خرج الإنسان من بطن أمه صفحة ناصعة البياض لا يعلم أو يفقه شيئًا، وقد أخبرنا الله تعالى بذلك في قوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}، ويقوم الوالدان بتعليم أطفالهما الكلمات البسيطة ثم يتدرجان شيئا فشيئا حتى يتعلموا ما يفيدهم ويفيد مجتمعهم. ولا شك أن الإنسان يمتلك الأدوات المعرفيّة التي منحهُ الله إيّاها كالسمع والبصر والأفئدة والعقل الذي بهِ يُميّز الحقّ من الباطل، ولكن هذا كله لا يكفي ما لم يتلقَّ الإنسان العِلمَ عن غيرهِ من أهل الخبرة والمعرفة، ومن هُنا برزت الحاجة لوجود مَنْ يقومون بهذا الدور، ويضعنا في صورة الواقع الْمُعاش.
وتكمن أهمية المعلم في كونه المسئول عن تلقين العِلم وإيصاله لأجيال متعاقبة بطريقته الخاصة؛ لذا كان لزامًا على هذا المعلم أن يكون ذا صفات وقدرات خاصة تؤهله لهذا العمل العظيم، فمهنة التعليم هي أشرف مهنة عرفها التاريخ على الإطلاق، فهو الذي يمهد لجيل من العلماء والمثقفين، فإن صلح غرسه تقدمت الأمم، وإن فسد تأخرت وأصبحت في أذيالها، وهنا يحضرني قول أمير الشعراء أحمد شوقي في مدحه للمعلم:
أَعَلِمْتَ أَشْرَفَ أَوْ أَجَلَّ مِنَ الَّذِي يَبْنِي وَيُنْشِئُ أَنْفُسًا وَعُقُولا
انطلاقا من أهمية المعلم ودوره العظيم في تشكيل وعي أبنائنا، أطالب المسئولين عن العملية التعليمية بِطيِّ صفحة الماضي والبدء بتقنينٍ جديد يخرج جيلًا من المعلمين لهم القدرة نفسيًّا وعصبيًّا وعلميًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا على حمل هذه الأمانة العظيمة، فكما أن هناك اختبارات تجرى للالتحاق بالكليات العسكرية أو بعض المناصب الدبلوماسية المهمة، فيجب إجراء اختبارات متعددة تقيس مدى قدرة من يرون أنفسهم قادرين على أداء هذا العمل العظيم، فلابد أن يكون المعلم موهوبًا، واسع الاطلاع، مبدعًا، أنيقًا في ملبسه، مرتبًا في أفكاره، صاحب شخصية قوية؛ لأنه قدوة طلابه ومثلهم الأعلى.
وما تقدمت الدول إلا باهتمامها وتقديرها للمعلم ووضعه في أعلى المراتب، ففي اليابان يجيء موقع المعلم بعد الإمبراطور مباشرة، ويتولى الوالدان في اليابان غرس هذا الاحترام في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم، وبلغ بهم تقدير المعلم إلى غسل بعض الطلاب لأرجل معلمهم كما جاء في الفيديو الياباني الشهير تكريمًا له واعترافا بفضله عليهم.