السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شـواطئ.. إعادة النظر في النظام الدولي الجديد (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يتابع يورج سورنسن Georg Sorensen أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس Aarhus University الدنماركية، في كتاب "إعادة النظر في النظام الدولي الجديد "Rethinking the New World Order، والذي نقله إلى العربية أسامة الغزولي ، بقوله: إحدى الرؤى، والتى تبناها إيمانويل وولرستين  Immanuel Wallerstein وديفيد هارفى David Harvey، تقوم على أن الرأسمالية تنطوي على  منطق نظامي منغرس في صُلب تكوينها بجعل التأزم ملمحًا باقيًا لا يفارق النظام فالأزمات تتكرر بطرق عديدة وتتراكم على نحو يجعل الأزمة التالية أخطر من سابقتها.

 ويدفع ديفيد هارفى بأن "مشكلة استيعاب فائض رأس المال"  هي المشكلة الرئيسة في النظام. ولكى يطرد التراكم الرأسمالي لا بد لرأس المال من منفذ لفائض التنامي . وفى العام 1970 نشأت الحاجة إلى العثور على منافذ استثمارية جديدة لمبلغ 0.4 تريليون دولار سنويا، وهو المبلغ الذى أصبح اليوم 1.6 تريليون دولار، وبحلول العام 2030 سوف يصبح  ثلاثة تريليونات سنويا. والعثور على منافذ مربحة لفائض بهذه الضخامة هو أمر "بالغ الصعوبة" وربما كنا نقترب، بكل بساطة، من نقطة لم يعد فيها هذا الأمر ممكنا، وهذا هو الأصل في عمق التأزم الحالي. 

وبالنسبة إلى وولرستين  لا يمكن تحقيق أرباح كافية لرأس المال في حالة التنافس الكامل، وبالتالي، "لابد على الأقل، من شبه احتكار للقوة الاقتصادية العالمية". لكن الاحتكارات تتحلل ذاتيا بمرور الوقت لأن منتجين جددًا يدخلون السوق العالمية. ومع تراجع ربحية المنتجات الرئيسة يكف الاقتصاد العالمي  عن النمو ويدخل مرحلة الركود. ويزيد الأزمة احتداما عنصران إضافيان: من ناحية تزايد كُلف الإنتاج (العمالة، والمدخلات، والضرائب)، ومن ناحية أخرى الضغط الإضافي على النظام، الناشئ عن النمو في الصين وفى بقية آسيا، الذى يعود إلى "التوسع المفرط في توزيع فوائض القيمة". وبنحو عام لقد دخلنا فترة تأزم بنيوى لم يعد في وسع النظام الرأسمالي فيها أن يُقَّوم اعوجاجه، والأرجح هو أن السؤال الرئيس قد يكون "ما الذى سيحل محل هذا النظام؟". 

وحتى إذا كان المؤلفان يؤكدان أن نتائج الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي ليست من المعطيات المسبقة لأن الصراعات السياسية تؤدى دورًا أساسيا فيها، فالميل إلى الحتمية واضح فى تحليلهما. فالتوترات الموجودة فى جوهر النظام هى التى تتولد عنها القوى الدافعة الحاسمة التى تمضى بالنظام إلى التأزم البنيوى وإلى التحول.

ويقدم روبرت كوكس Robert Cox عرضا لهذه المقاربة الأوسع، والمستلهمة من جيامباتيستا فيكو Giambattista Vico وأنطونيو جرامشي Antonio Gramsci، والرسالة الرئيسة المتصلة بــ "النظام الدولي" عند كوكس هي أن توازن القوى الدولي يتغير، فالسيطرة العالمية للولايات المتحدة سوف يحل محلها شيء آخر. وليس واضحا بعد، على نحو كامل، ما هو ذلك لاشىء الذى سيحل محلها، قد يكون نظاما تعاونيا لما بعد الهيمنة ن تتفق فيه الدول على تعاون سلمى من أجل منفعة متبادلة، وقد يكون عالما يحكمه التنافس المفتوح بين مراكز قوة متصارعة. 

