الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نجيب محفوظ قلم لن يموت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن ذكرى الأديب العالمي نجيب محفوظ تعيد لنا أصالة الفكر الذي غاص في الوجدان وجسد الشخصية المصرية بكل أطوارها صاعدًا بها إلى عنان السماء والعالمية، بقلم رشيق وفنان تغلغل في المشاعر فطاف بها في عالم رحب يمتلك أدواته ومفرداته ويسيطر عليها، في كتابات رأى العالم من خلالها أصالة الشخصية المصرية بكل أبعادها وكل ما أحيط بها من أحداث فجعل شخوص رواياته تتحرك بيننا حية لن تموت مثل شخصية السيد عبدالجواد كما أضفى على الأماكن صفة البطولة فتحرك الجماد فكان بطلا في رواية زقاق المدق والسكرية وبين القصرين وغيرها، كما جسد الشخصية المتمردة على واقع الحارة المصرية في شخصية حميدة، وما لبث لأن حكي عن نفسه في مجموعة قصصية أفضى بها في بوتقة شعوره المتدفق. كما طائف بنا حول الشخصيات السياسية والأدبية والفنية ورأيه في الثورات في عمل أدبي فريد من خلال (أحلام ما بعد النقاهة) فلم تفلت الحياة وتصوريها من بين أنامله الرشيقة إلا وكتب وجسد ما بها حتى المقهى التي كان يجلس بها لساعات مازالت تعرف بمقهى الفيشاوي أو مقهى نجيب محفوظ فكانت كنزه الحقيقي الذي يخلو إليها بنفسه ويتعارك معها ويعيش بين دفاتر عقله مستدعيا ذكرياته ثم يرمي بها إلى واقعه، فيرسم قلمه بخفة معتصرًا إبداعًا، ولا ينفك من مجلسه حتى يعود برؤية أو قصة، مداعبا الجالسين لإخراج ما بهم وما يشعرون. مداعبا مرة ومصاحبا أخرى وساخرا. إن نجيب محفوظ علامة فارقة في عالم الأدب العربي فهو ابن الحارة المصرية الخالصة الذي نقلها إلى عوالم أخرى فعرف العالم الحارة والزقاق والدروب وعالم الفتوات والحرافيش والعيارين والحمالين، مجسدا اللغة والرؤية والعوالم المحيطة بها ودوافعها النفسية ودلالاتها اللغوية. كما جسد صورة المرأة بكل أنواعها وأطيافها من السلطة والمغلوب على أمرها مثل (أمينة) والمتعنتة والحبيبة، وغيرها وما كان لنا أن نعرف هذا إلا من خلال أسلوبه الرشيق الذي يتماوج بين الحوار وبين أنساق الشخصية، فلم يقف عند رؤى ثابتة ومواقف عقيمة ولكنه يسبح في النيل كيف شاء وكيف حط على شاطئيه بكل سهولة ويسر فكتب ثرثرة فوق النيل، فأكب حول الشخصية الفلسفية المتعمقة والوجود، لم يتخيل نجيب محفوظ أنه سيصل إلى العالمية في وجود أدباء في عصره لا يقلون عنه كفاءة ولكنه كل يتجه نحو الشخصية المصرية بكل أبعادها المعيشية والحياتية والفكرية مستخدما جملا قصيرة وتعبيرات دلالية نفسية وفلسفية وبلاغة عامية، ومن ثم وصلت للوجدان المصري الذي رأى في شخوصه وروايته ذاته وحركات وقفشاته وسكونه، فاستحق عالمية الشعب المصري أولا. فهو كاتب يعبر عنهم ولهم في بساطة ذو قلم يمتلك قدرة تصورية فائقة وأسلوب خاصة ومدرسة هو زعيمها ينهل منا كل أديب وكاتب وقد نقش في ذاكرة الأمة فاستحق العيش فيها أبديا.