إذا كان عمرو بن العاص قد فتح مصر عام 21 هـجرية، في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فإن الإسلاميين والرئيس المعزول محمد مرسي قد اختطفوا مصر في عهد الدكتور محمد بديع، مرشد جماعة الإخوان ونائبه المهندس خيرت الشاطر، ففي عام 2012، وبعد أن وصل مرسي إلى رئاسة الجمهورية بسلم الديمقراطية، قام هو وجماعته بحرق هذا السلم إلى الأبد، وذكروا للفريق عبد الفتاح السيسي، أنهم جاءوا ليحكموا 500 سنة، وحتى الرؤى والخيالات المريضة لبعض أدعياء الدين الذين رأوا - فيما يرى النائم - أن الرئيس مرسي يلبس رداء أبيض وعلى كتفه ثماني حمامات خضراء تنبئ عن أن الرئيس مرسي سيتولى حكم مصر ثماني سنوات، بل إنه بعد خلع مرسي بعد ثورة 30 يونيو، كان من يعتلون منصة رابعة العدوية يهتفون والجماهير تردّ عليهم بأن مرسي قد قضى سنة في الحكم وباقٍ له سبع سنوات "باعتبار بقائه لفترتين رئاسيتين"، دون اعتبار للانتخابات الرئاسية، ودون الإشارة إلى سلم الديمقراطية الذي صعدوا عليه ثم حرقوه، فلم يعد له وجود ولم يعودوا يذكرونه من الأساس.
وعلاوة على سياسات الكذب والإقصاء والتهميش والأخونة والنصب والدجل السياسي - كسياسات للتمكين للجماعة - فإن أكبر وسيلة تم استغلالها للاستيلاء على الوطن، كانت تتمثّل في دستور 2012 المشؤوم، الذي أعدته الجماعة بنفسها وعلى مقاسها، تستبيح به الوطن وتكبل حريته وتبييع بناته في سن الطفولة لمن يدفع ويريد أن يستمتع بالأطفال بدعوى الزواج، ويستبيح اللعب بحدود الوطن، تؤمن الجماعة بالوطن وتسعى إلى أوهام الخلافة على حساب الحقيقة الثابتة الراسخة، وهي الوطن، ومثل لصوص المغارة في قصة "علي بابا والأربعين حرامي" وضع المختطفون الدستور بليل وأقروه والشعب المصري يغط في نوم عميق، ليستيقظ فيجد العصابة تختطف الوطن عبر دستور مشبوه في الساعات الأولى من الصباح، فاستشاط الشعب غضبا مما فعلته العصابة الحاكمة، فكان هذا الدستور المشبوه أحد أهم الأسباب التي قادتنا إلى ثورة 30 يونيو.
وعلى النقيض تماما من دستور 2012، يمكن القول إن دستور 2014 كفل عديدا من الحريات الإعلامية المفقودة، سواء للإعلام أو المواطنين أو الإعلاميين، ولعل أروع ما أتى به هذا الدستور هو: "ألا توقّع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية"، وهو المطلب الذي طالما كافح من أجله الصحفيون والإعلاميون المصريون، سواء في عهد المخلوع مبارك الذي وعد بذلك ثم أخلف وعده، أو في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي اكتفى بإلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا النشر، بينما رفضت جماعة الإخوان إلغاء الحبس في قضايا النشر في دستور 2012، بحجة أن الصحفيين "ليست على رأسهم ريشة"، وفي ظل العداء المستحكم بين الجماعة والإعلاميين، الذين شبّههم المرشد العام للجماعة بأنهم "سحرة فرعون"، ليبقى الحبس سيفا مسلطا على كل من تسوّل له نفسه نقد سياسات الجماعة ونظامها البائس.
ولا شك أن المادة 72 من الدستور الجديد لا تقل أهمية عن سابقتها "تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية المملوكة لها بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية"، وهو ما يطرح إعادة هيكلة أسلوب إدارة هذه المؤسسات بشكل مهني بعيدا عن التحيز للنظام الحاكم أيا كان، فقد عانت هذه الصحف - كما عانى قراؤها - من التلون والنفاق السياسي لنظامي مبارك ومرسي، ما جعلها أدوات طيّعة تابعة للنظام تكرِّس استبداده وفساده، على الرغم من أنها كان يجب أن تكون وسائل تمارس النقد والتحليل والتفسير لسياسات النظام، وهو ما لم يكن ممكنا لافتقاد هذه المؤسسات إلى الاستقلالية.
كما كفل الدستور الجديد حرية تداول المعلومات، وحرية الإبداع، وهي الحرية التي عانت كثيرا في عهد الإخوان ورئيسهم مرسي، حيث عُيِّن وزير للثقافة يعادي الإبداع والمبدعين، وحظرت المادة 63 التهجير القسري أو التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، واعتبرت مخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم، وتنبع أهمية هذه المادة من حرص مناصري المعزول مرسي على إثارة الفتن ضد الإخوة الأقباط في بعض القرى، كما حدث في دهشور ورفح وغيرهما، ما كان يؤدي إلى تهجير الإخوة الأقباط من مساكنهم، وهو ما يفتقر إلى أبسط حقوق المواطنة.
وعلاوة على كل هذه الحقوق والحريات الواردة في الباب الثالث من الدستور الجديد، وهي حريات وحقوق تفوق نظيرتها في الدساتير المصرية السابقة جميعها، نجد أن الدستور كفل حريات وحقوقا أخرى لا تقل أهمية، مثل تجريم التعذيب بكل صوره وأشكاله واعتباره جريمة لا تسقط بالتقادم، والالتزام بصون الحياة الخاصة للمواطنين، وعدم تعطيل وسائل الاتصال أو الاتصالات كخدمتي الهاتف المحمول والإنترنت، وحرية الاعتقاد، وحرية البحث العلمي، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وإنشاء جهاز مختص بحماية هذه الحقوق، وحق المواطنين في الاجتماعات العامة والتظاهر في حدود ما ينظمه القانون، وحق إنشاء الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والجمعيات الأهلية، والحق في السكن الملائم والآمن والصحي بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية.
وفي النهاية، فإنه إذا كان دستور 2012 هو دستور الحريات المفقودة، فإن دستور 2014 هو دستور الحريات المكتسبة بعد ثورتين مصريتين عظيمتين، فتحتا كل أبواب الحرية للمصريين والتحرّر من جماعة الإخوان التي كادت تختطف الوطن وتورده موارد الهلاك، نعم للدستور الجديد في عصر الحرية، حرية مصر والمصريين، لن أقول لك قل نعم للدستور لكي تدخل الجنة كما كان يقول الإسلاميون، أو ادفع لكي تحصل على البركة كما كان يقول بعض كهنة العصور الوسطى، لن أقول مثلهم لأنني لست من تجار الدين، ولكنني أقول لك: قل نعم للدستور، فبقولك نعم أنت تضمن لك ولأبنائك أن يكونوا أحرارا في بلد حرّ.