رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإرهاب وتلوث الهوية المصرية (7)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا غرو فى أن وعى المصريين «أقباطا ومسلمين» وحرصهم على تماسك هويتهم السمحة هو الذى دفع القائمين على الجامعة الأمريكية -آن ذاك- إلى التراجع عن تنفيذ مخططهم التبشيرى أو السياسي؛ وليس أدل على ذلك من تصريحات مستر مكلانهن MeClenahan عميد كلية الآداب والعلوم، ومستر جوردون مريام Merriam Gordon السكرتير الثالث للمفوضية الأمريكية بالقاهرة - فى فترة الثلاثينيات - اللذين أكدا أنه ليس من أغراض الحكومة الأمريكية أو الجامعة تنصير المسلمين أو تحويل المسيحيين الأرثوذكس عن كنيستهم، بل غرض الجامعة الأمريكية فى مصر هو نشر الثقافة والعلم بين شبيبتها وتربيتهم على النهج الأوروبى الحديث، حيث حرية الفكر، وحقوق الإنسان، وتخليص المجتمع المصرى من العادات والتقاليد المرذولة التى تدفع رجاله إلى الجور على المرأة وإهدار حقوقها وكبت طاقاتها وحرمانها من المشاركة الإيجابية فى شتى النواحى ومختلف مجالات العلم والتعلم والعمل. وأضافا أن كل ما يعنى الجامعة الأمريكية فى مصر هو ترسيخ مبدأ حرية العقيدة وحق المصريين فى تغيير ديانتهم من المسيحية إلى الإسلام أو العكس أو من الأرثوذكسية إلى البروتستانتية، وأن تكفل الحكومة حماية المتحولين وترفع عنهم كل أشكال الأذى مثل الحرمان من الميراث أو مفارقة الأزواج والتخلى عن ذويهم، وذلك لأن هذه الأفعال تتعارض مع المبادئ الأمريكية فى نشر الحرية وأخلاقيات الحضارة الإنسانية وحقوق الإنسان. وقد تصدى الشيخ مصطفى المراغى لهذه الحملة وشكل جمعية أهلية لمقاومة التبشير والرد على اتهامات المستشرقين والزود عن الإسلام ضد أكاذيب المبشرين، ومناقشة المرتابين والراغبين فى تبديل ديانتهم وتوضيح لهم ما التبس أو اختلط عليهم من أمور دفعتهم إلى الانصياع لإغراءات القساوسة المبشرين، وقد شارك فى هذه الجمعية الشيخ محب الدين الخطيب، وحسن البنا، وقد انحصر دورهما فى ترديد بعض المقولات التى تعلى من شأن الإسلام على غيره من الديانات وتحذر من عقوبة المرتد ووصف كتب الكنيسة بالتحريف وعقيدة الصلب والفداء بالكفر والتزييف، الأمر الذى اعتبره الأقباط اعتداء على معتقداتهم، وراح الكثير من قادة الرأى فى الكنيسة الأرثوذكسية يذكرون المسلمين بأن النبى مدحهم ونهى المسلمين عن إيذاء النصارى ولو بكلمة (من آذى ذميا فقد آذاني)، وذلك لأنهم أقرب الناس للمسلمين ومن ثم وجب مودتهم والبر بهم. كما بينوا فى العديد من مقالاتهم وخطبهم فى الكنائس والمقاهى والساحات أن الكنيسة الأرثوذكسية غير معادية للإسلام، وأن التاريخ يشهد منذ دخول عمرو بن العاص إلى مصر لم تقع حادثة واحدة ضد المسلمين من قبل الأقباط الذين شعروا بالأمان فى كنف إخوانهم المسلمين إذ اجتمعوا معا بصد الأعادى الغازين واكتسبوا معا مرارة العيش فى المهالك والكبوات وذاقوا حلاوة العسل فى الرخاء والانتصارات. كما أضافوا أن خير مأمن للمسيحى من شرور الاضطهاد أو القمع والتنكيل هو القرآن وأحاديث النبى ووصايا الصحابة.
وقد أرسل المجلس التبشيرى العالمى العامل فى مصر عدة خطابات إلى أمريكا وإنجلترا يعبر فيها عن استيائه لمفهوم الحكومة المصرية للحرية الدينية، إذ اعتمدت فى تشريعاتها التى وردت فى الدستور على الإسلام باعتباره الديانة الرسمية للبلاد ولم تقر صراحة بحرية الاعتقاد أو انتقال الأفراد من الإسلام إلى المسيحية أو غيرها تبعا لإرادتهم. وجاء الرد الأمريكى متفقا إلى حد كبير مع الرد الإنجليزي، إذ رفض كلاهما الاعتراض على ما جاء فى الدستور المصرى من تحيز للإسلام أو التضييق على حركة التبشير ونصح أعضاء مجلس التبشير فى مصر بضرورة توخى الحذر وتجنب الصدام بين الطوائف الأوروبية والمسلمين وذلك لأن الكنيسة المصرية الأرثوذكسية لم تتقدم بأى شكوى تفيد أنهم فى حاجة إلى معونة الأوروبيين للدفاع عن حريتهم فى العبادة أو حماية كنائسهم، وانتهى الأمر بفشل المبشرين والمستشرقين السياسيين فى إخضاع الدستور المصرى لرغباتهم أو مسايرة العراق وفلسطين فى الاتفاقيات التى أجروها مع الإنجليز بخصوص حرية العبادة، ولم يتعرض الإنجليز لهذه المسألة البتة خلال كتابتهم لنصوص معاهدة ١٩٣٦.
أما الإرساليات الأمريكية والإنجليزية فاكتفت بدورها التعليمى والجمعيات الأهلية للرعاية الصحية والعناية الاجتماعية لنشر تعاليمها فى هدوء وقد رغبت المصريين فى مدارسها عن طريق العناية بأخلاقيات خريجيها ومستواهم العلمى ومظهرهم الخارجى الأمر الذى مكن الإرسالية الأمريكية على وجه الخصوص من نشر مدارسها فى شتى أنحاء الأقاليم المصرية.
ونخلص من ذلك إلى ثلاث حقائق: أولها أن تلوث الهوية المصرية بآفة التعصب والطائفية كان من العوارض الخارجية أى لم يكن أصيلا فى بنية المصريين ولا جزءا من مشخصاتها؛ وثانيها أن العامل الرئيسى الذى لم يمكن الإرساليات الغربية من الهجمات التبشيرية أو من الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين فى مصر هو إخلاص رجالات الكنيسة وإيمانهم بقداسة الولاء والانتماء للوطن وتسامح قادة الفكر المسلمين الذين تجنبوا الفتنة وانتصروا إلى الحكمة وصحيح المنقول الذى يأمر المسلمين بالتعايش مع الأغيار ولاسيما الأقباط وعدم إكراههم فى الدين؛ أما الحقيقة الثالثة فهى أن ما نجده من شرارات ترغب فى إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين ضد الأقباط (من حين إلى آخر) تُرد إلى الجماعات المتعصبة وأن ما نلمحه من عبارات يرددها الأقباط لاستفزاز المسلمين وتحريضهم على إخوانهم ما هى إلا نتاج كتابات المستشرقين الأوروبيين الذين لا يريدون لمصر خيرا، (ولعلنا نقرأ صفحات الماضى لنفلح فى تسييس حاضرنا والتخطيط لمستقبلنا). 
وللحديث بقية