وفيما يتصل بالنظام الدولي، بمعناه، فإن تحليل كوكس، وتحليلات كثيرة أخرى، تتنبأ بتراجع مركز الولايات المتحدة وبظهور نظام جديد يقوم على ما بعد الهيمنة. ويجادل فى هذه النقطة كتاب "تخليق الرأسمالية العالمية " The Making of Global Capitalism لليو بانيتش  Leo Panitch وسام جندين Sam Gindin، فهما يذهبان إلى أن تخليق الرأسمالية الكونية لا يمكن أن تنهض به قوى السوق وحدها، فهو  يحتاج إلى دولة تملك القوة والإرادة والقدرة على خلق الإطار الضروري لقوى السوق الرأسمالية وعلى الإشراف عليها من حيث القواعد والضوابط واحترام الملكية الخاصة.

وقد باشرت الولايات المتحدة بأداء هذا الدور بالفعل في 1939 عندما تبينت مجموعة من رجال الأعمال الكبار الحاجة إلى إحلال نظام يقوم على التجارة الحرة وتشرف عليه الولايات المتحدة، محل نظام تجاوزته الأيام قائم على الإمبريالية. ولتحقيق هذه الطموحات تعين تنفيذ المهمة الأولى المتصلة بها وهى إعادة تنشيط الرأسماليتين الأوروبية والغربية واليابانية بعد الحرب العالمية الثانية. وقد انطلقت هذه المهمة بقوة خطة مارشال Marshall Plan وبتكريس نظام بريتون وودز Bretton Woods (صندوق النقد الدولى وما يعرف اليوم بالبنك الدولي World Bank؛ وقد أفضى ذلك إلى "العصر الذهبى" للنمو والتوسع الرأسماليين الريغانية في الثمانينيات والتسعينيات  من القرن العشرين. 

ففترة التأزم لا ينظر إليها باعتبارها مقدمة لتراجع اقتصادي طويل المدى فى الولايات المتحدة. لقد كانت مرحلة إعادة هيكلة لاحتواء وتقليص مطالب المنظمات العمالية؛ وكان ذلك نجاحا تاما. فقد كانت الأجور الحقيقية فى القطاع الخاص فى الولايات المتحدة فى 1999 أدنى منها فى 1968. وانفتحت النيوليبرالية على العولمة التى قادتها الولايات المتحدة باعتبارها الميسر و"المستهلك المنقذ". فاقمت العولمة ضعف المنظمات العمالية لكنها عززت في الوقت ذاته الموقع القيادي للولايات المتحدة فى الصناعات الأساسية للحواسيب والبرمجيات والصيدلة والطيران. 

وبدلا من الغرق في وحل الأزمة، تولت الولايات المتحدة قيادة صريحة لعولمة الرأسمالية. أشرفت الولايات المتحدة على دمج الصين في الاقتصاد العالمي. وتبقى الصين معتمدة على الولايات المتحدة باعتبارها سوقا لجانب رئيس من انتاجها وهى مخترقة على نحو كثيف من قبل الاستثمار الأجنبي الغربي المباشر. لكن أصل الإطار الأساسي لاقتصاد رأسمالي عالمي ينبع من الولايات المتحدة التي تبقى مهيمنة على المؤسسات الدولية فيما يتصل بالقواعد والضوابط والاستجابة للأزمات. وفى الوقت ذاته تفاقم اللامساواة والاستغلال فى الولايات المتحدة وفى غيرها من البلدان ينتقل بسهولة. إلى مختلف فضاءات نظام كثيف العولمة. وبإيجاز، فالبعد الاقتصادى مهم فى حد ذاته لكن التأثير المتبادل بين الدول والمؤسسات الدولية لا يقل أهميه ومواصلة البحث فى توزيع القوة هى وحدة من طرق توضيح هذه العلاقة. ولا يمكن اختزال النظام الدولى فى توترات صُلبيه متأصلة فى بنية الاقتصاد الرأسمالى. 

  وللحديث بقية