقوا منها الأمل وبهجة الحياة، كانت إيزيس من عظيمات الكون، قوة وجمال وعلمًا وثقافة ورقيًا، ثم جاء الغزاة الهمج أعداء الحياة، من احتلوا عقول أحفادها ليأسروها ويحولوها إلى جارية مثل جواريهم، وتكون في خدمة الذكر تحت سيف الدين المزيف الذى اخترعوه من خيالهم المريض، ولكن إيزيس ظلت تجرى هنا وهناك، في كل الاتجاهات لتبحث عن مخرج من هذا الأسر المهين الذى لا يجوز ولا يصح مع الملكات، وظلت تصرخ وتصرخ ليسمعها العالم، وتقول لا لا لهؤلاء الجهلاء أعداء الحياة، ثم وجدت نفسها في وسط دائرة مغلقة، والدائرة تضيق شيئًا فشيئًا، وأنفاسها تختنق، لا ترى إلا ظلامًا ولا تسمع إلا آنين النفس والحزن على الماضي.

تجرى هنا وهناك تتباعد وتدنو من الأمل، ولكن بلا جدوى! فقد كانت الضغوط والأعباء أكثر من أن تتحملها وحدها، فهي عقول ظلامية أخذت في الانتشار، وتحاول بكل قوتها أن تعمل على وقف هذا الانتشار، فعندما ترى شعاعًا من الضوء الخافت تجرى نحوه بكل ما أوتيت من قوة، ولكن في النهاية تجده سرابًا!

فتعود مرة أخرى إلى نفس النقطة التي بدأت منها، تنظر بعينيها التي يملأها اليأس والأمل معًا، وتحدق في وجوه من تعرفهم، فتكتشف أنها وجوه لم تكن تعرفها

من قبل، لقد كانت أقنعة وتساقطت قناعًا تلو الآخر، فمنهم من مد لها يد العون على استحياء، ولكن هل لأنهم أبناء الحضارة وأبناء ملوك وملكات أول دولة في التاريخ؟

ولأنهم من أهلها ويعرفون قدرها كملكة ؟ أم لشيء آخر في نفوسهم؟!

رفضت أن ينظر لها بنظرة الشماتة فأبعدت تلك الأيادي، متمسكة بشموخها وكبريائها، فهي ملكة منذ آلاف السنين، ولكنها الآن فقدت الإحساس بالأمان، لأن أكثرهم نسوا هويتهم وتاريخهم العظيم، وانساقوا كالقطيع دون فكر أو عقل وراء الجهلاء، فلقد خدعوهم بأنهم مندوبون لله على الأرض، وأنهم أوصياء على عقول البشر، فكيف لها أن تشعر بالغربة والوحدة والخوف، وسط الأهل والأحباب، أو من كانت تعتقد أنهم أهل وأحباب!!

وكيف لها أن تفكر في الرحيل عن الوطن، لتبحث عن مخرج من هذا الأسر الفكري المختل المهين لها كملكة من آلاف السنين، هل ضاقت بها أرضها؟ هل ضاق بها حضن الأهل والأحباب؟ فهي لم ولن تسير في ركاب الشيطان كما سار القطيع من بعض أحفادها، فهي لا تعرف إلا العزة والكرامة والشموخ، لأنها ملكة منذ آلاف السنين، والملكات لا تنحني رؤوسهن مهما عصفت بهم الدنيا، ولكن كيف المخرج من هذا الفكر الرجعى المتطرف الذى أصاب الكثيرين وأحاط بها وقيدها؟، فصوت الجهل أصبح يعلو على صوت المعرفة، والباطل ينتشر ويجد له مؤيدون أكثر من الحق!، ولكن لأنها صاحبة العزة والكبرياء، ولا تعرف لليأس طريقًا، فما زالت تبحث عن المخرج من هذه الدائرة التي تضيق عليها، وعلى حفيداتها أكثر وأكثر، وأي ضوء تراه لم تتغافل عنه لأنها أيقنت أنه ليس سرابًا خادعًا كما يصوروه لها السوداويون، فلربما بعد ظهور هذه الأضواء الخافتة يظهر نور الشمس جليًا، فظلت تجلس وتنظر وتراقب رغم تراكم الأحزان والهموم التي وصلت عنان السماء، ثم تنظر إيزيس مرة أخرى بعينيها إلى السماء، في انتظار شروق الشمس حتى ينجلي ظلام تلك المِحنة، فهي الآن في زمن على العكس تمامًا من زمانها، زمن ضاع فيه العدل والصدق، وفقد الناس إنسانيتهم، زمن الكيل بمكيالين، ومن يعطى ينتظر المقابل! أصبحنا أجسادًا شهوانية، أصبحت القلوب قاسية، والعيون ترى بالأذن، إيزيس تشعر بالحزن الشديد والوحدة والغربة وسط أبناء جلدتها، بعد أن ضاعت هويتهم العريقة، ولبسوا ثوب الجهل والتشدد، ترى البعض من حفيداتها تكفن في السواد، وسجن أنفسهن برغبتهن، اعتقادًا منهن أن هذا سيدخلهن الجنة التي رسمها لهم شيوخهم من خيالهم المريض، حزنت إيزيس على ما وصل له حال الأحفاد الآن من رجعية وتخلف جعلها لا تتهاون في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أصبحنا الآن في زمن الجواري فهن من يعلو صوتهن بالضلال، أما الملكات فيكتمن أنفاسهن بكل الطرق والوسائل حتى لا يسمع صراخهم المطالب بالحرية لتلك الجواري، إيزيس الآن ملكة تعيش في زمن الجواري.