الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الصورة وتزييف الواقع «7»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أما «بودريار» فرأى أن الحضارة الغربية- فى النصف الثانى من القرن العشرين- قد أعلت من شأن الصورة وجعلت منها وسيطًا مهمًا من وسائط المعرفة. 
هذه المكانة- التى احتلتها الصورة- قد أدت إلى غياب الواقع وتواريه خلف عالم من الصورة المحاكية أى نسخة غير ذات أصل محدد Simulacrum، إن مثل هذه الصورة أو هذه النسخة من الصورة ليس لها مقابل محدد فى الحياة الفعلية، إنها ليست تمثيلًا لشىء محدد ويصعب تمييزها عن الواقع أو فصلها عنه.
وهكذا فإنه يمكن اعتبارها نوعًا من الواقع الزائف، الذى يمكنه أن يتجاوز الواقع الفعلى ذاته، وتعتبر الصورة المحاكية المرحلة الأخيرة من تاريخ الصورة، التى تتمثل فى الحركة من حالة كانت الصورة فيها بمنزلة الأقنعة التى تحل محل حالات الغياب للواقع الفعلى، إلى حالة (أو حقبة جديدة) لا تحمل الصور فيها أى علاقة بأى واقع أيا كان، إنها تتمثل فى حالة المحاكاة الخالصة نفسها؛ إنها صور محاكية، لكنها لا تحاكى إلا نفسها. 
ولذلك رأى «بودريار» أن تصوراتنا عن الواقع تُشَكل من خلال التليفزيون وأشكال الميديا، هذه الأشكال تقف كبدائل ورموز للواقع، بل تكون هى الواقع؛ حيث لا نعرف الواقع إلا من خلالها.
هكذا حولت هذه الوسائل- كما يقول- كل الحياة الاجتماعية وكل الواقع إلى صورة، لكنها صورة ليست أصلية ولا الواقع التى تحاول محاكاته أصلى، والنتيجة غياب الحقيقة». 
ولا شك أن هذه الآراء عن عالم المحاكاة غير ذات الأصل والصور الزائفة- تخلو من كل طابع نقدى، ذلك لأن «بودريار» لا يقدم أى وسيلة يمكن من خلالها التغلب على هذا العالم الزائف الذى يفترض وجوده، وهذا قول يصح أيضًا على «دولوز».
ومجمل القول، أن «الصورة»- شأنها شأن ظواهر أخرى عديدة- قد مرت بمراحل تحول وتطور، حتى بلغت ما بلغته الآن من تقدم تقنى هائل على كل المستويات، إلا أنه يمكن التمييز بين مرحلتين رئيستين تحولت الصورة فيهما من الشىء ونقيضه.
المرحلة الأولى هى مرحلة الحداثة، حيث كانت هناك علاقة هوية بين الصورة والموضوع المشار إليه، أى بين ما تُجسده الصورة وبين الواقع الفعلى؛ وفى هذه المرحلة كانت الصورة مرتبطة بسياق تاريخى واجتماعى وسياسى. 
أما المرحلة الثانية فهى مرحلة ما بعد الحداثة، حيث لم ترتبط الصورة بأية واقعة أو حدث محدد، أى أنها تمتلك قدرة ذاتية على العمل دون الارتباط بموضوع أو سياق معين، بمعنى أنها عبارة عن نسخة زائفة لا ترتبط بأى أصل محدد.
وهذا على خلاف ما ذهب «أفلاطون»، حيث امتلكت الصورة قوة الأصل، قوة تفوق الواقع ذاته، لكن الصورة تحولت- فى هذه المرحلة- من كونها محاولة لمحاكاة الواقع إلى نموذج يحاول الواقع محاكاته.